منذ مقتل علي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق في ديسمبر 2017، مرورًا بالأحداث الدامية في عدن أواخر يناير 2018 بين القوات الانفصالية بقيادة عيدروس الزبيدي والقوات الحكومية، وصولًا إلى ظهور طارق محمد عبد الله صالح قائد الحرس الخاص لعمه الراحل علي عبد الله صالح، فشل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في استغلال كل الفرص التي أتيحت له لقلب الطاولة لصالحه، وكأن على رأسه الطير لا يعرف ما يدور ليس خلف الكواليس، ولكن أمام الرأي العام اليمني والعربي والعالمي.
طالب العديد من المراقبين السياسيين المتخصصين بالشأن اليمني، منذ مقتل علي عبد الله صالح، أن يستغل هادي تلك الفرصة لتوحيد اليمن والقوات العسكرية تحت تصرفه حتى لا يترك مجالًا للخروج عنه وأن يتحرك سريعًا ويعلن مصالحة شعبية عامة يكون طرفاها حزبا المؤتمر الشعبي العام والإصلاح كونهما أكبر الأحزاب شعبية في اليمن، وتوحيد الكلمة بين اليمنيين كافة، على اعتبار أن المرحلة لا تستعدي التراشق، لكنه تغافل عن ذلك، وترك الفرص تذهب إلى أطراف أخرى.
بدوره التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) الذي بدأت الإمارات العربية المتحدة تدنو نحوه حينما قُتل صالح غدرًا من الحوثيين، لم يستغل هو الآخر ذلك، وأثار حفيظتهم ظهور طارق صالح في يناير 2018، واعتبروا أن ذلك قد يحرف توجهات التحالف خاصة الإمارات نحو المؤتمر وطارق، بعد أن كان هناك توجه إماراتي بالانفتاح الجزئي نحو حزب الإصلاح اليمني، وهذا بدا واضحًا من خلال الحملة الإعلامية التي شنها عليه نشطاء الحزب السياسيين على طارق صالح منذ ظهوره إعلاميًا، وحتى بدء المعركة العسكرية موضوع حديثنا في المقال.
وفي 5 من فبراير 2015، انفرد “نون بوست” دون غيره بأن صمت هادي وعدم التحرك السريع لاستغلال الفرص، جعل الأطراف المتحكمة بالصراع اليمني، تقتنص تلك الفرص، لتشكيل تحالفات جديدة بعيدة عن الشرعية، وهو ما انكشف جليًا، بعد أن تمكنت الإمارات العربية المتحدة من خطف طارق صالح ودعمه وإقناع السعودية بأنه قد يكون “المخلص” بعيدًا عن الشرعية في اليمن التي راوحت مكانها بجبال نهم لثلاث سنوات دون أن تستطيع اختراق جدار العاصمة اليمنية صنعاء.
ترى الإمارات أن الخطط الحوثية في الساحل الغربي باتت مكشوفة عندما تحول طارق صالح إلى عدو لدود للحوثيين
يوم الأربعاء الماضي، بدأت قوات العميد طارق صالح (نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل) التي عمل على تجميعها وتدريبها في غضون ثلاثة أشهر، مهمتها القتالية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، جزئيًا في الساحل الغربي كما توقعنا في مواضيع سابقة، وتشهد فيها قتالًا شرسًا بين القوات الموالية للرئيس هادي والمليشيا الانقلابية، دون أن يحقق الطرفان الحسم النهائي منذ ثلاث سنوات.
اختار التحالف العربي وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة لطارق صالح، الساحل الغربي، لسببين رئيسيين وفقًا لأبجديات الحرب والنظرة الإماراتية نحو الحرب في اليمن.
أولًا: طارق صالح يعرف جيدًا الخطط العسكرية للحوثيين في المخا والساحل الغربي لليمن، كونه أحد القادة الذين دربوا قوات عسكرية “قناصة احترافية” وتم الزج بها إلى معسكرات المخا، وبها استطاعت الحوثي استعادة أجزاء كبيرة من المخا قبل أن تجهز على علي عبد الله صالح وتقتله في ديسمبر الماضي.
