ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: فيفيان نيريم و بيل أليسون
منذ أكثر من عقدين من الزمن، كان الأمير بندر بن سلطان رجل المملكة العربية السعودية في واشنطن. وقد كان في السابق يشغل منصب طيار مقاتل، ليصبح سفير المملكة في الولايات المتحدة فيما بعد. وقد عرف عنه بأنه شخص ممتع وذو شخصية كاريزماتية، كما أنه يهوى رواية القصص، ناهيك عن أنه صديق مقرب من عائلة بوش. وبعد استقالته خلال سنة 2005، شغل بندر بن سلطان سلسلة من المناصب في الرياض قبل أن يبتعد عن الحياة العامة.
في الوقت الراهن، أصبح بن سلطان، الذي يعد في أواخر الستينات من عمره، نادرا ما يُشاهد في المناسبات العامة. وقد تواترت الكثير من الشائعات في الرياض بشأن خبر وجوده في الخارج في صفوف سماسرة السلطة السابقين بهدف الترويج للمملكة الجديدة بقيادة محمد بن سلمان. بناء على ذلك، كان بن سلطان ضمن المدعوين في حفل أقامه السعوديون في واشنطن للاحتفاء بزيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وخلال هذه الحفلة، تم تكريم بن سلطان على خلفية الجهود التي ما فتئ يبذلها لصالح المملكة العربية السعودية، الأمر الذي كان بمثابة مفاجأة السهرة.
طوال السنوات الماضية، اتسمت العلاقات الأمريكية السعودية بالتوتر، وذلك بسبب تغير موقف الرأي العام الدولي تجاه المملكة بعد هجمات 11 من أيلول/سبتمبر
عُقب السيناتور ليندسي غراهام ونائب الرئيس السابق، ديك تشيني، اعتلى بن سلطان المنصة ليلقي خطابًا عبّر فيه عن حنينه للأيام الخوالي التي قضاها في واشنطن، كما تطرق إلى العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي يقودها، في الوقت الراهن، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 سنة. وفي هذا السياق، قال بندر، ضاحكا، إن “ولي العهد يجسد طاقة الشباب، التي أفتقر لها”.
على طاولة قريبة منه، كان يجلس السفير الجديد للمملكة، الأمير خالد بن سلمان، البالغ من العمر 30 سنة، الشقيق الأصغر للأمير محمد بن سلمان. وعلى غرار الأمير بندر، كان خالد آل سعود طيار مقاتل سابق. وقد أصبح خالد بن سلمان، في الوقت الحالي، ضمن الجيل الجديد من السعوديين الذين انتقلوا إلى واشنطن من أجل تحسين سمعة المملكة، وإعادة بناء علاقتها مع الولايات المتحدة.
الأمير خالد بن سلمان
تعد مهمة الجيل الجديد أصعب من تلك التي أوكلت لبندر في السابق. وفي هذا الإطار، قال أحد كبار الدبلوماسيين السابقين في إدارة أوباما، هادي عمرو، إنه “في السابق، عندما تتحدث مع القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية حول موضوع معين، عادة ما يكون الجواب كالآتي: لقد تحدثنا مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي اللذان سيهتمان بالمسألة”.
طوال السنوات الفارطة، اتسمت العلاقات الأمريكية السعودية بالتوتر، وذلك بسبب تغير موقف الرأي العام الدولي تجاه المملكة بعد هجمات 11 من أيلول/سبتمبر، والسياسات التي حدّت من دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وحيال هذا الشأن، أفاد موظف البنك السابق، علي الشهابي، الذي قدم إلى واشنطن، خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2017، بهدف إنشاء خلية تفكير مؤيدة للسعودية، التي أطلق عليها اسم “معهد الجزيرة العربية”، أنه “بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أصبح الرأي العام الأمريكي مستاءً من السعودية”.
