على الحدود الموريتانية المالية حيث تعيش أقلية السونونكي، يعاني الأهالي من مشاكل اقتصادية واجتماعية عدة لعل أهمها مشكلة الأوراق الثبوتية، فالدولة الموريتانية تمنع معظم السكان من حقهم في الحصول على الوثائق التي تثبت انتماءهم للبلاد، وفقًا لما يؤكده الأهالي.
لا وثائق ثبوتية لهم
في تلك المنطقة التي يغلب عليها حضور السونونكي يوجد المئات ممن لا جنسية لهم، فالسلطات تمنع حصولهم عليها، وإن سمحت لبعضهم بالحصول عليها فإن ذلك يتم بعد إجراءات يصفها الأهالي بالمعقدة كجنسية أجدادهم مثالًا أو عقود زواجهم، ما يجعلهم في نظر القانون “بدون”.
ويعرف الـ”بدون” بأنه الشخص الذي لا تعده أي دولة مواطنًا فيها بمقتضى تشريعاتها، وتمنحه اتفاقية وضع الأشخاص عديمي الجنسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة في 28 من سبتمبر/أيلول 1954 وضعًا قانونيًا معترفًا به دوليًا، وتخول له الحصول على وثائق سفر ومستندات، ولكن وثيقة السفر لا تعني بالطبع الحصول على جنسية.
فلا يوجد بيت في القرى الموريتانية الحدودية مع مالي ليس لدى أحد أفراده مشكلة في الجنسية، فالعديد وجدوا أنفسهم منذ ولادتهم لا يحملون أي وثيقة تثبت انتماءه لأي بلد حول العالم، وتطالبه السلطات بما يصفه بالإجراءات والشروط التعجيزية.
لا يطالب الأهالي ممن ولدوا ونشأوا هناك بغير جنسية تثبت انتمائهم لدولتهم موريتانيا
وتعرف الجنسية على أنها رباط قانوني بين الفرد والدولة تمنحه حقوقًا بأمر القانون، دونها لن يستطيع العيش بالأساس بسهولة ولا الحصول على متطلبات الحياة الأساسية، لغياب ورقة حكومية تحمل اسمه وسيحمل لقب بدون، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1984 في المادة 15 أن لكل شخص في كل مكان في العالم حق التمتع بجنسية ما، وأن تربطه صلة قانونية بدولة من الدول.
غالبية الـ “بدون” يسكنون في المناطق الحدودية
ولا يطالب الأهالي ممن ولدوا ونشأوا هناك بغير جنسية تثبت انتماءهم لدولتهم موريتانيا، فدونها هم عبارة عن لاجئين أو عابري سبيل، لا يحق لهم التمتع بأي حقوق وليس أمامهم سوى التقيد بالواجبات التي تفرضها السلطات عليهم، حسب قول البعض منهم.
الحكومة تعترف
هذه المشكلة لا تنفيها الدولة الموريتانية، بل سبق أن اعترفت الحكومة بوجود عشرات الآلاف من الحالات التي تحتاج ملفاتها إلى قرارات للبت فيها، وذلك عقب جولة قادت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى مراكز تسجيل وإحصاء المواطنين في نواكشوط بداية العام الحاليّ.
وشكلت الحكومة لجنة عهدت إليها بتذليل العقبات وحل مشاكل الملفات العالقة في مسار الحصول على الأوراق الثبوتية، وأوصلت اللجنة الحالات التي ستدرسها إلى قرابة 50 ألف حالة، غير أن خلافًا ثار بين أعضاء اللجنة أدى لتعليق عملها – عمليًا – إلى الآن.
يعود التعداد السكاني الذي اعتُمد كمرجعية للإحصاء الجديد إلى سنة 1998
وحولت موريتانيا إدارتها للحالة المدنية إلى وكالة لسجل السكان والوثائق المؤمنة في العام 2011، وأوكلت مهمة إصدار الوثائق الوطنية باعتماد نظام بيومتري، وواجهت الوكالة منذ انطلاق عملها اتهامات باستهداف الزنوج الموريتانيين ومنعهم من الحصول على الوثائق ووضع شروط تعجيزية أمامهم، وهي اتهامات ينفيها القائمون على الوكالة ويقولون إنها غير مؤسسة.
وتحدث المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان في تقريره لعام 2016 عن وجود مواطنين موريتانيين – أطفالًا وبالغين – لا يمتلكون أوراقًا مدنية، وعن مدى تأثير ذلك على حقوقهم في التعليم والتنقل والصحة وغيرها، وهي المسألة التي أدت إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي صاحبت ميلاد حركة “لا تلمس جنسيتي” سنة 2011.
الإحصاء الجديد؟
يرجع العديد من المتابعين للشأن الموريتاني أسباب إقصاء هذه الفئة من أوراق الثبوتية إلى بعض الشروط التعجيزية، فضلًا عن تعلة ازدواجية الجنسية، بالإضافة إلى غياب وثائق تثبت الانتماء لبعض الحالات، ويُعرف عن الموريتانيين سابقًا عدم اهتمامهم بالوثائق الوطنية لعدم حاجتهم لها.
ويعود التعداد السكاني الذي اعتُمد كمرجعية للإحصاء الجديد إلى سنة 1998، وفي تلك السنة يوجد الآلاف من فئة السونونكي مبعدين في مالي ولاجئين حول العالم، حيث هُجروا قبل ذلك في ظروف لا تسمح باصطحاب وثائق أو مستندات قانونية، إن وُجدت أصلًا.
بدأ الاحصاء البيومتري سنة 2011
وبدأت السلطات الموريتانية سنة 2011 إحصاءً بيومتريًا في مختلف مناطق البلاد، متعلق بتحديد الهوية وإصدار الوثائق المؤمنة في موريتانيا، وتعنى الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة بإنجاز هذه العملية، وكانت الدولة الموريتانية قد وقعت اتفاقية مع شركة “موروفو” التابعة لمجموعة “سافران” الفرنسية في نهاية العام 2010 تتولى بموجبها الشركة المذكورة وضع نظام وطني لإنتاج وتأمين الوثائق الوطنية.
ويعتمد هذا النظام الجديد على قاعدة بيانات ومعلومات مبنية على نتائج إحصاء شامل يعتمد على إدخال البصمات ووضع آلية للتحقق الفوري من صحة وثائق المواطنين والزوار على حد سواء، وإصدار جميع الوثائق المؤمنة ومنح تأشيرات الدخول.
وتشكل المسائل الطائفية والعرقية مصدر العديد من مشاكل حقوق الإنسان الأكثر عمقًا وحساسية في موريتانيا، وكثيرًا ما تلجأ السلطات الموريتانية إلى البُعد الأمني لقمع الحركات الاحتجاجية التي تقودها هذه الفئات للمطالبة بحقوقها المدنية والسياسية.