“الوعد”، إنه مسلسل البريطاني قصير، مكون من أربع حلقات، أنتجت عام 2011 وصوُرت كل حلقاته بفلسطين المحلتة، حيث أخرجه وألفه المخرج التيليفزيوني بيتر كوزمنسكي.
المسلسل يسير في خطين زمنيين متوازيين وهما الأربعينيات من القرن الماضي، وبداية العقد الثاني من الألفية، حيث يروي حكاية شابة إنجليزية عثرت بالصدفة على مذكرات جدها الذي مضى فترة تجنيده في فلسطين أثناء الانتداب الإنجليزي هناك، في الوقت الذي كانت فيه على مشارف السفر إلى فلسطين المحتلة لدعم صديقتها المقربة، أثناء قضائها مدة تجنيدها الإجبارية في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
شخصيات المسلسل
في باديء الأمر نتعرف على “إيرين” الشخصية الرئيسية بالمسلسل والتي تقوم بدورها الممثلة الإنجليزية كلير فوي، على أنها شابة غير ناضجة، لا تعبأ على الإطلاق بأمر جدها طريح فراش المشفى. تسرق الحفيدة مذكرات جدها خلسة فقط بدافع الفضول. ولكنها أيضًا صديقة مخلصة تريد الذهاب مع صديقتها إلى منطقة مشهورة عالمًيا بأنها منطقة حرب، فقط لدعهما نفسيًا خلال سنتين ستمضيها في صفوف الجيش.
أما الأم، والتي اقمت بدورها هولي آيرد، يبدو اهتمامها بوالدها غير واضح، فمن كلمات ابنتها وما تكشف عنه أحداث المسلسل أن علاقتها بأبيها ليست على ما يرام، ولا تعرف عنه الكثير.
أليزا شخصية تغلب عليها الثقافة الإنجليزية، لا تريد تمضية فترة التجنيد، ولا تستطيع أن تندمج مع الفتيات في ذلك المجتمع
لاحقًا تظهر شخصية الجد في المذكرات، إنه ضابط إنجليزي في الثلاثين من العمر قضى ستة أسابيع في معسكرات الاعتقال النازية يدفن جثث الضحايا بعد ان سيطرت بريطانيا أثناء الحرب على تلك المنطقة، الضحايا الذين طالما صوروا على أنهم كانوا من اليهود فقط. وهو الأمر الذي يجعله مذبذبًأ في تنفيذ أوامر رؤسائه في بادىء الأمر حول تقنين الهجرة اليهودية، ومن ثم ينقلب عليهم لأحداث لاحقة.
ومن الشخصيات الرئيسية، أليزا صديقة إرين والسبب الرئيسي في سفرها إلى فلسطين المحتلة، وقامت بدورها برديتا وييكس. في بادىء الأمر؛ أليزا شخصية تغلب عليها الثقافة الإنجليزية، لا تريد تمضية فترة التجنيد، ولا تستطيع أن تندمج مع الفتيات في ذلك المجتمع، ولكن ما تلبث هذه الشخصية أن تتغير تدريجيًا منذ دخولها إلى الجيش، حتى تصير واحدة منهم.
أما عائلتها والتي استضافت إيرين، فمكونة من شقين: الأب والأم، والشقيق. الأب إنجليزي انتقل إلى يافا بعد زواجه من والدتها، وأصبح جنرال في صفوف الجيش وعرف بآرائه الليبرالية، والتي كانت دومًا على غير وفاق مع ابنه. الذي التحق بدوره بالجيش، وما لبث أن تغير كليًا، من ضابط مثالي في جيش الاحتلال إلى معاد للصهيونية.
ومن الشخصيات أيضًا التي تعيش بحاضر المسلسل؛ عمر، الشاب الفلسطيني الذي كان مجاهدًا، وتحول إلى راغب في السلام.
ومن شخصيات الماضي المهمة في سير الأحداث؛ شخصية كارلا والتي قامت بدورها كاثرينا شتلر، الفتاة الصهيونية التي تخدع الجندي الإنجليزي للحصول على معلومات منه لعصابتها المسلحة. والمفترض أنها من ضحايا معسكرات النازية وتتحول لإحدى المشاركين في مجزرة دير ياسين.
