ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما تطلع على النتائج المالية لشركة فيسبوك وتستمع إلى مواقف مديريها التنفيذيين، لن تعرف أن الشركة كانت تعيش حالة من الاضطراب على الصعيد العالمي. يوم الأربعاء، أصدرت شركة فيسبوك تقريرا حول عائدات الربع السنوي التي جنتها، والتي بلغت 11.97 مليار دولار، فضلا عن تحقيق ارتفاع في الأرباح وصل إلى 1.69 دولارا عن كل سهم. ورغم الأزمة، ظل فيسبوك وجهة مستقطبة لأكثر 2.2 مليار مستخدم نشط شهريًا، و1.45 مليار مستخدم نشط يوميًا، مع العلم أن هاتين النسبتين قد سجلتا ارتفاعا بنسبة 13 بالمائة عن نفس الربع من السنة الماضية.
في الواقع، تغطي هذه البيانات المالية الفترة الممتدة بين شهر كانون الثاني/ يناير إلى غاية شهر آذار/ مارس، غير أن النتائج المالية الواردة لا تعكس تأثر شركة فيسبوك بالأزمة التي تعرضت لها مع شركة “كامبريدج أناليتيكا” خلال شهر آذار/ مارس، حيث حصلت هذه الشركة على بيانات 87 مليون مستخدم فيسبوك بصفة غير مقصودة. وقد ساهمت هذه الفضيحة في ظهور حركة “حذف “فيسبوك”، وأدت إلى فتح تحقيق فيدرالي وتنظيم جلستيْ استماع مع المدير التنفيذي لشركة فيسبوك، ومن ثم استدعائه للمثول أمام الكونغرس.
على خلفية الاتهامات التي وُجهت إلى فيسبوك، اتخذت الشركة جملة من القرارات تشمل الحد من وصول الغرباء إلى بياناتها، فضلا عن تعهدها بتوظيف الآلاف من المراجعين الإضافيين للمحتوى، وتزويد المستخدمين بضوابط خصوصية أكثر وضوحًا. كان يمكن لهذه الأزمة أن تضعف نمو أرباح شركة فيسبوك، ناهيك عن التغييرات التي طرأت على خلاصة الأخبار التي تم الإعلان عنها خلال شهر كانون الثاني/ يناير، غير أن ذلك لم يكن واضحا في البيانات المالية التي تم الكشف عنها يوم الأربعاء.
في هذا السياق، أفاد الأستاذ بجامعة نيويورك، سكوت غالاوي، أنه يعتقد أن “شركة فيسبوك لا تتخذ أي إجراء يكلفها أكثر من دولار واحد على المدى الطويل”. وأضاف المصدر ذاته أن “التعديلات التي أعلن عنها فيسبوك لاستعادة ثقة المستخدمين كانت “مجرد سلسلة من التدابير الشكلية ولم يفعل ذلك فعليًا، ويبدو أنه لا أحد لم يهتم لذلك”. وتابع غالاوي قائلا إن “المستخدمين الغاضبين من التسريبات الأخيرة يميلون إلى التعبير عن هذا الغضب على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك”.
رفض فيسبوك مناقشة مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الموقع
في الفترة الأخيرة، اتخذت شركة فيسبوك بعض التدابير، التي تشمل قانون الخصوصية الأوروبي الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 25 أيار/ مايو، ويفرض قواعد أكثر صرامة حول كيفية جمع البيانات الشخصية ومعالجتها. وحيال هذا الشأن، أكد كبير المسؤولين الماليين في فيسبوك، ديفيد وهنر، أن الشركة تتوقع أن يشهد عدد مستخدميها في الاتحاد الأوروبي، الذي كان ثابتا، انخفاضا طفيفا بصورة تدريجية”، نتيجة التدابير الجديدة التي تفرض على الشركة أن تطلب الموافقة على تعقب المستخدمين.
