تسعى الحكومة المغربية بقيادة سعد الدين العثماني إلى إنجاح الحوار الاجتماعي الذي بدأ منذ سنوات مع النقابات العمالية ومنظمات رجال الأعمال، بهدف محاصرة كتلة الأجور في الوظيفة العمومية والتحكم في العجز المالي للمملكة، غير أن ذلك يصطدم برفض النقابات وتعنّت رجال الأعمال.
30 دولارًا أو 40؟
قبل أيام عرض رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، على زعماء الاتحادات العمالية، مقترحاته الرامية إلى الزيادة في أجور الموظفين وتحسين دخولهم، رغبة منه في إنهاء الحوار الاجتماعي إيجابيًا، غير أن ما عرضه لم يقنع العديد من الاتحادات المشاركة في هذا الحوار.
وكانت الحكومة المغربية قد أعلنت أول أمس الخميس عقب لقاء العثماني مع رؤساء النقابات الأربعة الأكثر تمثيلية ومنظمة أرباب العمل، كل على حدة، أنها تعتزم الرفع من أجور 700 ألف موظف بالقطاع العام، وسجلت “تمسكها بإنجاح الحوار وتوقيع اتفاق يكون له أثر على تحسين الدخل ودعم القدرة الشرائية وتقليص الفوارق الاجتماعية”.
هذه المقترحات لاقت رفض الاتحادات العمالية التي اعتبرت أن العثماني لم يأت بجديد يذكر
وعرض العثماني على الاتحادات العمالية زيادة بنحو 30 دولارًا في الشهر للموظفين الذين يتقاضون أجورًا تقل عن 550 دولارًا شهريًا، غير أن العرض الحكومي سيمتد على مدى ثلاثة أعوام، على اعتبار أن العثماني اقترح زيادة 10 دولارات في كل سنة في الفترة الممتدة بين 2019 و2021.
ويشارك في الحوار الاجتماعي، الاتحاد المغربي للشغل (اتحاد عمالي مستقل) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (اتحاد عمالي يساري)، ونقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، (تابعة لحزب الاستقلال المعارض)، والاتحاد الوطني للشغل (تابع لحزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة)، والاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يمثل مصالح رجال الأعمال.
رفض الاتحادات العمالية
هذه المقترحات لاقت رفض الاتحادات العمالية التي اعتبرت أن العثماني لم يأت بجديد يذكر، وتقترح هذه النقابات زيادة بـ40 دولارًا شهريًا في فترة واحدة على أن تشمل جميع الموظفين الحكوميين والعاملين في القطاع الخاص الأمر الذي يرفضه رجال الأعمال.
وكان الاتحاد المغربي للشغل (أكبر ممثل للعمال في المغرب) قد عبّر قبل دعوة العثماني لزعماء الاتحادات، عن رفضه لعرض الحكومة، حيث شدد على أن ما تقترحه هزيلاً ولا يستجيب للحد الأدنى للملف المطلبي لذلك الاتحاد.
وتطالب النقابات العمالية المغربية بمطالب عديدة أهمها رفع الحد الأدنى للأجور والزيادة في التعويضات التي تهم كل الفئات في جميع القطاعات، بالإضافة إلى تحسين الدخل والتخفيض الضريبي وتنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 من أبريل 2011 واحترام الحريات النقابية وتسوية ملفات الفئات المتضررة من القوانين الأساسية السابقة وإرجاع ما سمي بالقانون التنظيمي للإضراب لطاولة الحوار الاجتماعي.
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني
شهد المغرب آخر زيادة في الحد الأدنى للأجور 10% في مرحلتين بعد اتفاق عشية عيد العمال في 2014، وهو الاتفاق الذي جاء ضد رغبة رجال الأعمال الذين لم يخفوا غضبهم من تلك الزيادة آنذاك، ويتلقى الحد الأدنى للأجر في المغرب نحو 45% من الأجراء المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يوفر التغطية الاجتماعية لأكثر من ثلاثة ملايين عامل بالقطاع الخاص بالمملكة.
وسبق أن تم الالتزام في شهر أبريل/نيسان 2011، بالسعي للتوحيد التدريجي للحد الأدنى للأجور، بما يضع حدًا بين الأجراء في القطاع الزراعي ونظرائهم في القطاعات الأخرى، غير أن ذلك الالتزام لم يتم الوفاء به حتى الآن.