ولهذا ترى الإمارات أن الخطط الحوثية في الساحل الغربي باتت مكشوفة عندما تحول طارق صالح إلى عدو لدود للحوثيين، وبإمكانه أن يحقق مكاسب في الحرب، إضافة إلى أنه يستطيع استقطاب المقاتلين الذين أرهقوا القوات الإماراتية في المخا والساحل الغربي في اليمن.
وبدا ذلك واضحًا عندما بدأت قوات العميد طارق المدعومة من الإمارات العربية المتحدة تحقيق مكاسب كبيرة في غضون 24 ساعة من انطلاق عملياتها العسكرية، واستعادت مرتفعات جبلية ومواقع عسكرية محاذية لمعسكر خالد ابن الوليد ثاني أكبر قاعدة عسكرية في اليمن والأهم من حيث الإستراتيجية التي يتمتع بها المعسكر.
وتكمن أهمية معسكر خالد بن الوليد في مساحته التي تبلغ قرابة 12 كيلومترًا في الجبهة الغربية لتعز، إلى جانب قربه من عدة مناطق إستراتيجية من بينها مدينة المخا القريبة من الممر البحري الدولي، باب المندب، ويتحكم بالحركة المرورية في الخط الرئيسي بين محافظتي تعز الحديدة، ويعتبر أكبر معسكر تحصين غرب تعز، وفيه مخازن للأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتكمن أهميته أن السيطرة عليه تعني السيطرة على الحديدة الساحلية.
وفقًا لمعلومات من مصدر عسكري غير مخول للحديث لوسائل الإعلام، فإن قوات من الحرس الجمهوري لا سيما القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، تواصلت مع العميد طارق صالح خلال الفترة التي تلت انطلاق العمليات العسكرية لقواته راغبة في الانضمام إلى القوات من أجل معركة تحرير اليمن من المليشيا الحوثية
ثانيًا: إطلاق العمليات العسكرية التي يقودها طارق صالح، قد تجعل القوات العسكرية أو ما تبقى من الحرس الجمهوري للانضمام إليه، من أجل استكمال القوات العسكرية المكلفة باستعادة مدينة وميناء الحديدة التي أسندت لهذه القوة بالسيطرة عليها مهما كلف الأمر.
وهذا ما بدا واضحًا من خلال العمليات العسكرية الأولى لقوات العميد طارق صالح، التي هدأت بعد ثلاثة أيام فقط، من انطلاقها، دون أن تحرز مزيدًا من التقدم أو شن عمليات عسكرية.
ووفقًا لمعلومات من مصدر عسكري غير مخول للحديث لوسائل الإعلام، فإن قوات من الحرس الجمهوري ولا سيما القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، تواصلت مع العميد طارق صالح خلال الفترة التي تلت انطلاق العمليات العسكرية لقواته راغبة في الانضمام إلى القوات من أجل معركة تحرير اليمن من المليشيا الحوثية.
ووفقًا للمصدر، فإن بعض القادة العسكريين، وضعوا شروطًا من أجل الانضمام إلى قوات العميد طارق صالح، بأن يكون له توجه واضح في العمليات العسكرية، وأن يكون إما مع الشرعية أو ضدها، لكن طارق أبلغهم بأنهم عصبة واحدة في الوقت الحاليّ لتخليص اليمن من المد الإيراني، وليس هناك مجالًا في الوقت الراهن للحديث عن شرعية أو غيرها.
وهذا ما يعني أن هناك بالفعل تحالفًا عسكريًا جديدًا تقوده الإمارات العربية المتحدة، وبعلم كامل من المملكة العربية السعودية، سيكون بعيدًا عن الشرعية، على رأس هذا التحالف العميد طارق صالح إضافة إلى قيادات عسكرية جنوبية.