حسب وهنر، من المحتمل أن تؤدي القيود المفروضة على جمع البيانات إلى استهداف شركات الإعلانات الأقل نجاحًا. ولكن عندما تم تنبيه وهنر إلى احتمال حدوث “سيناريو كارثي”، والذي يتمثل في انخفاض عدد المستخدمين، الذي سيترتب عنه تراجع عدد المعلنين، استهجن وهنر هذه الفرضية.
من جهة أخرى، رفض فيسبوك مناقشة مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الموقع. فقبل ثلاثة أشهر، قال زوكربيرغ إن “الوقت الذي يقضيه المستخدمون على فيسبوك انخفض بنسبة خمسة في المائة تقريبا خلال الربع الأخير من سنة 2017، وأصبح يعادل قرابة 50 مليون ساعة في اليوم”. كما تُظهر البيانات الواردة من شركة نيلسن أن حصة فيسبوك من الوقت المُقضى على وسائل الإعلام الرقمية آخذة في الانخفاض.
في المقابل، صرح المدير التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ، يوم الأربعاء، بأن نسبة مشاركة وتفاعل مستخدمي الموقع قد شهدت ارتفاعا على الرغم من اعترافه بأن الاستهلاك السلبي للفيديو قد انخفض. وقد قارن ذلك مع معدل استهلاك الفيديو العمودي للشركة، الذي يطلق عليه اسم “واتش”، حيث يتعمد المستخدمون مشاهدة محتوى محدد مع أصدقائهم، ما يعني أنه سيكون هناك فرصة للمعلنين بأن يحظوا بجمهور أكثر.
كانت هذه الأرقام مرفقة بتعليقات تتسم بالاندفاع من قبل المدراء التنفيذيين لشركة فيسبوك. وفي هذا الإطار، أفادت مديرة العمليات التشغيلية، شيريل ساندبيرغ، بأن “بعض شركات الإعلانات أوقفت الاستثمار في الشركة في أعقاب فضيحة “كامبريدج أناليتيكا”، لكن في الوقت الراهن، عاد البعض منها تدريجيا إلى ساحة فيسبوك”.
بدت ساندبيرغ مقنعة أكثر عندما أشارت عدة المرات إلى أن اللائحة العامة لحماية البيانات ستؤثر على صناعة الإعلان بالكامل
في سياق متصل، أضافت ساندبيرغ أن “المديرين التنفيذيين لا يتوقعون أن تتأثر عائدات الشركة جراء قيود الخصوصية الجديدة في أي مكان آخر خارج أوروبا. ومن طرفها أكدت شركة فيسبوك أن “المستخدمين في جميع أنحاء العالم سيحصلون على “ضوابط” الخصوصية نفسها التي تقدمها الشركة في أوروبا، ولكن ليس بالضرورة التمتع بنفس إعدادات الحماية. كما أشارت ساندبيرغ إلى أن الضوابط المفروضة لن تكون بنفس الشكل خارج أوروبا وستكون مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم”، وهذا هو السبب في أن استجابة المستخدمين ستكون مختلفة.
في الحقيقة، لم تتطرق شركة فيسبوك إلى التغييرات التي أجرتها مؤخرًا على شروط الخدمة بالنسبة للمستخدمين القاطنين خارج أوروبا وأمريكا الشمالية، والتي من شأنها أن تحد من حقوق هؤلاء المستخدمين بموجب القواعد الأوروبية، التي تُعرف باسم اللائحة العامة لحماية البيانات.
بالإضافة إلى ذلك، بدت ساندبيرغ مقنعة أكثر عندما أشارت عدة المرات إلى أن اللائحة العامة لحماية البيانات ستؤثر على صناعة الإعلان بالكامل، التي تساعد شركة فيسبوك على تحقيق عائدات كبيرة على الاستثمار. لكن هذه الزيادة في الأرباح، تتعارض مع التصريحات التي أدلى بها زوكربيرغ خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما حذر من أن أرباح فيسبوك ستشهد ضربة “كبيرة” لأن الشركة تنفق الكثير من الأموال في مواجهة الكثير من التهديدات على غرار التدخل في الانتخابات ونشر الأخبار المزيفة والمحتوى الضار، مؤكدا للمستثمرين أنه جاد فيما يقوله.