ثم تتمحور الشخصيات العربية مع محمد أبو حسن وولده الصغير حسن، العائلة الفلسطينية الصغيرة التي تعيش بحيفا، وتصادق الجندي الإنجليزي لين، ورويدًا تتحول مشاعره من تعاطف مع اليهود، إلى تعاطفًا مع العرب الذين يتم احتلال أرضهم.
سرد الأحداث والحبكة التاريخية؛ المبالغة في التعاطف قد تكون سلبية أحيانًا
في رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني، قال سعد قبل أن يغادر منزله مرة أخرى في حيفا: “تستطيعان البقاء مؤقتًا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب”.
وفقًا لأحداث المسلسل، فإنها ركزت تركيزًا كليًا على الانتهاكات والتفجيرات التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القوات البريطانية وقت الانتداب وقبيل النكبة، في حين ظهرت الشخصيات العربية مسالمة إلى أبعد الحدود، إلى حد مستفز أحيانًا، وذلك لا يخص بالتحديد شخصية محمد، بل الأحداث بوجه عام، فالعرب من فرط المسالمة بدوا متخاذلين إلى حد كبير. فهم لم يرفعوا سلاحًا طيلة الحلقات للدفاع عن أرضهم باستثناء الحلقة الأخيرة أثناء جلاء الفلسطينيين من حيفا. سوى ذلك أقصى ما فعلوه ضد الانتداب هو سكب مياه متسخة على عرباتهم ولم يذكر شيئًا عن كفاحهم المسلح ضد العصابات الصهيونية.
الأمر الذي كان مغايرًا في الأحداث الحاضرة، عرض الطرفين على حد السواء، العمليات الاستشهادية التي ينفذها الفلسطينيون في أماكن تمركز الصهاينة، والانتهاكات المتكررة من جيش الاحتلال والمستوطنين. إلا أن هذا الأمر لم يغير من تعاطف إيرين مع الجانب الفلسطيني وإن أبدت تحفظها على تفجير المدنيين.
الشخصيتان المعاصرتان؛ بول الإسرائيلي المعادي للصهيونية، وعمر الشاب الفلسطيني الذي يريد الجلوس على طاولات السلام، كلاهما بدا متشابهًا. فكلاهما محارب سابق، بالرغم من الصداقة السائدة بينهما؛ إلا أن علامات الكره والتوتر لا يمكن إخفاؤها. وكلاهما تراجع عن مساعدة إيرين في مهمتها في اللحظة الأخيرة، ووصفها بالشجاعة فقط. في لحظات؛ بول سيرفع السلاح مرة أخرى مدعيًا بأن ذلك هو الولاء، وفي لحظة سينقاد عمر إلى مهاترات الجناحين الفتحاوي والحمساوي ناسيًا بأنه ترك كل ذلك وراءه وأنه لا جدوى منه.
تغير الشخصيات عبر الحلقات يبدو منطقيًا للمشاهد، وخصوصًا العربي والمتعاطف بطبعه مع القضية الفلسطينية والذي لا يتصور تعاطفًا مع الجانب الآخر. وهو أمر لا يبدو مفاجئًا من الجانب الإنجليزي، الذي وبالرغم من تسببه الكبير والرئيسي في ضياع فلسطين، إلا أنه خرج من الحرب خاسرًا لجنوده وموقفه، وراميًا بالعبء على قوة جديدة ظهرت في الساحة وهي الولايات المتحدة. في محاولة للتأكيد على أن بريطانيا تحول موقفها من مؤازر لليهود إلى معاد له، وذلك بسبب ما تكبدوه في سبيل إنشاء هذا الوطن المزعوم.
في النهاية، وبشكل مباشر، يعترف لين في مذكراته بأن الإنجليز هم السبب في ضياع فلسطين، وأزمة محمد أبو حسن وكل من يشبهه، ويأتي وعد كوزمنسكي على عكس وعد بلفور، فبدلًا مع تحويل فلسطين لوطن قومي لليهود، أعادت إيرين المفتاح ورمز العودة لعائلة محمد أبو حسن.