تزامنت هذه الأخبار مع تعيين أول متحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، ألا وهي فاطمة باعشن. وقد ترعرعت باعشن في ولاية مسيسيبي، فضلا عن أنها حاصلة على شهادة الماجستير من جامعة شيكاغو
بعد العلاقة الوثيقة التي كانت تربط المملكة بإدارة بوش والتي كانت معقدة نسبيا، شعر السعوديون بأنه وقع تهميشهم، بل وفي بعض الأحيان أنهم مستهدفون من خلال السياسات التي وضعها الرئيس أوباما. وقد سعت الرياض إلى حشد تأييد العديد من الجهات من أجل الحيلولة دون إبرام الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، فضلا عن منع التصديق على مشروع القانون، الذي أقره الكونغرس خلال سنة 2016، والذي يسمح لأفراد عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر بمقاضاة المملكة العربية السعودية. ومن أجل حلّ هذه المسألة، قضى وزير الخارجية عادل الجبير الذي كان يعمل في السابق مبعوث المملكة في واشنطن، أسابيع في العاصمة من أجل الحث على تغيير القانون، غير أنه لم يفلح في ذلك.
علي الشهابي
وفقاً لسجلات وزارة العدل وقانون تسجيل الوكلاء الأجانب، أنفقت المملكة ما لا يقل عن 7.5 مليون دولار من أجل ممارسة ضغوط فيما يتعلق بقانون 11 من أيلول/سبتمبر الذي يدينها. وقد دفع اللوبي السعودي قدامى المحاربين الأمريكيين إلى التوجه إلى العاصمة ليخبروا أعضاء الكونغرس أن هذا القانون سيعرض الجنود الأمريكيين إلى الخطر. وقد شملت هذه النفقات مبلغا يقدر بنحو 270 ألف دولار، تم دفعه إلى فندق ترامب إنترناشيونال… وبعض النفقات الأخرى.
في المقابل، لم تؤتي كل تلك الجهود أكلها، وصوّت أعضاء الكونغرس لصالح مشروع القانون والدعاوى القضائية اللاحقة، التي كانت بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة للقادة السعوديين. وفي هذا الإطار، أورد علي الشهابي أن “ذلك القانون كان بمثابة صفعة في وجه جميع جماعات الضغط وفشلا ذريعا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي كانت تتمتع بعلاقات شخصية في الولايات المتحدة، إلا أنها لم تجدها نفعا”. عموما، لم تساعد كل تلك الجهود المملكة في تحقيق أهدافها.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال عشر سنوات، وظفت المملكة ثلاثة سفراء في واشنطن. وقد اضطر السعوديون إلى الاستعانة بمصادر خارجية في الكثير من أعمالهم في واشنطن بدءا من السفير الإماراتي يوسف العتيبة، وولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، حليف السعودية الوثيق. مع تعيين الأمير خالد خلال شهر نيسان/أبريل 2017 كسفير، شرع السعوديون من جديد في حشد جماعات الضغط في واشنطن.
من بين الإنجازات المهمة التي قام بها خالد بن سلمان بعد أن تولى منصب سفير المملكة في واشنطن، إعلانه، في الخريف الماضي، أن بلاده قد أنهت الحظر على قيادة النساء، الأمر الذي دام لعقود طويلة
في الواقع، يعد خالد شقيق محمد بن سلمان من بين المقربين الذين يثق ولي العهد بهم كثيرا. وقد كان يتكلم باللغة الإنجليزية بطلاقة عندما تحدث عن الجهود التي تبذلها المملكة من أجل مكافحة تنظيم الدولة والحرب التي تقودها في اليمن، التي أدرجها ضمن الجهود الرامية لمواجهة الإرهاب. وحيال هذا الشأن، أوضح مسؤول رفيع المستوى بالسفارة السعودية أن “مهمته تتمثل بالأساس في إعادة إحياء العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة في جميع المجالات”.
من بين الإنجازات المهمة التي قام بها خالد بن سلمان بعد أن تولى منصب سفير المملكة في واشنطن، إعلانه، في الخريف الماضي، أن بلاده قد أنهت الحظر على قيادة النساء، الأمر الذي دام لعقود طويلة. وقد تم الإعلان عن هذا القرار في فترة ما بعد الظهر في واشنطن، في حين كان الوقت منتصف الليل في الرياض. في هذا السياق، قال خالد بلغة إنجليزية سلسة: “نحن لا نريد اتباع الغرب أو الشرق، نحن نعكف على جعل المملكة تتبع خطى الحداثة”.
