ترجمة وتحرير: نون بوست
كليشيهات الهاسبارا، والوعود الفارغة، والجمهوريون المتحمسون: خطاب نتنياهو كان منفصلاً عن الواقع في زمن الحرب، وعن الإسرائيليين.
لو كان الأمر بيد “بنزيون” نتنياهو، وبدلاً من أن تجبره زوجته “سيلا” على العودة إلى القدس في أواخر عام 1948؛ كان سيبقى مع عائلته في نيويورك، لكان بنيامين نتنياهو قد ولد هناك، وربما كان سيتجه إلى السياسة ويصبح أول رئيس يهودي للولايات المتحدة. في مساء الأربعاء؛ كانت لدينا لمحة عن ذلك العالم الموازي، فقد كان خطاب نتنياهو أمام الاجتماع المشترك للكونغرس تقليدًا مدروسًا لحالة الاتحاد الرئاسي، مع استكماله بتكريم الضيوف البارزين في معرض الصور في البداية وعبارة ”ليبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية“ في النهاية.
لكن نتنياهو لم يولد في الولايات المتحدة، فهو رئيس وزراء “إسرائيل”، ولم يكن هناك في أي مكان في الـ 52 دقيقة من خطابه الرابع – الذي حطم الرقم القياسي (نعم، لقد حرص على أن يذكر في البداية مباشرةً عدد المرات التي حصل فيها على هذا الشرف) – أي تفاصيل، ولا حتى أدنى تلميح، عن كيفية تخطيطه لإخراج “إسرائيل” من المأزق المأساوي الذي وقعت فيه في عهده.
ربما يكون نتنياهو قد حصل على 52 تصفيقًا حارًا من الجمهور الحماسي الذي كان أغلبه من الجمهوريين، لكن خطابه الذي أثار إعجاب المواطنين في واشنطن لم يقدم شيئًا للإسرائيليين الذين يشاهدونه في وطنهم.
خُصص النصف الأول من خطابه لقصص عن بطولات الجنود الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وتفاصيل مصورة عن وحشية حماس في ذلك اليوم. ولكن كان هناك الكثير من الأمور المفقودة في تلك الرواية؛ فلا شيء عن كيفية انهيار المفاهيم الإستراتيجية لرئيس الوزراء الذي قاد بلاده لمدة 15 عامًا في ذلك اليوم. ولا شيء عن الإخفاقات التي سمحت لحماس بقتل وخطف الرهائن كما تشاء، أو عن رفضه تشكيل لجنة تحقيق.
لقد أشاد بجنود الجيش الإسرائيلي الذين قاتلوا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بأنهم ”لم ينهزموا ولم يرضخوا ولم يخافوا“، وبالطبع كان الجنود الذين تم إحضارهم لتمثيل الجيش الإسرائيلي هم مظلي إثيوبي إسرائيلي ورقيب أول بدوي؛ إنهما بالفعل جديران بالتقدير، على الرغم من رمزية نتنياهو الصارخة، لكنه لم يستجمع شجاعته حتى الآن للقاء أي من مجتمعات المستوطنات التي دُمرت في ذلك اليوم.
تحدث نتنياهو عن محنة الرهينة السابقة نوى أرغماني، التي وقفت غير مرتاحة بين الحضور بينما كانت سارة نتنياهو المتحمسة للغاية تمسكها بذراع وتربت عليها بالأخرى. وعلى بعد مقعدين وقف يائير الابن المبذر المبتهج الذي كان في رحلة ليوم واحد من منفاه الباذخ المدعوم من دافعي الضرائب في ميامي؛ إنه إسرائيلي في الثالثة والثلاثين من عمره لا يشترك في شيء مع الجنود الشجعان الذين تم إحضارهم ليكونوا واجهة لخطاب والده.
لقد كان خطابًا يحمل في طياته كل ما قاله نتنياهو؛ كل العبارات المبتذلة القديمة التي استخدمها مرات عديدة، والنكتة العرجاء التنظيمية (وهي نصيحة حصل عليها ذات مرة من لاري كينغ ويلتزم بها)، والآية التوراتية بالعبرية. لكنه كان خطابًا عن واقع ينفصل عنه نتنياهو بشكل غير عادي، فقد تحدث عن حماس قائلاً: ”سينفذون 7 تشرين الأول/ أكتوبر مرة بعد مرة بعد مرة. أقسم لكم اليوم أنني لن أسمح بحدوث ذلك أبدًا”، وكل إسرائيلي يشاهده وليس عضوًا في طائفة “عبدة بيبي” المنكمشة قال لنفسه في تلك اللحظة ”لكنك بالفعل فعلت!“.
كان هناك بعض الاضطرابات والمحتجين في معرض الصورة، وأجبرت شرطة الكابيتول سبعة أفراد من عائلات الرهائن على المغادرة، وما ضاعف من هذا الإذلال أن نتنياهو لم يكن لديه أي شيء لهم سوى وعد فارغ بأن ”الجهود تبذل الآن“ لتحرير أحبائهم.
لقد سمعوا تلك الوعود منذ ما يقرب من 10 أشهر وهم يعرفون الحقيقة؛ أن نتنياهو عارض أول اتفاق للإفراج عن الرهائن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي واستغرق الأمر ضغوطات كبيرة من الرئيس جو بايدن لتحقيق ذلك، وأنه أمضى الأشهر القليلة الماضية، تحت ضغط شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، في تأخير ومنع التوصل إلى اتفاق آخر.
قبل الخطاب، أبلغه الوفد المرافق له أنه سيقدم ”رؤية“ لمستقبل غزة والمنطقة، وتمثلت تلك الرؤية في نهاية المطاف في ”غزة منزوعة السلاح ونزع التطرف“، ولم يكن واضحًا تمامًا كيف يخطط نتنياهو – الذي لا يستطيع حتى أن يجعل شركاءه المتدينين المتشددين يعلمون أطفالهم الرياضيات – لتعليم “جيل جديد يجب أن يتعلم عدم كراهية اليهود“، لكنه كان قد بدأ بالفعل في الجولة التالية من الشعارات حول ”تحالف إبراهيم“ بين إسرائيل والدول العربية ”المعتدلة“، لكنه نسي مرة أخرى أن يذكر ائتلافه الذي لن يسمح له حتى بأن يتنفس عبارة ”حل الدولتين“، التي هي الشرط الأول لهذا التحالف.
بالنسبة لنتنياهو، كان ذلك انتصارًا. لقد كان يومًا حصل فيه على كل ما يعنيه. لكن الإسرائيليين لم يحصلوا على شيء.
المصدر: هآرتس