“هناك شكوك عميقة في قدرة الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية ولي العهد محمد بن سلمان على إخراج ما أطلق عليه “الثورة المجتمعية” التي أعلنها للخروج ببلاده إلى آفاق جديدة من المدنية والتعددية الفكرية” هذا ما كشفته دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب.
مُعد الدراسة والباحث في المركز يوئيل غوجانسكي كشف أنه وبخلاف ثورات الربيع العربي التي انطلقت منذ نهاية 2010، فإن الثورة السعودية المزعومة بدأت من رأس الهرم وليس قاعدته كما في الدول الأخرى، وهو ما يجعل نجاحها أو فشلها مرهون بشخص ابن سلمان فقط، وهنا مكمن الخطورة.
لوحة متكاملة الأوجه رسمها معد الدراسة لولي العهد السعودي، عكست وبشكل كبير كيف ينظر المجتمع الإسرائيلي لحليفهم الجديد، سواء فيما يتعلق بقدرته على الوفاء بما تعهد به حين طرح رؤيته “2030” أم صورته لدى الغرب وما يتمتع به من مؤهلات قادرة على إقناعهم بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب، خاصة بعد التداعيات السلبية التي بدأت تعاني منها المملكة جراء السياسات الإصلاحية الجديدة التي قام بها لخدمة مشروعه الشخصي نحو الجلوس على كرسي العرش خلفًا لوالده.
شخصية واحدة ووجهان
يتعامل الغرب مع ابن سلمان من خلال وجهين مختلفين، الأول تشجيع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي تبناها منذ تنصيبه وليًا للعهد التي يؤمّل عليها في تحويل بلاده إلى مصاف الدول المدنية المتحررة بعدما كانت في وقت من الأوقات قبلة لاتهامات التطرف وتصدير الإرهاب في العالم.
أما الوجه الثاني فيتمثل في تعليق مساعدته وتقديم الدعم له بكبح توجهاته الرامية إلى الاستئثار بالسلطة، خاصة بعد إطاحته بكل العقبات التي كان من المتوقع أن تعرقل طريقه نحو خلافة والده، ووفق الدراسة فإنه ما زال هناك الكثير أمام ولي العهد السعودي للقيام به خلال الفترة المقبلة.
الدراسة وصفت هذا التناقض في التوجهات في رغبة الأمير الشاب الذي لم يتجاوز عمره الـ33 عامًا في نقل السلطة من الحكم الجماعي إلى حكم الشخص الواحد، مُوضحة أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف لم يتورع عن اعتقال سياسيين ورجال دين ومثقفين
زيارة ابن سلمان الأخيرة لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا كانت في المقام الأول بهدف التسويق لنفسه كونه الرجل المناسب للمرحلة المقبلة في المملكة، بحسب معد الدراسة، الذي علق على تلك الزيارة بأن ولي العهد سعى لتقديم نفسه على أنه كمال أتاتورك مقيم تركيا الحديثة، إلا أن هناك أصوات أخرى تعتقد بأنه تبنى النموذج الصيني، أي التحكم في السلطة وبالمقابل الانفتاح الاقتصادي، مضيفًا أنه من الممكن أن ينجح في ذلك، مع أنه سيصطدم بتحديات جسام في الطريق لتحقيق رؤيته.
غوجانسكي نقل وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي بالتعبير عن أمله في أن يتمكن حليف بلاده من إنجاح خططه لتغيير وجه المجتمع السعودي من الناحية الاقتصادية، أكثر مما حصل معه في عدد من مغامراته الإقليمية على رأسها اليمن وسوريا والذي مني فيهما بخسائر عدة يخشى أن تنعكس سلبًا على قوة وشعبية النظام الحاكم في المملكة.
رغم الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد فإنها ليست كافية
لا تملك الميزانيات اللازمة
تسيطر على العقلية الغربية ومعها حلفائها في المنطقة شكوكًا بشأن مدى امتلاك السعودية الميزانيات اللازمة والمعرفة المطلوبة لإنجاح الخطة الاقتصادية والإصلاحات الأخرى، وهو ما سيدفعها عاجلاً أم آجلاً إلى اللجوء للغرب للحصول على مساعدات سياسية واقتصادية، هكذا أشارت الدراسة.
المليارات التي تنفقها الرياض سواء في اليمن أم سوريا، فضلًا عن تلك التي يقدمها ابن سلمان للولايات المتحدة بهدف كسب دعم إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تزامنت مع انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الـ4 الماضية، كان لها بالغ الأثر في إجهاض الاقتصاد السعودي بصورة عكستها أرقام وزارة المالية.
منذ منتصف 2014 تعاني أسواق النفط من تراجع كبير في أسعار الخام أثر على ميزانيات الدول النفطية وأبرزها السعودية التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات الخام، ونتيجة لهذه التراجعات سجلت ميزانية السعودية عجزًا لـ3 سنوات على التوالي بلغ 17 مليار دولار في 2014 ثم صعد لذروته في 2015 إلى 97 مليار دولار، قبل أن يبلغ 79 مليار دولار في 2016.