وجود الرئيس هادي في العاصمة الرياض، وعدم السماح له بالخروج منها والعودة إلى اليمن، يؤكد هذه الرواية، وسيبقى هناك تحت الرقابة الدقيقة، وسيمنع عن الحديث لوسائل الإعلام إلا في إطار توجه معين من دول التحالف العربي، حتى لا يتحدث عن وجود مؤامرة ضد شرعيته وحكومته لكي لا تفقد دول التحالف الغطاء الشرعي لحربها في اليمن، وتضع نفسها في موقف أخلاقي ومحرج أمام المجتمع الدولي.
المبعوث الأممي الجديد يتحرك في اتجاه واقعي بشكل يتجاوز النواحي البروتوكولية
تحركات لإحلال السلام
ومع بدء العملية العسكرية لقوات العميد طارق، وتطورات الوضع العسكري في اليمن، والمتمثل بإطلاق الصواريخ البالستية الكثيفة على السعودية من الحوثيين، هناك تحرك أممي عن طريق مبعوثها مارتن جريفيث (المبعوث رقم ثلاثة بعد المغربي جمال بن عمر والموريتاني ولد الشيخ أحمد) الذي يتحدث عن خطة لإحياء المفاوضات بين فرقاء الحرب والأزمة في اليمن، وهذا ما يكشف طبيعة المرحلة القادمة في اليمن.
“جريفيث” تحدث عن خطة “لإحياء مفاوضات” وليس عن خطة لإحلال السلام في هذا اليمن، وهذا يعني أن عملية السلام صعبة أو غير مطروحة لدى طرف الشرعية أو التحالف الذي يقاتل معها أو القوات العسكرية الموازية على الأرض في ظل مجموعة من الحقائق التي تمنع أي طرف في الوقت الراهن من الحديث عن سلام في اليمن.
المبعوث الأممي الجديد يتحرك في اتجاه واقعي بشكل يتجاوز النواحي البروتوكولية، إلى إدراك حقيقي موضوعي لحقيقة الأزمة في اليمن وجذورها، فهو يتحرك من منطق المدرسة الدبلوماسية البريطانية التي تقوم على أسس عديدة، أهمها التحرك وفق منطق الأمر الواقع الصلب، من دون كثير أمانٍ، وهو ما يختلف فيه عن المدرسة الدبلوماسية العربية التي كان يمثلها سلفاه السابقان، المذكوران آنفًا، لكن في الوقت الحاليّ لا يوجد أي جهة قادرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولديها شروطها للتفاوض من أجل تنفيذها سوى الحوثيين.
ربما قد يكون من غريب القول التأكيد أن الحوثيين أكثر أطراف الحرب في اليمن قدرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن شريطة أن تكرس لهم دورًا سياسيًّا في اليمن المستقبلي.
فالحوثيون وداعموهم في طهران لا يتحركون وفق مخطط زمني آنيّ، وإنما وفق مخطط زمني بعيد المدى، وقد يقبلون بحلٍّ مرحلي يمثل ما يشبه درجة سُلَّم، لها طوابق أخرى تقود إليها، ولكن السعودية والإمارات لهما تصور مختلف عن وضع الحوثيين في النظام السياسي لليمن بعد الحرب، لا يتواءم بدوره مع تصور إيران والحوثيين لوضع الأخيرين في منظومة السياسة والحكم في اليمن بعد الحرب.
لأن لكل جهة من الجهات المتحكمة في الصراع باليمن، رؤية تختلف عن الأخرى، فقد لجأت الإمارات العربية المتحدة وبتوافق سعودي إلى تغيير المعادلات على الأرض عسكريًا
لكن هناك عاملان عسكريان غاية في الأهمية يقوِّضا – ما لم تحدث مستجدات مفاجئة – تحركات “جريفيث” أو أي مبعوث أممي آخر.