وحسب الحد الأدنى الحاليّ للأجر في الصناعة والتجارة والخدمات، يتلقى الأجير نحو 299 دولارًا في الشهر، إذا عمل الساعات التي يحددها قانون العمل، ويعتبر مستوى الحد الأدنى في القطاع الخاص دون الحد الأدنى في القطاعات الحكومية، حيث سبق لحكومة عبد الإله بنكيران أن رفعته إلى ما يقارب 325 دولارًا في الشهر.
دور رجال الأعمال في تعطيل الحوار
فضلاً عن اتهامها الحكومة بالعمل على إفشال هذا الحوار، تتهم النقابات العمالية أيضًا الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يمثل مصالح رجال الأعمال بتعطيل الحوار، ذلك أن منظمة أرباب العمال ترفض الزيادة في الأجور في القطاع الخاص.
ويسعى رجال الأعمال المغاربة إلى الحصول على التزام من الاتحادات العمالية في البلاد بمراجعة قانون العمل بما يسمح برفع بعض القيود عن قرارات تسريح العمال لأسباب لها علاقة بالصعوبات الاقتصادية، في الوقت نفسه الذي يتطلعون فيه إلى تأطير حق الإضراب عبر قانون ينظمه، وهو ما يثير حفيظة الاتحادات العمالية.
فشل الحوار الاجتماعي من الممكن أن يساهم في إرباك الوضع الاجتماعي في البلاد حسب العديد من الخبراء
ويؤكّد رجال الأعمال أن الزيادة في أجور موظفي القطاع الخاص، ستؤثر على تنافسية الشركات المغربية التي تشتكي من ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة بالنسبة للمصدرة منها، حسب قولهم، ولاحظ البنك المركزي المغربي مؤخرًا أن الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص تراجعت قيمته الحقيقية بنسبة 1.2% في الربع الأخير من العام الماضي، وينتظر أن ينخفض بـ1.6% في الربع الأول من العام الحاليّ.
زيادة الاحتقان الاجتماعي
فشل الحوار الاجتماعي من الممكن أن يساهم في إرباك الوضع الاجتماعي في البلاد حسب العديد من الخبراء، وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي رشيد لزرق لنون بوست: “اتجاه الحكومة إلى اعتماد زيادة هزيلة للموظفين بشكل تمييزي يهدد بخلق التناقض لدى الموظفين، الغاية منه إرباك حسابات المركزيات النقابية التي دعت الحكومة إلى مراجعة موقفها ومراعاة تراجع القدرة الشرائية وغلاء المعيشة الذي طال الطبقات المتوسطة”.
يشهد المغرب تحركات احتجاجية كبيرة
ويضيف لزرق لنون بوست: “عوض أن تتوجه الحكومة الحاليّة إلى مأسسة الحوار تتجه إلى تمويه وخلق التفرقة بين القوى العاملة، من خلال تمرير مواقف الزيادة بشكل انفرادي مفتقد للتشاور والحوار مما يشكل نسف الحوار تعسفًا وضربًا للاستقرار الاجتماعي، في وقت يعرف المغرب العديد من الاحتجاجات”.
ويؤكّد لزرق أن فشل هذا الحوار من شأنه أن يساهم في امتداد رقعة الإضرابات وإشعال الاحتجاجات التي تعرفها العديد من مناطق المملكة في وقت من المفروض تحقيق السلم الاجتماعي بغاية تمويل النموذج التنموي والمرور إلى مرحلة التنمية الشاملة، حسب قوله.
ويعرف المغرب في الفترة الأخيرة، تحركات اجتماعية مطلبية في عدد من الجهات آخرها الاحتجاجات في منطقة جرادة، عقب مقتل شخصين، في منجم عشوائي للفحم الحجري، تأججت أكثر في مطلع فبراير/شباط الماضي إثر مصرع شخص ثالث في منجم آخر، ويشكو المحتجون من “التهميش” الاقتصادي وغياب فرص العمل، وسط وعود حكومية بإقامة مشاريع تفتح الباب أمام توفير فرص العمل.