لا تخلو الأحاديث التركية من الأقوال الشعبية والأمثال التي نقلتها الأجيال منذ عصر الدولة العثمانية إلى يومنا الحاضر، ولكل لغة صيغتها وحسها الفكاهي الخاص التي يمكن أن تفقد جماله مع الترجمة، لكن هذا لا يمنع من إشباع فضولنا تجاه الثقافة التركية الشعبية والتعرف على أمثالها وقصصها.
“الروح تخرج والعادات لا تتغير” Can çıkar huy çıkmaz
يحكي المثل عن حياة زوجين تزوجا عن حب وكانت علاقتهما جيدة إلى أن انتبهت الزوجة إلى بعض عادات زوجها التي لا تحبها مثل تسكعه لساعات طويلة مع أصدقائه وبقائها في المنزل وحيدة طوال الوقت، فاستنتجدت بحماتها وأخبرتها بحالها، فأخبرتها بألا تنتظر منه أن يتغير، فهو على هذا الحال منذ مراهقته، لكن الزوجة لم تستلم، وأمضت سنوات وهي تعد أطيب المأكولات والمفاجآت لزوجها ليبقى في المنزل، لكن دون فائدة، حتى قررت سيفجي أن تنجب له أطفال لعله يهتم بهم ويزداد تعلقه بالمنزل، لكن مرت السنوات على نفس المنوال، حتى تزوجوا أطفالها وتقاعد زوجها ولازال يخرج كل مساء مع أصدقائه، حتى قالت سيفجي “الروح بتطلع والعادات ما بتتغير”، وتقال لكل شيء صعب تغييره.
“هل جئت لأخذ النار؟” Ateş Almaya mı Geldin
قديمًا، لم تكن النار متوفرة بسهولة في جميع المنازل ولم يكن الكبريت بهذا الانتشار، فكان الناس يعتمدون على جيرانهم بأخذ بعض من حطبهم المشتعل بالمجرفة، فكانوا يدقون على باب جيرانهم ويأخذون النار بالمجرفة بسرعة، دون أن يخوضوا أحاديث أو يجلسوا للضيافة، حتى لا تنطفئ شعلة النار، فأصبحت تقال هذه الجملة لمن جاء ليذهب بسرعة.
“هربت أغنامه” Keçileri Kaçırma
في يومٍ من الأيام، ذهب راعٍ ليرعى أغنامه في المرعى وغلبه النعاس حتى نام تحت الشجرة، وعندما استيقظ لم يجد الماعز حوله، فجن جنونه وراح يركض يمينًا ويسارًا صارخًا “ماذا سأقول لمالكهم؟ أين اختفوا؟” وعندما سمعوه سكان القرية قدموا لمساعدته والبحث معه على الماعز.
وفي هذه الأثناء، عادت الأغنام إلى مكانها بعد أن شربت المياه وخرجت من أحد الكهوف، وعندما رأوها أهل القرية صدموا بوجود الماعز في مكانها سليمة وكاملة العدد، فاعتقدوا بأن الراعي مجنون يتوهم أشياء لا تمت للواقع بصلة، وعلى هذا الأساس أصبح يحكى لكل من جن جنونه أو فقد عقله “هربت أغنامه”.
“طلع النهار في اسكودار” Üsküdar’da Sabah Old
في زمن الدولة العثمانية، كان يقع في منطقة اسكودار مسجدان، ولكل جامع مؤذن محترف ومعروف بصوته الجميل ومقاماته المتقنة، وحين يأتي وقت الفجر، تعمدا إظهار جمال أصواتهما وقوتهما حتى يستيقظ جميع أهالي المدينة من علو صوتهما، إذ كان أذان الفجر عبارة عن مباراة بينهما، وذلك بهدف نيل إعجاب السلاطين في قصر يلديز وبالتالي تعيين أحدهما كمؤذن في السراي. يقال هذا المثال لمن تأخر عن موعده أو فاتته فرصة ما، فيقال له “طلع النهار في اسكودار”.
“سيُقطع ذيل العجل” Dananin kuyrugu kopmak
في الماضي، كان هناك رجل كاذب ومحتال، لم يكن يسدد الديون التي عليه للتجار، فكان بعضهم يرفع دعاوٍ قضائية عليه لاستراداد أموالهم وحقوقهم، لكن في كل مرة، كان هذا الرجل يقدم الرشاوي للقاضي ويكسب القضية عن غير حق.
وفي يوم من الأيام، رفع هذا الرجل المحتال قضية ضد لحام وأرسل للقاضي عجل كرشوى، وعند معرفة اللحام بهذا الخبر، قام بإرسال عجل أكبر حجمًا من الذي بعثه المحتال، وعندما علم القاضي بأفعالهم قرر جلب أصحاب الدعوى والعجول إلى قاعة المحكمة، وقال “كلاكما أرسل إلي عجلين، ولم أستطع أن أحكم ضميري اتجاهكما، ولأنني أقضي بالحق والعدل، سندع العجلان تقرران من الجاني ومن المجني عليه.
