لطالما حظيت شركات الهواتف الأمريكية بالحصة الأكبر من سوق الهواتف الذكية، ولكن في السنوات الأخيرة حدثت تغييرات في نسب مبيعاتها، وذلك مع دخول العلامات التجارية الصينية إلى الحلبة وما نتج عنها من منافسة قوية وانخفاض في أرباحها.
عُرفت الصين لعقود طويلة بإستراتيجيتها في تقليد المنتجات واستنساخ مواصفاتها بجودة أقل وأسعار زهيدة، ولكن على ما يبدو قررت الصين التخلي عن هذه العادة واتباع خط جديد من الإبداع والابتكار في قطاع الهواتف الذكية التي استطاعت النجاح فيه، لكن هل تستطيع قيادة هذا القطاع في العالم؟ أم ستكون أرباحها مؤقتة وتعود إلى دائرة التقليد والاتباع؟
شركات الهواتف الصينية تبعد آبل وسامسونغ عن أسواق جنوب شرق آسيا
تشكل الكثافة السكانية في الصين سيفًا ذا حدين، فعلى الرغم من أطنان المشاكل التي تقع على كاحليها بسبب هذا العدد الضخم من السكان، فإن التقديرات العالمية ترجح إمكانية ريادة الشركات الصينية المبيعات العالمية دون أن تضطر إلى بيع هواتفها خارج حدود البلاد، بالإضافة إلى الشركات المبتدئة التي يمكنها امتلاك قاعدة شعبية استهلاكية واسعة في أسابيع قليلة، وذلك وفقًا للإستراتيجيات التي تطبقها كل شركة.
إذ تستهدف كل واحدة منطقة محددة في الصين – سواء الريف أم الحضر- لترويج لمنتجاتها واستقطاب المستهلك الذي قد يقتنع ويرغب في شراء هذا الهاتف، فعلى سبيل المثال تعطي شركتا أوبو وفيفو الأولوية للريف الصيني، فأقامتا شبكة ضخمة من متاجر البيع بالتجزئة لإيصال أجهزتها إلى المستهلكين، أما هواوي فركزت على المناطق الحضرية التي جعلت منها علامة تجارية قيمة في السوق المحلي والدولي لاحقًا.
في العام الماضي استحوذت أكبر 5 شركات هواتف صينية وهي هواوي وفيفو وأوبو وشياومي وآبل الصينية على 91% من مبيعات السوق، مقارنة مع عام 2016 التي كانت نسبتها 79%، وذلك مع وجود شركات أخرى منافسة تلهث خلف الحصول على مساحتها الخاصة في هذا القطاع مثل ميزو ولينوفو.
تعتبر شركتا أوبو وفيفو أكبر مزودتين للهواتف الذكية في المنطقة، إذ بلغت حصتهما 17% للأولى و7.2% للأخيرة
لم تكن هذه الأخبار سارة لجميع الشركات، فهذا الارتفاع صاحبه تراجع في مبيعات شركة سامسونغ في الصين بنسبة 2.2%، فقد شحنت شركات فيفو وأوبو وهواوي نحو 29.8 مليون هاتف ذكي إلى جنوب شرق آسيا – إندونيسيا وميانمار وماليزيا والفلبين وتايلاند وفيتنام – وهي منطقة مغرية للنمو التجاري بسبب عدد السكان المتزايد، مقارنة مع سامسونغ التي شحنت 29.3 مليون جهاز، حيث شكلت الهواتف ذات الأسعار المتوسطة 27% من مجموع الشحنات، كما تعتبر شركتا أوبو وفيفو أكبر مزودتين للهواتف الذكية في المنطقة، إذ بلغت حصتهما 17% للأولى و7.2% للأخيرة.
مع العلم أن الشركتين دخلتا السوق الهندية ثاني أكبر سوق هواتف ذكية في العالم واستطاعت أن تهيمن على 54% من المبيعات، وهذا كان دافعًا لبعض الشركات الصينية الأخرى للخروج والعثور على أسواق أجنبية تشبع طموحاتهم التجارية.
