نظم حزب التحرير الإسلامي مسيرة حاشدة بتاريخ 22 أبريل/نيسان 2018، جابت شوارع مدينة إدلب شمال سوريا وتوقفت في ساحة الساعة وسط المدينة، وجاءت هذه الفعالية حسب الموقع الرسمي للحزب بمناسبة الذكرى 97 لسقوط الخلافة الإسلامية التي أعلن رسمياً إلغاؤها في تركيا بتاريخ 3 مارس/آذار عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك آنذاك.
ورفعت المسيرة التي شارك فيها المئات من أعضاء الحزب وأنصاره لافتات تدعو لإعادة الخلافة وإحيائها في سوريا من جديد، كما دعا المشاركون لإنقاذ الثورة وتبني مشروع الخلافة وتسليم الحزب قيادة الثورة السياسية معتبرين أن أزمة الثورة السورية تتمثل في قياداتها الحاليين.
هذه المسيرة أدت إلى جدل واسع في الأوساط الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث نقلت صفحة إدلب 24 الخبر وصاغته كالتالي: “مناصرو حزب التحرير” في إدلب يخرجون في مظاهرات يريدون خلافة إسلامية”.
اعتبر البعض أن هذه المظاهرة ستعطي مبرراً لقصف إدلب وجلب آلة القتل الروسية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، معتبرين الدعوة للخلافة هي دعوة لجعل إدلب رقة ثانية
بينما اعتبر البعض أن هذه المظاهرة ستعطي مبرراً لقصف إدلب وجلب آلة القتل الروسية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، معتبرين الدعوة للخلافة هي دعوة لجعل إدلب رقة ثانية.
وفي رد حصري على هذه المخاوف صرح الأستاذ منير ناصر عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في سوريا لـ “نون بوست”: “بعض وسائل الإعلام للأسف أراد تشويه مشروع الخلافة الإسلامية وذلك بتقزيمه عبر تقديم الخبر مُحرّفاً، فالحزب يطالب بالخلافة الإسلامية التي تُوجد في جميع البلاد الإسلامية، ويُبدأ بها في أي قطر من أقطار المسلمين تتوفر فيه الشروط الشرعية لإقامة الخلافة والمُدونة في كتب حزب التحرير وكتب الفقهاء”.
وفيما يخص التخوف من استهداف إدلب رداً على مطالبة الحزب بالخلافة أضاف ناصر: ” إن هذا الاعتبار مستغرب جداً على من ثار على نظام أسد المجرم، وعرف حقيقة الغرب ومواقفه المُخزية طيلة مسيرة الثورة، فالنظام قبل أيام هجّر منطقة الغوطة وبعدها القلمون، ولم يتذرع لجريمته بوجود دعوات للخلافة ولا برفع رايات العقاب أو غيرها”.
تأسيس حزب التحرير وجذوره في سوريا
يظن البعض أن حزب التحرير جماعة انشقت عن تنظيم أخوان المسلمين العالمي، إلا أن أعضاءه لطالما نفوا هذه المعلومة، للتباين الكبير بين منهج التحرير ومنهج الإخوان سواءً الفكري منه أو العملي، إذ تميز الإخوان بالمنهج الإصلاحي مع اعترافهم بالحكومات القائمة، بينما تميز التحريريون بالمنهج الإنقلابي على جميع الأنظمة القائمة في البلاد العربية أو الإسلامية لذلك جوبهوا بالقمع والملاحقة من الأجهزة الأمنية أكثر من الإخوان بكثير.
دخل الحزب سوريا منذ ستينيات القرن الماضي وانتشر في عدة مدن سوريا منها دمشق وحلب وحمص وحماة وكان من الأحزاب الملاحقة في عهد الأسد الأب والابن
تأسس الحزب عام 1953م في القدس على يد القاضي والعالم الأزهري الشيخ تقي الدين النبهاني وانتشر بعدها في بلاد الشام ومنها سوريا حتى أصبح بعد عقود ثاني أكبر تنظيم إسلامي على مستوى العالم بعد الإخوان المسلمين، وله أفرع في أكثر من أربعين دولة عربية وغربية.
دخل الحزب سوريا منذ ستينيات القرن الماضي وانتشر في عدة مدن سوريا منها دمشق وحلب وحمص وحماة وكان من الأحزاب الملاحقة في عهد الأسد الأب والابن، وتعرض لضربة قاسية في آخر عهد حافظ الأسد عام 1999 حيث شنت المخابرات الجوية حملة واسعة استهدفت كوادره وتم اعتقال 900 من أعضائه ومناصريه منهم عسكريين بعد اتهام الحزب بالسعي للإنقلاب على نظام الأسد، ومع انطلاقة الثورة السورية عام 2011 تم الإفراج عن أكثر المعتقلين بتهمة حزب التحرير وبقيت بعض قياداته في سجون النظام إلى يومنا هذا.
حزب التحرير في الثورة السورية
بعد انطلاقة الثورة السورية بعشرة أيام وبتاريخ 28 مارس/ آذار 2011، بثت قناة الإخبارية السورية تقريراً اتهمت فيه حزب التحرير بالضلوع في أحداث الثورة السورية وذلك انخراطاً منه في تحقيق أجندات أمريكية على حد وصف التقرير
ثم بعد أشهر اتهمت الصحف الرسمية للنظام حزب التحرير بإرسال مقاتلين من لبنان للقتال ضد النظام على الأراضي السورية. والواقع أن الحزب انخرط في الحراك الثوري في سوريا منذ بدايته ولكن لم يكن له ظهور علني كحزب سياسي، وإنما شارك أفراده في المظاهرات السلمية وانضموا إلى التنسيقيات في العديد من المناطق وساهم أعضاؤه في تأليب العشائر في درعا ضد النظام بعد أن بدأت المخابرات بقتل المدنيين والتمثيل بجثث الأطفال.