العامل الأول: التصعيد العسكري الحوثي ضد السعودية؛ حيث شهد العمل العسكري الحوثي ضد المملكة تحولات نوعية، ومن بين ذلك استخدام طائرات من دون طيار في مهاجمة العمق السعودي، في جازان على وجه الخصوص، بجانب الصواريخ بعيدة المدى التي طالت مطارات عسكرية ومناطق مدنية في غرب وشمال السعودية في الفترة الأخيرة.
العامل الثاني: التحركات الواسعة التي يقودها العميد طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، من أجل إعادة تنظيم وتهيئة الحرس الجمهوري اليمني (حراس الجمهورية بالمسمى الجديد)، وهو في واقع الأمر، القوة العسكرية الأكبر والأقوى في اليمن على الأرض لو تم إعادة تنظيمها وتنشيطها بآلتها العسكرية المتطورة، وعددها البشري الضخم والمدرَّب.
ولأن لكل جهة من الجهات المتحكمة في الصراع باليمن، رؤية تختلف عن الأخرى، فقد لجأت الإمارات العربية المتحدة وبتوافق سعودي إلى تغيير المعادلات على الأرض عسكريًا من خلال لجوئها إلى طارق صالح والاعتماد على المتغيرات التي يمكن أن تحصل على الأرض والتي قد تقود الحوثيين إلى قبول مبدأ الجلوس على طاولة المفاوضات، يصاحبها ضغط عسكري غير محدود.
موقف الإخوان المسلمين
شن نشطاء التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) هجومًا لاذعًا على قوات العميد طارق صالح، وقالوا إنه لا يمثل الشرعية، داعيين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى عدم الاعتراف به وشطب الإمارات العربية المتحدة التي تدعمه بشكل غير محدود، وهذا يعود أسبابه إلى حقيقة أن قيادات الإخوان تكن عداءً حقيقيًا وعلى رأسهم اللواء الركن علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية المقرب من الإخوان المسلمين.
الإخوان المسلمون يتخوفون من دور الإمارات العربية المتحدة في اليمن، والسيناريو الذي ترسمه لما بعد الحرب
وهجوم قواعد وقيادات الإخوان المسلمين على طارق صالح والإمارات العربية المتحدة يمكن تلخيصها لعدة أسباب، نوجزها في التالي:
أولًا: يرى الإخوان المسلمون أن تحرك طارق صالح المحسوب على الحرس الجمهوري الذي يناصب هو الآخر الإخوان المسلمين عداءً شرسًا منذ ثورات الربيع العربي في اليمن عام 2011، التي دعت قيادات الإخوان المسلمين وشباب الثورة إلى إسقاط نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، إضافة إلى أنه مع نظام الحكم آنذاك يتهم الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال صالح في “جامع النهدين” بالقصر الجمهوري، ويرفض أن يكون هناك أي دور أو حوار مع الإخوان المسلمين وتشاطره في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
ثانيًا: تعتبر الأحزاب السياسية والقوى العسكرية الأخرى في اليمن، أن أي قوة عسكرية تقاتل الحوثيين لا بد أن تكون تحت إطار الشرعية، وإلا ذلك يعني تأسيس مليشيات أخرى مثلها مثل جماعة “المجلس الانتقالي” المتمرد على الشرعية في جنوب اليمن، والحوثيون الذين انقلبوا على الشرعية في ديسمبر 2014.
ثالثًا: الإخوان المسلمون يتخوفون من دور الإمارات العربية المتحدة في اليمن، والسيناريو الذي ترسمه لما بعد الحرب، والمتمثل بتأسيس قوة عسكرية تعمل بعيدًا عن الشرعية، هدفها القضاء على الشرعية، وإيجاد قاعدة عسكرية وسياسية لها، ترسم ملامح اليمن من دون قوى الإسلام السياسي من بينهم الإخوان المسلمين في اليمن.