ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن بلدان الشمال الأوروبي مستاءة من جارها الروسي. فقد دفعت أعمال موسكو العدائية المتزايدة على حدودها، من جورجيا إلى أوكرانيا، وخطاب الحرب الباردة الذي استقر في العديد من العواصم الغربية، العديد من بلدان الشمال إلى إعادة التفكير في مواقفها التقليدية في المجالات العسكرية والدبلوماسية. وللمرة الأولى، فتحت فنلندا نقاشا حول الانضمام المحتمل لحلف شمال الأطلسي. أما في السويد، فقد تم تعزيز التعاون العسكري الدولي وتحديث الجيش السويدي، مثل الدنمارك التي تخطط لزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير.
يبدو أن القفزة النوعية الأكثر وضوحا قد حدثت في فنلندا. فقد عمل هذا البلد الأوروبي الذي يشارك الحدود الأطول مع روسيا، التي تناهز 1.340 كيلومترا، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، على إثارة الجدل بين الرأي العام حول جدوى الانضمام لحلف شمال الأطلسي. ويعني هذا القرار التخلي عن سنوات من انتهاج سياسة عدم الانحياز الواضحة.
لقد حاولت فنلندا، بشكل دائم ومستمر، تجنب المواجهة مع جارها الروسي، الذي تجمعها به علاقة تجارية مكثفة وتعتمد عليه أيضا في مجال الطاقة. وفي هذا الصدد، أورد الخبير في المعهد الدولي لبحوث السياسات، فيليكس تشانغ، في مقال يعود تاريخه إلى بداية هذا الشهر، أن “التحدي الأمني الحالي في فنلندا غير مشجع”.
في واقع الأمر، ساهم العضو في البرلمان الأوروبي، الفنلندي نيلز تورفالدس، في إثارة هذا النقاش وجعله حديث الساعة بين الرأي العام. وقطع هذا المسؤول مع المحرمات في بلاده ودافع بشكل علني عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. في المقابل، حذر الفائز في الانتخابات الرئاسية، ساولي نينيستو، من أن أي تغيير في الوضع الفنلندي يتطلب إجراء استفتاء، ودافع عن خيار حفاظ بلاده على سياسة عدم الانحياز.
تضع فنلندا لمساتها الأخيرة على مناقصة من أجل تجديد أسطولها المكون من 64 قاذفة قنابل، بشكل كامل
خلال السنوات الأخيرة، ساعد نينيستو على تقرب فنلندا من حلف شمال الأطلسي. ومنذ سنة 1994، أصبح هذا البلد الواقع في شمال أوروبا عضوا في منظمة “الشراكة من أجل السلام” التابعة لحلف شمال الأطلسي. فضلا عن ذلك، أصبح التعاون بين فنلندا وهذه الهيئة أكثر كثافة وعلى نحو متزايد. كما شمل هذا التعاون سيناريوهات حرب مثل تلك التي وقعت في أفغانستان أو في كوسوفو. وفي الواقع، كان نينيستو رئيس البلاد الأول الذي يزور مقر الناتو، ومن بين الشخصيات الرئيسية في دعم القرار الذي أفضى إلى إنشاء مركز حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الجديد ضد الحرب الهجينة في هلسنكي، خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
في شأن ذي صلة، تعتزم فنلندا أن تتجاوز مساهمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من الناتج المحلي الإجمالي حاجز اثنان بالمائة، بحلول سنة 2020. كما يجب أن يتحقق هذا الهدف بشكل كامل بحلول سنة 2024. في الأثناء، تسعى هلسنكي إلى قيادة استثمارات ضخمة في قواتها البحرية والجوية.
في الحقيقة، تضع فنلندا لمساتها الأخيرة على مناقصة من أجل تجديد أسطولها المكون من 64 قاذفة قنابل، بشكل كامل. وستكون هذه العملية من أكبر العقود العامة في تاريخ البلاد. ومؤخرا، كشف التلفزيون المحلي الفنلندي “أوليسراديو” أن قيمة هذه الصفقة تقدر بحوالي 10 مليارات يورو. وفي نفس هذا التوجه، باشرت فنلندا بتجديد وحداتها الميكانيكية، عبر شراء 100 دبابة ليوبارد، و48 مدفع هاوتزر ذاتي الدفع كيه-9 ثاندر.
وزير الدفاع الفنلندي، جوسي نينيستو، في زيارة للقوات الفنلندية خلال مناورات مشتركة مع السويد، في جزيرة جوتلاند السويدية، في 19 أيلول/ سبتمبر سنة 2017.
عمليات ضد “الجيوش التي تهدد بلدان الشمال”
من ردود الفعل الأخرى التي تقودها فنلندا في مواجهة النزعة العدوانية الروسية، يمكن الحديث عن مشروع القانون من أجل تعزيز مهارات وقدرات حرس الحدود الفنلندي. وسيسمح لهم هذا الإصلاح القانوني بالتصدي إلى تكتيكات الحرب الهجينة، التي تقودها موسكو منذ فترة في العديد من النزاعات الإقليمية التي تدخلت فيها.
من بين المهام الأخرى التي يمكن أن يضطلع بها هذا الجهاز الأمني إسقاط طائرات من دون طيار، واختراق اتصالات الجهات المشبوه فيها، وحظر خطوط الاتصالات السلكية واللاسلكية. وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، تم تعديل التشريعات الفنلندية مما يحظر دخول مليشيات مجهولة الهوية تمولها جهات أجنبية، إلى البلاد. وعموما، يخص هذا القانون “الرجال الذين يرتدون أزياء خضراء” والذين استولوا بين عشية وضحاها على شبه جزيرة القرم منذ سنة 2014.