وفي بداية عام 2012 بدأت الرايات السود والبيض بالظهور ضمن مظاهرات نظمها الحزب في ريف حلب الشمالي وحتى برز نشاطه في مدينة حلب بعد دخول الثوار الأحياء الشرقية منها.
يقول منير ناصر: ” عندما خرجت الثورة كان الحزب مُوجهاً، وناصحاً أميناً للثورة، وشارك بها باعتباره جزء من هذه الأمة، وهدفنا في سوريا وغيرها من بلاد المسلمين هو استئناف الحياة الإسلامية عبر إقامة الخلافة الراشدة”.
توسع مناطق الانتشار في المناطق السورية المحررة
المتابع لمواقع الحزب الرسمية على شبكة الانترنت وخاصة موقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا يكتشف أن نشاطات الحزب توسعت بشكل ملحوظ وأن حراكه يشمل مناطق ريف حلب الشمالي والغربي ومحافظة إدلب وأيضاً في محافظة درعا وريف حمص وريف دمشق ما يعني أن للحزب انتشار وقاعدة شعبية لا يستهان بها.
لم يكن لحزب التحرير جناح عسكري وانما اقتصرت أعماله على الأعمال السياسية والفكرية والنشاطات الدعوية التي تحرض على استمرار الثورة ضد نظام الأسد
حزب التحرير وموقفه من تنظيم الدولة (داعش)
أول ما أعلن تنظيم الدولة “الخلافة” عام 2014 ونصب أبو بكر البغدادي خليفة ضمن مناطق سيطرته، لم يعترف حزب التحرير بخلافة التنظيم واعتبرها لم تغير من واقع التنظيم الجهادي شيئاً، فلم يتعد الأمر مجرد الإعلان، في حين بقي التنظيم تنظيماً ولم يتحول إلى دولة ولم تتوفر فيه مقومات الدولة الإسلامية وكان جراء ذلك أن اعتبر تنظيم داعش أعضاء حزب التحرير خوارج أو مرتدين يستحقون القتل ولذلك أقدم على إعدام أحد أعضاء الحزب في مدينة الباب بعيد سيطرته على المدينة .
علاقة حزب التحرير بفصائل الثورة السورية
لم يكن لحزب التحرير جناح عسكري وانما اقتصرت أعماله على الأعمال السياسية والفكرية والنشاطات الدعوية التي تحرض على استمرار الثورة ضد نظام الأسد وعدم عقد الهدن والمصالحات معه والتمسك بثوابت الثورة، وكانت له عموماً علاقات طيبة مع فصائل الثورة حتى أن بعض الفصائل أعلنت تأييدها للحزب ولمشروعه الذي يطرحه من خلال تسجيلات بُثت على الانترنت
ولكن بعض فصائل المعارضة قد تعرضت لكوادر الحزب واعتقلت بعض شبابه، كما حصل أن مجموعة أمنية تابعة لصقور الشام في مدينة أريحا في ريف إدلب قامت باعتقال 3 أعضاء للحزب من المهجرين من الغوطة وقامت باقتيادهم إلى جهة مجهولة، ولم تُعرف التهم الموجهة للموقوفين وقد أصدر الحزب بياناً استنكر فيه عملية الاعتقال مطالباً صقور الشام بالإفراج الفوري عن أعضائه.
ماذا بعد ظهور حزب التحرير في إدلب؟
يتخوف البعض من أن ظهور حزب التحرير في إدلب ومطالبته العلنية بالخلافة ستكون ذريعة للمجتمع الدولي لاستهداف المحافظة التي أصبحت تضم المعارضين والثوار من كافة المناطق السورية بعد عمليات تهجير قسري تعرض لها عشرات الآلاف من السوريين، وهو ما يُعتبر كارثة إنسانية بحق المدنيين في الشمال السوري، إلا أن المجتمع الدولي ومعه روسيا لم يكن لديهم تلك النوايا المعلنة ولم يصدر أي شيء رسمي بهذا الخصوص يؤكد تلك التخوفات التي لم يكن لها وجود إلا بناء على تكهنات اكتسحت وسائل الإعلام المحسوبة على الثورة السورية.
فالحزب ليس مصنفاً كجماعة إرهابية من غالبية الدول العظمى باستثناء روسيا التي حظرت الحزب على أراضيها، وعاقبت كل من ينتسب إليه من المسلمين الروس بعقوبات سجن طويلة الأمد، ولكن رغم ذلك فإن روسيا والمجتمع الدولي لا ينظرون إلى حزب التحرير كخطر وتهديد إرهابي يمكن أن يكون مسوغاً لشن حملة عسكرية على إدلب، يضاف إلى ذلك أن الفصائل المتواجدة في إدلب ما زالت ملتزمة باتفاق خفض التصعيد والذي من شأنه أن يبعد شبح القصف والتدمير عن المحافظة الوحيدة التي تقع تحت سيطرة الثوار في الشمال السوري.