على مر السنين، تمكنت شركة فيسبوك من الحفاظ على منحنى نمو أرباحٍ تصاعدي، بيد أن هذا النجاح قد يتراجع بسبب سياسات الخصوصية والبيانات الحديثة، التي بات من الواضح أنها ستحد من قدرة الشركة على كسب المال. فعلى سبيل المثال، غيرت شركة فيسبوك خوارزميات خلاصة الأخبار من أجل صنع محتوى يساهم في مزيد تواصل العائلة والأصدقاء، ما سيجعل الوقت المستغرق على موقع فيسبوك أكثر فائدة.
خلال الربع الأول من هذه السنة، تأتت 99 بالمائة من عائدات فيسبوك من الإعلانات
حيال هذا الشأن، أوضح نائب رئيس قسم التنبؤات في شركة الأبحاث “إماركتر”، مارتين أوتريراس، أن “التعديلات الأخيرة التي تتعلق بخلاصة الأخبار التي أجرتها فيسبوك قد تؤذي الناشرين، وفي الوقت ذاته قد تفيد المُعلنين إذا كان المستخدمون يولون اهتمامًا أكبر بالمحتوى”. في المقابل، لا تستطيع شركات الإعلان، التي توفر مدخولا قارا لفيسبوك، تجاهل قوة المنصة التي تتيح لهم استهداف المجموعات الصغيرة مثل “المراهقين الذين حصلوا على رخص القيادة”، على حد تعبير غالاوي.
بناء على هذا السيناريو، يمكن أن تواجه فيسبوك بعض المشاكل. فقد كشف تقرير حديث عن التسويق الإلكتروني أن المستخدمين الأصغر سنا يميلون نحو استخدام الشركات المنافسة لفيسبوك مثل سناب شات. في سياق متصل، أوضح غالاوي “لا يمكنني أن أقول إنهم سيتخلون عن فيسبوك، لكن ربما سيصبح أقل استخدامًا من قبلهم”.
نتيجة لذلك، يبدو أن مارك زوكربيرغ سيُدخل الشركة في مرحلة جديدة، حيث سيستثمر بشكل كبير في مجال الخصوصية، “لكن في الوقت ذاته سيتحمل مسؤولية الاستمرار في تطوير المنصة بهدف بناء أدوات لربط الناس ثلاث مرات أكثر، على حد تعبيره، مؤكدا أنه سيظل “فخورا” بالدور الذي يلعبه فيسبوك.
خلال الربع الأول من هذه السنة، تأتت 99 بالمائة من عائدات فيسبوك من الإعلانات. وقد زادت إيرادات الإعلانات بنسبة 50 بالمائة خلال الفترة نفسها خلال سنة 2017. وقد أوضحت ساندبيرغ أن فيسبوك قد اكتشفت طرقا أخرى لكسب المال، لكنها ستظل تعتمد على الإعلانات في إشارة إلى أن ما يقارب ستة آلاف من المعلنين ضمن فيسبوك يمكن أن يسحبوا إعلاناتهم ويتوجهوا إلى إنستغرام، الذي يحظى بالفعل بحوالي مليوني معلن، وذلك حتى قبل الانتقال إلى مسنجر. وتابعت ساندبيرغ أن “النقر إلى ميسنجر” هو شيء يمكن أن يقوم به فيسبوك عبر الخدمات التي لديها أكثر من مليار مستخدم، ولكن لم يتم الاستثمار في هذه الخدمة بعد.
لكن، لم تبين ساندبيرغ كيف يمكن لمسألة مشاركة البيانات عبر الخدمات أن تتعارض مع ما تفرضه اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية. بدلا من ذلك، أشارت ساندبيرغ إلى أن الإعلانات تمنح فيسبوك القدرة على تقديم الخدمات المجانية، حيث يمكنه تحقيق الفائدة. وخلال الربع الأول من هذه السنة، بلع هامش التشغيل لفيسبوك 46 بالمائة مع تحقيق زيادة سنوية بنسبة خمسة بالمائة.
المصدر: وايرد