يضاف إلى هذه الإجراءات التي اتخذتها هلسنكي، ميثاق “العمق الإستراتيجي” الذي وقعته فنلندا بشكل مشترك مع السويد خلال سنة 2013. وعموما، تعد السويد بلدا شماليا آخر فضل عدم الانحياز إلى حلف شمال الأطلسي كي لا يثير غضب روسيا. ويسمح هذا الاتفاق الثنائي غير العادي للقوات المسلحة الفنلندية بالتصدي لهجوم روسي على أراضيها انطلاقا من قواعد سويدية، في حال تطلب الأمر تراجع قواتها العسكرية.
عادت السويد إلى العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية
في الأثناء، تعد السويد من بلدان أوروبا الشمالية الأخرى التي تقود تحولا جذريا في مجال الدفاع، خلال السنوات الأخيرة، ردا على النهج العدائي الروسي. وفي شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت السويد عن زيادة بنسبة خمسة بالمائة في ميزانيتها العسكرية لهذه السنة، والتي تضمنت بالفعل زيادة كبيرة مقارنة بالسنة الماضية. في الإجمال، تم زيادة حوالي 852 مليون يورو إضافية للفترة الفاصلة بين سنتي 2018 و2020.
إلى جانب ذلك، عادت السويد إلى العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية. وانطلاقا من هذه السنة، ستدعو حوالي أربعة آلاف شاب بالغين من العمر 18 سنة إلى الانضمام إلى صفوفها. ووفقا لمخطط ستوكهولم، تطمح البلاد إلى تكوين حوالي ثمانية آلاف شاب سنويا بين صفوف قواتها المسلحة، انطلاقا من سنة 2022.
بالإضافة إلى شراء السويد مؤخرا حوالي 60 طائرة مقاتلة متعددة الأغراض “جاس 39″، وغواصتين هجوميتين من طراز “أي 26” جميعها من صنع محلي، تعمل البلاد على تجديد خططها الدفاعية. وفي إطار المخططات الأخرى في هذا الغرض، تسعى الحكومة السويدية إلى إعداد سلسلة كاملة من التدابير الوقائية لتعزيز الأمن الخارجي للبلاد بحلول سنة 2020.
أقارب الجنود الدنماركيين يقومون بتوديعهم قبل رحيل السفينة الحربية “إيسبرن سناير”، نحو مهمة في إستونيا في التاسع من كانون الثاني/ يناير سنة 2018.
شبكة من المنظمات العسكرية
لا تزال السويد تفتخر بعدم انحيازها، ولا تخطط إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. لكن خلال السنوات الأخيرة، عملت على حياكة شبكة كثيفة من المنظمات بهدف إحباط أي هجوم روسي على أراضيها. ومن بين هذه المنظمات، نذكر تلك التي تندرج في إطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، والتي تعود إلى عقد من الزمن؛ وهي “مجموعة القتال الإسكندنافية”، التي تضم 2400 عضوا.
في وقت لاحق، ساعدت السويد على إنشاء منظمة تعاون بلدان الشمال، التي تضم خمس دول، ينتمي اثنان منها إلى حلف شمال الأطلسي. إلى جانب ذلك، عززت السويد علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، إلى درجة الالتزام بإنشاء سرب مقاتل ضمن قوات التدخل السريع التابع لحلف الناتو. وخلال السنة الماضية، سمحت السويد للمرة الأولى بانتشار قوات حلف شمال الأطلسي على أراضيها، في إطار المشاركة في مناورات عسكرية.
تعتزم السلطات الدنماركية إنشاء وحدة تدخل سريع تتكون من أربعة آلاف جندي، وزيادة الموارد من أجل منع الهجمات السيبرانية
من جهتها، التحقت الدنمارك بركب عملية إعادة التسلح الإقليمي. وفي هذا الصدد، وضعت الحكومة الدنماركية مخططا يقضي بضخ قيمة 1.720 مليون يورو إضافية لميزانية الدفاع السنوية، انطلاقا من هذا التاريخ إلى غاية سنة 2024. تبعا لهذا المخطط، ستفي الدنمارك بالتزام حلف شمال الأطلسي المتمثل في تخصيص أكثر من اثنين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لصالح الإنفاق العسكري خلال هذه السنة.
يشمل مشروع الحكومة الدنماركية تجهيز الفرقاطات الدانمركية بالصواريخ وأنظمة السونار ومكافحة الطوربيد. كما تعتزم السلطات الدنماركية إنشاء وحدة تدخل سريع تتكون من أربعة آلاف جندي، وزيادة الموارد من أجل منع الهجمات السيبرانية. وقد نددت كوبنهاغن بأعمال روسيا العدائية التي تمثلت في قرصنة شبكة حواسيب تابعة لوزارة الدفاع، والدخول إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بمسؤوليها بين سنتي 2015 و2016.
حيال هذا الشأن، أشار رئيس الوزراء الدنماركي، لارس لوك راسموسن، إلى أن سلوك روسيا قد خلق بيئة أمنية غير متوقعة وغير مستقرة في منطقة بحر البلطيق”، خلال زيارة له إلى إستونيا خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. وفي هذا البلد الشمال أوروبي، نشرت الدنمارك حوالي مائتي جندي، في إطار عملية لحلف شمال الأطلسي من أجل تعزيز أمن الجناح الشرقي في ظل تزايد الخطر الروسي.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية