في أول مشاركة سياسية لهم، تشارك القوات الحاملة للسلاح من أمنيين وعسكريين في تونس، بعد غد الأحد، في أول انتخابات محلية تقام في بلادهم بعد الثورة، غير أن هذه المشاركة مازالت إلى الأن محلّ شدّ وجذب بين النقابات الأمنية التي يدعو بعضها إلى تكثيفها فيما يدعو البعض الأخر إلى مقاطعة الانتخابات لأسباب عدّة.
خيار المقاطعة
قبل يومين من الاقتراع، لم يتم التأكد بعد عن حجم مشاركة الأمنيين فيه، خاصة أن كبرى النقابات الأمنية دعت للمقاطعة، وكانت النقابة التونسية لقوى الأمن الداخلي قد دعت منخرطيها، الذين يمثّلون غالبية ناخبي قوات الأمن المسجلين في قوائم الانتخابات البلدية، إلى عدم المشاركة في التصويت.
وبررت النقابة هذه الدعوة بحرمان عناصر الأمن والجيش من حق حضور الاجتماعات التي ينظمها المرشحون والتعرف على برامجهم، وتمكينهم من حقوقهم الانتخابية الكاملة. وقال رياض الرزقي، عضو النقابة التونسية لقوات الأمن الداخلي، في هذا الشأن، “إن الأمنيين أبدوا رفضهم منذ البداية للمشاركة في الانتخابات البلدية على اعتبار أن القانون الانتخابي لم يمنحهم حقوقهم كاملة”، منتقداً لجوء الأحزاب السياسية إلى التصديق على مشاركتهم في الانتخابات لأغراض “تخدم مصالحهم”، في إشارة إلى حاجة الطبقة السياسية إلى أصوات الأمنيين فقط وعدم الاقتناع بالمشاركة السياسية الكاملة لهم.
يمنع على الأمنيين وعناصر الجيش الذين سيشاركون في عملية الانتخاب، استعمال الحبر الانتخابي حتى لا تتخذ العملية بُعدا أمنيا
وسن القانون الانتخابي في تونس عقوبات تصل إلى حدّ الفصل من العمل في حال مشاركة أحد عناصر الأمن أو الجيش في اجتماع مع مرشحين، يمثلون أحزاباً سياسية أو مسجلين في القوائم الانتخابية، سواء كانت ائتلافية أو مستقلة. وحسب تقديرات رسمية، يبلغ عدد قوات الأمن في تونس نحو 75 ألفا، وعدد قوات الجيش 60 ألفا باعتبار الاحتياط؛ لكن لم يقبل على مراكز التسجيل في القوائم الانتخابية سوى 36 ألف أمني وعسكري فقط.
وتجرى الانتخابات المحلية في تونس على دفعتين: الأولى في 29 من أبريل (نيسان) الحالي، وهي موجهة لرجال الأمن والعسكر، فيما ستكون الدفعة الثانية في السادس من مايو (أيار) المقبل، وستكون مخصصة للناخبين المدنيين. وسيمنع في يوم الانتخاب تصوير الأمنيين والعسكريين في مكاتب الاقتراع بوجوه مكشوفة، كما تمنع مؤسسات سبر الآراء من سؤالهم عن القائمة التي صوتوا لها.
وفي رده على هذه الدعوة لمقاطعة الانتخابات البلدية، أكد محمد التليلي المنصري، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على ضرورة إنجاح أول مشاركة للأمنيين والعسكريين ووعد برفع توصية إلى البرلمان التونسي بضمان مشاركة كاملة لهم خلال الانتخابات البلدية التي ستجري بعد خمس سنوات من الآن.
يمنع على الأمنيين المشاركة في التجمعات الحزبية
ويمنع على الأمنيين وعناصر الجيش الذين سيشاركون في عملية الانتخاب، استعمال الحبر الانتخابي حتى لا تتخذ العملية بُعدا أمنيا يتم من خلاله فرز الأمنيين والعسكريين الذين شاركوا في الاقتراع، كما ينصّ القانون على عدم تعليق سجلات الناخبين من الأمن والجيش في مراكز التصويت، علاوة على شرط عدم فرز أصوات الأمنيين عند انتهاء عمليات تصويتهم، يوم الأحد المقبل، وإرجاء عملية الفرز إلى السادس من مايو/أيار المقبل حتى يكون الفرز موحداً مع المدنيين.