تزامنت هذه الأخبار مع تعيين أول متحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، ألا وهي فاطمة باعشن. وقد ترعرعت باعشن في ولاية مسيسيبي، فضلا عن أنها حاصلة على شهادة الماجستير من جامعة شيكاغو. وقد قدمت باعشن إلى واشنطن خلال سنة 2017 بهدف العمل في مؤسسة الشهابي، معهد الجزيرة العربية، من أجل تحرير تقارير وإجراء بحوث تخدم مصالح السعودية.
فاطمة باعشن
سرعان ما تمكن السعوديون من كسب أصدقاء جدد في صلب إدارة ترامب، حيث أصبح محمد بن سلمان من المقربين من جاريد كوشنر. فضلا عن ذلك، تجمع ولي العهد علاقة طيبة بترامب، الذي عانقه خلال أحد اللقاءات التي جمعتهما. كما لم يتوان الرئيس الأمريكي عن زيارة المملكة العربية السعودية في أول جولة خارجية يجريها خلال شهر آيار/ مايو سنة 2017. وخلال السنة الأولى لترامب في البيت الأبيض، اتخذ السعوديون خطوة جريئة تتمثل في فرض حظر على قطر، خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطها الإمارة الصغيرة مع إيران.
أدى هذا التحرك إلى حدوث انشقاق في البيت الأبيض، حيث سارع وزير الخارجية آنذاك، ريكس تيلرسون، إلى طمأنة قطر بشأن دعم الولايات المتحدة المستمر لها. ومنذ ذلك الحين، بدأ ترامب في إعادة تقييم موقفه تجاه قطر، حيث استضاف أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في المكتب البيضاوي وأثنى على البلاد لموقفها المناهض للإرهاب. والجدير بالذكر أن بروز محمد بن سلمان في خضم المشهد السياسي الدولي في خلق مشاكل بشأن صورته في الخارج. فقد كان القوة الدافعة وراء الحرب التي شنتها السعودية في اليمن واعتقال العشرات من النقاد المحليين. فضلا عن ذلك، قام بن سلمان بسجن مئات الأفراد من النخبة السعودية في حملة أطلق عليها اسم “حملة مكافحة الفساد”. وقد أطلق سراحهم بعد أن قبلوا بتسويات مالية.
لجأ السعوديون بطريقة ما إلى مساعدة بندر بن سلطان، وذلك من خلال ابنته، الأميرة ريما، على اعتبارها لاعبا رئيسيا في تحسين صورة المملكة.
من أجل تحسين صورتهم، لا يزال السعوديون يعتمدون على ثلة من جماعات الضغط في واشنطن، على الرغم من أنهم قطعوا علاقاتهم مع بعض هذه الجماعات منذ أن تولى محمد بن سلمان مقاليد الحكم. وفي هذا الصدد، أقر المسؤول رفيع المستوى في السفارة أنه “في حين أن اللوبيات والمستشارين الأمريكيين لا يزالون يلعبون دورا مهما، إلا أنهم يركزون اهتمامهم، في الوقت الراهن، على جعل السعوديين في واجهة أي حملة في العاصمة”. كما أكد المصدر ذاته أن “السعوديين الذين يتحدثون باسم السعوديين سيكونون دائماً أكثر تأثيرا وفعالية من مستشار أمريكي يتحدث بالنيابة عنهم”.
من جديد، لجأ السعوديون بطريقة ما إلى مساعدة بندر بن سلطان، وذلك من خلال ابنته، الأميرة ريما، على اعتبارها لاعبا رئيسيا في تحسين صورة المملكة. وقد سافرت الأميرة إلى الولايات المتحدة خلال شهر آذار/ مارس. أما خلال شهر كانون الثاني/يناير، توجهت ريما بن سلطان إلى دافوس، حيث انتشر مقطع فيديو مثل النار في الهشيم، تظهر فيه الأميرة السعودية وهي تدافع عن المملكة العربية. وقد أوردت ريما بن سلطان في ذلك الفيديو، قائلة: “هناك تصميم على عدم السماح لنا بتجسيد صورة جديدة ومختلفة ولكن، لماذا؟”.
المصدر: بلومبيرغ