على قدم وساق وفي الخفاء والعلن، تعمل مؤسسات دولة الاحتلال لتهويد التعليم في القدس، في مخطط بدأ منذ احتلال المدينة عام 1967، وتراوح منذ ذلك الحين بين المد والجزر، والنجاح والفشل.
ويرصد المختصون في مجال التعليم بالقدس، جملة من الممارسات الإسرائيلية الساعية لأسرلة التعليم في القدس، متهربة بذلك من واجباتها كدولة احتلال في القانون الدولي، وفي محاولة منها لمساواة التعليم في المدارس الفلسطينية بالمدارس التابعة لوزارة المعارف وبلدية الاحتلال.
مدارس السلطة تتراجع
وتقول مدير عام وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم ديما السمان، إن المخطط الإسرائيلي دخل السنوات الماضية مراحل متقدمة، بمنع بناء المدارس وافتتاح الصفوف المدرسية، وتفريغ المناهج الفلسطينية أو استبدالها بالإسرائيلية، وخلق أزمة في توفير المعلمين كذلك.
وتوضح، أن 9 آلاف طفل فلسطيني يعيشون خارج إطار التعليم، كما تواجه الوزارة أزمة كبيرة في تخصصات المعلمين، نتيجة منع الاحتلال للمعلمين الحاملين للهوية الفلسطينية من دخول القدس.
وتشير السمان، إلى تفريغ سلطات الاحتلال المنهاج الفلسطيني من مضمونة، وحذف السلام الوطني منه، وحذف بعض الأسطر الشعرية من قصائد وطنية يرى الاحتلال أنها تمس بأمنه، بالإضافة لمنع تدريس بعض مناهج التربية الوطنية بشكل كامل.
وتضيف أن سلطات الاحتلال تحصل على هذه المناهج من خلال موقع الوزارة الإلكتروني، ثم تحذف المحتويات المخالفة لمصلحتها وتعيد طباعة المنهاج، تاركة صفحات بيضاء في قلب الكتب بسبب صعوبة التحكم في النسخ المأخوذة عن الموقع.
وتشكل المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية 14% من المدارس بشكل عام، بعدما وصلت في وقت سابق 18%، وتبين السمان أن هذه المدارس فتحت في الأصل كرد على محاولة الاحتلال فرض التعليم الإسرائيلي في مدينة القدس فور احتلالها، وقد كانت تعرف آنذاك بمدارس الأوقاف.
تهويد المدارس الخاصة
وتواجه المدارس الخاصة وعددها 67 مدرسة حصار إسرائيليا مطبقا لإلحاقها بشكل غير مباشر بالتعليم الإسرائيلي، ويقول المختص في شؤون التعليم في القدس حاتم خويص، إن هذه المدارس باتت تعاني من ضغوطات كبيرة بسبب ابتزاز سلطات الاحتلال لها، ماجعلها تنقسم بين مستسلمة للضغوطات ورافضة لها ومتحايلة عليها.
ويتحدث خويص عن تقديم الاحتلال دعمًا مشروطًا لهذه المدارس، محاولا بذلك استغلال القانون الدولي الذي يلزمه بتوفير التعليم المجاني في القدس كدولة احتلال لصالحه، من خلال اشتراط دعم هذه المدارس بإدخال المنهاج الإسرائيلي لها، أو تدريس المنهاج الفلسطيني المشوه.
ويضيف أن بعض المدارس قبلت الحصول على الدعم المالي، غير أنها لم تلتزم بالاتفاقيات التي وقعت عليها مع وزارة التعليم الإسرائيلية، ماجعلها تواجه اليوم ضغوطات كبيرة من قبل سلطات الاحتلال لإلزامها بتنفيذ الاتفاق، أو قطع الدعم عنها.
من جانبها تؤكد السمان، أن عدد المدارس الرافضة للحصول على دعم الاحتلال المالي حوالي 20 مدرسة، فيما قبلت أكثر من 40 مدرسة أخرى الحصول على هذا الدعم.
وتوضح، “الدعم ارتبط منذ بدايته بشرطين غير سيئين، أولهما تعليم اللغة العبرية وهذا مهم للطالب المقدسي تحديدًا، أم الثاني فهو توفير شروط السلامة والأمان في مباني هذه المدارس، وهو أمر جيد”.
وتضيف، “بعد ذلك بدأت عمليات الابتزاز بشكل تدريجي، بعد تعويدهم على وضع اقتصادي معين، فاشترطت تقديم الدعم بتعليم المنهاج الإسرائيلي أو الحصول على المنهاج الفلسطيني من خلال بلدية الاحتلال بدلا من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية”.