وبصفة عامة تراجعت مبيعات الهواتف الذكية في الصين بنسبة 4.9%، وهي المرة الأولى التي تباطأ فيها النمو خلال 8 سنوات، مع احتلال شركة سامسونغ المرتبة الأخيرة بين العلامات التجارية الكبرى في سوق الهواتف الذكية بعد سنوات من النجاح الهائل.
انخفضت حصة شركة آبل في السوق الصينية، ولكنها بدأت بالارتفاع بسبب إستراتيجية آبل في إعادة طرح طرازات آيفون القديمة في السوق وبيعها بأسعار معقولة للمستهلك الصيني
بالنسبة إلى هواوي وهي أكبر شركة للهواتف الذكية في الصين وثالث أكبر مورد في العالم، فاكتسحت المرتبة الرابعة في المنطقة بحصتها البالغة 5.4%، أما آبل فاحتلت المرتبة الثانية عالميًا والخامسة في أسواق جنوب شرق آسيا بنسبة 4.4% وشحنات بلغت 4.5 مليون وحدة، وفيما يتعلق بالنمو السنوي لهذه الشركات الصينية فحققت نموًا متفاوتًا بين 19% لشركة هواوي و18% لأوبو و17% لفيفو و14% لشياومي.
وتبقى الميزة الجوهرية في منتجاتها الأسعار المنافسة للهواتف الأخرى، فعلى سبيل المثال انخفضت حصة شركة آبل في السوق الصينية في النصف الأول من العام الماضي، ولكنها بدأت بالارتفاع خلال النصف الثاني بسبب إستراتيجية آبل في إعادة طرح طرازات آيفون القديمة في السوق وبيعها بأسعار معقولة للمستهلك الصيني.
من يسيطر على سوق الآخر؟
بعد محاولات شركة آبل للحفاظ على حصتها في السوق الصينية، تحاول الشركات الصينية بالمقابل الدخول إلى السوق الأمريكية، إلا أن هذه الأهداف قد تعرقلها بعض مخاوف أجهزة الاستخبارات الأمريكية والاضطرابات السياسية بين البلدين.
ففي بداية العام الحاليّ وجهت شركة “بيست باي” أهم وأكبر الشركات الخاصة ببيع الأجهزة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية ضربة قوية لشركة هواوي بإعلانها فسخ العلاقة التجارية بينهما وإعاقة عملية بيع منتجات هواوي بأكملها، الحادثة التي ترجح تراجع مكانة هواوي في السوق الأمريكية والعالمية، لا سيما أن “بيست باي” تعد المكان الرئيسي لشراء الهواتف بالنسبة للأمريكيين.
اتهام هواوي بإنتاج معدات تهدد الأمن القومي، وذلك على خلفية تقارير لجنة الاستخبارات الوطنية التي عبرت عن مخاوفها الأمنية من أجهزة الشركة، واحتمالية منع هواتفها في أمريكا
كان السبب وراء فض هذه الشراكة اتهام الشركة بإنتاج معدات تهدد الأمن القومي، وذلك على خلفية تقارير لجنة الاستخبارات الوطنية التي عبرت عن مخاوفها الأمنية من أجهزة هواوي، وعلى إثرها تعمل حاليًا على إصدار مذكرة رسمية من أعضاء الكونغرس الأمريكي بمنع هواتف هواوي في أمريكا وتجنب التعاون مع شركات صينية أخرى أو أي جهات تعتمد في بنيتها التحتية على معدات من إنتاج شركات صينية، بذريعة أنها تتعاون مع الحكومة الصينية لتسريب بيانات المستخدمين، وفي حال موافقة الكونغرس على المذكرة ستُمنع منتجات هذه الشركة من الدخول إلى السوق الأمريكية تمامًا، وذلك بحسب موقع عالم التقنية.
هذه الأنباء السيئة حولت تركيز الصين وجهودها إلى التوسع في الأسواق الآسيوية وأهمها السوق الهندية التي تحتلها 4 شركات صينية من أصل 5 من أكبر شركات تصنيع الهواتف الذكية في العالم، وتكمن ميزتها بأن أغلبية السكان يشترون الأجهزة رخيصة الثمن، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى السوق الأكثر جاذبية لها.