الوزارة السعودية في نوفمبر الماضي أعلنت في تقرير لها وصول العجز في ميزانية المملكة خلال الشهور الـ9 الأولى من العام الماضي إلى 32.4 مليار دولار، وهو العجز المستمر للعام الـ4 على التوالي، مضيفة أن الإيرادات المالية للعام 2017 حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 450.1 مليار ريال (120 مليار دولار) بزيادة 23% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما بلغت المصروفات 571.6 مليار ريال (152.4 مليار دولار)، مسجلة ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.4% مقارنة بالعام السابق، ومثلت المصروفات ما نسبته 64% من إجمالي الإنفاق السنوي.
سياسة ابن سلمان التي اعتمدت على استجلاب ما في جيوب المواطنين عبر فرض المزيد من الضرائب ستضاعف من موجة الاحتجاجات الصامتة في المملكة
ديكتاتورية شاملة
في الوقت الذي يعزف فيه ابن سلمان على أوتار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومحاولة تصدير صورة متفائلة عن المملكة من خلال الانتقال بها إلى مصاف الدول المدنية والمتقدمة، إذ به يسعى إلى إحكام سيطرته على مفاصل الدولة كافة، وكسر التوازنات التي كانت قائمة بين فروع عائلة آل سعود.
الدراسة وصفت هذا التناقض في التوجهات في رغبة الأمير الشاب الذي لم يتجاوز عمره الـ33 عامًا في نقل السلطة من الحكم الجماعي إلى حكم الشخص الواحد، موضحة أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف لم يتورع عن اعتقال سياسيين ورجال دين ومثقفين، وزج العديد من الأمراء في السجن بحجة مكافحة الفساد في حملة مكثفة وسرية وبدون شفافية بالمرة.
يذكر أنه خلال العامين الماضيين فقط نجح ابن سلمان في نسف ركائز السعودية التاريخية التي ارتكنت عليها منذ نشأتها، وهو ما يحمل وفق وصف البعض “مغامرة” ربما تعيد رسم الخريطة السياسية للمملكة، إما نحو مزيد من التقدم والخروج من العباءة التقليدية التي عاشت في ظلها عقود طويلة، أو التقهقر للخلف والإطاحة بالنظام الحاليّ برمته.
وعلى كل، فقد رأى معد الدراسة أنه على الرغم من الإصلاحات التي أدخلها ولي العهد مثل الحد من سلطة رجال الدين وفتح دور السينما والسماح للنساء بالحصول على رخصة لقيادة السيارة فإن الطريق ما زال طويلًا، لأن المملكة ما زالت تعاني من تفرقة بين الرجال والنساء وتمنع الفعاليات السياسية وتدار وفق الشريعة الإسلامية، على حد قوله.
لم تحقق الرؤية الاقتصادية أهدافها حتى الآن
فشل رؤية 2030
“النمو يراوح مكانه، أي ما زال صفرًا، فيما تزداد نسبة البطالة”، هكذا علقت الدراسة على رؤية (2030) التي أعلنها ابن سلمان في أبريل/نيسان 2016، لافتة إلى أنها – أي الرؤية – أدت إلى فرض ضرائب جديدة على المواطنين وقللت الدعم الحكوميّ، تحديدًا في مجال الكهرباء الذي تضاعف سعره مع حلول العام الحاليّ، بخلاف الأموال التي جُمعت من الأمراء الذين اعتقلوا الفترة الماضية، وهو ما مكن المملكة من تمويل العجز في ميزانيتها.
الدراسة حذرت من أن تلك السياسة التي اعتمدت على استجلاب ما في جيوب المواطنين عبر فرض المزيد من الضرائب، ستضاعف من موجة الاحتجاجات الصامتة في المملكة، ومن ثم يتوجب على ابن سلمان البحث عن إستراتيجية لمواجهة التمرد في بلاده وبالتالي وأد الفتنة، مضيفة أن المحفزات الاقتصادية التي قدمها للمواطنين خلال الأشهر الأخيرة سيكون لها تأثير جيد في استعادة تأييده الشعبي الذي يعزز مكانته في الحكم وإن لم يكن كافيًا على المستوى المطلوب.
وخلص غوجانسكي في نهاية دراسته إلى ضرورة مغازلة ابن سلمان الشباب الذي يشكلون 30% من السكان من أجل إقناعهم بجدوى خطته الإصلاحية وكسب تأييدهم له، خاصة أن تداعيات تلك الخطة ربما تزيد من تأزم الوضع الاقتصادي لهم في الوقت الراهن، كذلك عليه البحث عن مستثمرين جدد وتعويض الانتكاسة الناتجة عن حملة الاعتقالات الأخيرة التي أدت إلى هروب الكثير من رجال الأعمال من المملكة، مختتمًا بأنه إن لم يتمكن من ذلك فإن نجاح الإصلاحات الثورية واستقرار الحكم في المملكة سيكونان في خطر شديد.