ويحمل خويص وزارة التربية والتعليم مسؤولية نجاح مخطط الاحتلال في السيطرة على هذه المدارس، معتبرًا أن الوزارة تنصلت تماما من مسؤولياتها تجاه التعليم في القدس.
وتعلق السمان أن الصراع في مجال التعليم في القدس هو صراع سياسي في الأصل، مايجعل التصدي للاحتلال مسؤولية على عاتق مختلف الجهات وليست الوزارة وحدها، بما في ذلك المؤسسات الأهلية والعالمين العربي والإسلامي.
وتوضح أن مبلغ 27 مليون دولار سنويا، سيكفل حل أزمة المدارس الخاصة ومساعدتها للوقوف على أقدامها، إلا أن هذه المبلغ غير متوفر في خزائن السلطة الفلسطينية، والتي تجد أصلا صعوبات في دفع مرتبات المعلمين العاملين في المدارس التابعة لها.
لكن دعم المدارس الخاصة، تؤكد السمان، أنه أُدرج ضمن الخطة الخمسية لوزارة التربية، مبينة أن اجتماعا موسعا سيعقد قريبا مع مدراء هذه المدارس لبحث احتياجاتها وسبل دعمها.
مدارس المقاولات .. عصفورين بحجر
وتبلغ ممارسات الاحتلال ذروتها باعتماد ماتعرف فلسطينيا بمدارس المقاولات، وهي مدارس مرخصة وغير رسمية سمح الاحتلال بافتتاحها على مراحل خلال السنوات الماضية، حتى باتت تشكل اليوم 9% من مدارس القدس، وفقا للسمان.
وتقول السمان، “هذه المدارس لاتقدم تربية ولا تعليم، بل يقتصر دورها على منع تسيب الأطفال في الشوارع، وهو ما يؤكده ضعف مستوى الطلاب عند وصولهم للثانوية العامة، إذا وصلوا”.
ويعلق المختص خويص، أن هذه المدارس تمثل محاولة إسرائيلية ثانية للتهرب من فتح مدارس جديدة التزاما بالقانون الدولي، ومحاولة أخرى لتجهيل الشعب الفلسطيني وتهويد التعليم من جهة أخرى، كونها تحصل على دعم مالي من الاحتلال وتدرس منهاجه، لتضرب بذلك عصفورين بحجر.
ويؤكد أن افتتاح هذه المدارس تم بناء على عطاءات شهدت محسوبية ورشاوى لغض النظر عن عدم التزامها بأبسط شروط السلامة والظروف الصحية للمباني التعليمية.
عضو لجنة أولياء الأمور في المدارس العربية بالقدس محمد الصياد، برر قبول الأهالي بإرسال أبنائهم لهذه المدارس، بأنهم يجدون أنفسهم بين خياري الشارع أو المدرسة، في ظل نقص الصفوف المدرسية في المدارس التابعة للسلطة، وارتفاع تكلفة التعليم في المدارس الخاصة.
ويضيف الصياد، أن هذه المدارس تتقاضى مبالغ قد لاتصل ألف شيقل سنويا عن الطالب الواحد، فيما تتقاضى كثير من المدارس الخاصة مبالغ تتراوح بين 5 آلاف إلى 8 آلاف سنويا، مايجعل العائلات المقدسية مضطرة لإرسال أبنائها لمدارس المقاولات، بسبب ضعف قدرتها المالية.
ويتابع، “السلطة الفلسطينية هي المسؤول الأول عن هذه المشكلة، وعليها أن توفر للطلبة المقدسيين البديل عن مدارس البلدية والمعارف ومدارس المقاولات، أو تدعم المدارس الخاصة بما يساهم في تخفيض أقساطها لتصبح مقبولة للمقدسيين”.
قبل أسبوع، سنت وزارة التعليم الإسرائيلية قانونا يقضي بفرض الخدمة المدنية على كافة الطلبة المؤهلين لنظام البجروت – الثانوية العامة.
ويرجح حاتم خويص أن هذا القانون سيُجرب في بعض المدارس أولا، لاختبار ردة الفعل المقدسية والفلسطينية عليه، مؤكدًا أنه يشكل مقدمة لفرض التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال وشرطته على المقدسيين.
يذكر أن سلطات الاحتلال كانت قد شجعت مطلع العام الدراسي الجاري على فتح شعب أساسية وعليا لتدريس منهاجها في خمس مدارس تابعة للبلدية، وهو ماترى فيه ديما السمان محاولة أولية لتعميم المنهاج على عدد أكبر من الشعب والمدارس التابعة للبلدية، ثم بقية المدارس فيما بعد.
هذا التقرير يأتي ضمن سلسلة تقارير بالتعاون مع شبكة قدس الإخبارية