في هذه الأثناء، ربط العجلين ببعضها البعض من الذيول وبطريقة عكسية، ودهن الأرض من تحتهما بالزيت المزحلق، وقال القاضي “العجل الذي تقطع ذيله، هو الظالم وسيحكم عليه بما ينص به القانون”، وبعد فترة قصيرة من الصراع قطع ذيل عجل الرجل المحتال وأصبح حيوانه ينازع في كل مكان من الشارع، ومن بعدها أصبحت الجملة تقال في سياقات مختلفة مثل “على ما يبدو سيقطع ذيل العجلة الليلة” وهي دلالة على المخاوف التي ستحقق أو المنتظرة.
“لا تتسرب المياه من بين يديه” Eline Su Dökemez
في قديم الزمان، كان يتم الوضوء عن طريق سكب الماء من الإبريق على يديي المتوضئ، وعادة ما كان يقوم بهذه المهمة الطلاب لأساتذتهم أو آبائهم أو أشخاصٍ أكبر منهم سنًا وتقديرًا، لذلك كان على حامل الإبريق أن يختار زاوية جيدة لصب الماء دون أن يزعج المتوضئ، وعلى هذا الأساس أصبح هذا المثل يقال للشخص الجيد في أمرٍ أو صنعة معينة.
“لا يمكن نزول البئر بحباله” أو “ما تتشعلق بحباله” Onun İpi İle Kuyuya İnilmez
جرت العادة في الماضي أن تستخدم خيوط القنب والكتان والحرير في الأغراض اليومية، مثل صناعة الملابس وغيرها من مستلزمات الأعمال اليومية، وكان هناك رجل يدعى “علي أسطه” مشهور بصناعته للحبال البالية التي تنقطع بسهولة وتسبب حوادث كثيرة.
حيث بدأت القصة عندما سقط حيوان في بئر عميق، وأراد شخص من أهل المدينة النزول لإنقاذ هذا الحيوان، فطلب حبلاً من أحد المنازل المجاورة، فلم يعجبه نوعية الحبل، فقال “هذا الحبل من صناعة علي أسطه، لا يمكن نزول البئر بحباله”، فرد عليه صاحب المنزل مازحًا “لا تظلم الرجل، يمكن النزول بحباله للبئر، لكني لا أدري إن كان بإمكانك الخروج بنفس الحبل من البئر”، ومن هذه الحادثة، أصبح تقال هذه الجملة لكل شخص لا يمكن الوثوق به أو بكلامه.
“جاء ليكحلها أعماها” Kaş Yapayım Derken Göz Çıkarmak
قصة هذا المثل الشهير تتحدث عن امرأة جاءت لتزيين فتاة في يوم زفافها، وقضت ساعات طويلة وهي تقوم بتجميلها، وفي نفس الوقت، كانت فتاة صغيرة تلعب بمحاذاتها إلى أن سقطت الفتاة وأصابت المرأة المسؤولة عن المكياج والتجمل وأثناء سقوطها جاء القلم في عين العروسة وأعماها وخسرت المرأة وظيفتها للأبد. إلى أن أصبح يقال هذا المثل لمن يطلب منه مساعدة فيزيد الأمور تعقيدًا، أو عندما يريد الشخص أن يقول أو يفعل شيئاً لتحسين الوضع، فيزيد الطين بلة.
“تفضل إلى صلاة الجنازة” Buyrun Cenaze Namazına
خلال فترة حكم مراد الثالث، منع السلطان شرب الخمور والتبغ وأمر بمعاقبة الذين لا يلتزمون بقوانين الحظر، وفي يوم من الأيام وصل خبر للقصر بأن هناك مكان في منطقة أسكودار في إسطنبول يبيع هذه المواد المحظورة، فذهب السلطان متنكرًا بملابس الدراويش وجلس في هذه القهوة إلى أن سأله النادل “كبير الدراويش، هل تريد أن تشرب القهوة؟” فرد عليه “نعم”، وسأله مجددًا “هل تدخن التبغ؟” فأجابه بالنفي، فتفاجأ النادل من جوابه وتساءل عما يفعله هنا إذا لم يكن يرغب بشرب التبغ! حتى تذكر الإشاعات التي تقول بأن السلطان مراد نزل إلى المدينة متنكرًا، ومن ثم أصابه التوتر والقلق ليعود له ويسأله عن اسمه وعندما تأكد من هويته ومن كونه السلطان، أحس بعظيم مصيبته، فقال له “إذن، تفضل إلى صلاة الجنازة”. وأصبحت تقال لكل شخص يقترف خطأ ما وتنتج عن أفعاله عواقب سلبية.