المشاركة بكثافة
في مقابل ذلك، أعلن الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن الداخلي رفضه لأي اعتراض على حق القوات الأمنية التونسية في الاقتراع، ولأية دعوة لمقاطعتهم الانتخابات، باعتبارها تندرج “في خانة التشويش على العملية الانتخابية وعلى الأمنيين”، حسب تعبيره.
وفي يونيو 2017، أدخل البرلمان التونسي تعديلاً على قانون الانتخابات أعطى بموجبه قوات الجيش والأمن، التي لم يسبق لها الاقتراع منذ استقلال البلاد في مارس 1956، حق التصويت في الانتخابات المحلية (البلدية والجهوية) دون سواها.
تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا للنائب عن نداء تونس حسن العماري وهو بصدد توسيم بعض القيادات الأمنية
عماد بالحاج خليفة، الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي، قال في ندوة صحفية، أول أمس الأربعاء: “إن انتخاب القوات الأمنية لأول مرة منذ حوالي 60 سنة يعد عملية تاريخية “، مؤكدًا أن اتحاد نقابات قوات الأمن و “الجبهة الوطنية للنقابات الأمنية” الجامعة لكل النقابات من كل الأسلاك الأمنية، متفقة على إنجاح هذه الانتخابات البلدية.
وأضاف: “نريد بناء أمن ديمقراطي وجمهوري، فنحن ندفع الضرائب وسنختار من سيمثلنا في المجالس البلدية لنعرف لمن ندفع هذه الضرائب”، معتبرًا أن المشاركة في التصويت هي بمثابة رسالة إلى الدول العربية والأجنبية بأنه يوجد في تونس أمن جمهوري”، حسب قوله.
ومن المنتظر أن يتم فتح نحو359 مكتب اقتراع أمام الناخبين العسكريين والأمنيين، وسيتولى تأمين صناديق الاقتراع خلال يوم تصويتهم لدى الهيئات الفرعية للانتخابات تحت حماية المؤسسة الأمنية والعسكرية نفسها، وسيتم الاحتفاظ بصناديق الاقتراع في مكتب يكون مفتاحه بحوزة رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات والمنسق الجهوي للإدارة الفرعية للانتخابات، وسيبقي الطرفان على الصناديق مغلقة بأقفال مرقّمة ومدوّنة في محاضر، وفقا لرئيس هيئة الانتخابات.
حياد المؤسسة الأمنية؟
بالتزامن مع هذا، أعادت صور لقيادات من حزب نداء تونس الحاكم، خلال حفل توسيم مجموعة من الإطارات الأمنية، مسألة حياد المؤسسة الأمنية إلى الواجهة، حيث اعتبر عديد التونسيين والأوساط الحزبية والسياسية، الحادثة بمثابة انتهاك صارخ لمبدأ تحييد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية والمعارك الانتخابية للأحزاب.
مرشّح عن “نداء تونس” يوسم أحد الأمنيين
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا للنائب عن نداء تونس حسن العماري وهو بصدد توسيم بعض القيادات الأمنية في إطار الاحتفال بالذكرى 62 لـ”عيد قوات الأمن الداخلي” في تونس، وأخرى لقيادي بنفس الحزب ومرشح الدائرة البلدية بـ”أريانة” عن قائمة نداء تونس أنيس معزون، خلال تكريمه أحد القيادات الأمنية العاملة في إدارة السجون والإصلاح.
وأثارت هذه الصور استنكارًا كبيرًا، حيث تبرز حسب بعض التونسيين، سعي حركة نداء تونس إلى جرّ الأمنيين إلى التجاذبات السياسية، قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات المحلية التي تقدّمت لها 2074 قائمة انتخابية بهدف الفوز بـ7177 مقعداً بلدياً، موزعة على 350 دائرة بلدية.