اللعب على المكشوف؛ لم يعد هناك حاجة لإرسال إشارات غير واضحة عبر وسطاء، فالدروس التي تلقاها المجتمع اليمني بكل أطيافه، على مدار السنوات الماضية، كفيلة بقراءة كل تحرك داخلي أو خارجي، لتسويغ الأزمة، لصالح أي من “الأفيال الإقليمية” التي تتنازع النفوذ في اليمن، ومن هنا يمكن قراءة الأزمة الكبرى التي تشتعل يومًا بعد الآخر، بين جماعة الإخوان المسلمين، وطارق صالح وريث عمه علي عبد الله، والخيار الأمثل حاليًّا للتحالف العربي.
كيف ظهر طارق صالح في المشهد اليمني؟
ظهر طارق صالح رجل التحالف في شمال اليمن، ليبدو خيارًا يمكن التعويل عليه من الأجنحة الإقليمية المعادية حاليًّا وبشراسة لفكرة الإخوان، وتسعى لاجتثاثها من الحياة، بعدما نجا بأعجوبة من ملاحقة الحوثيين له، خلال عملية تعقب علي عبد الله صالح، التي في ديسمبر الماضي، وانتهت بمقتل الزعيم كما كانوا يطلقون عليه.
حظيت قوات طارق، بدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، في جنوب اليمن، الموالي للتحالف، في ظل نجاحه وترجيح كفته بالعمليات القتالية التي جرت في المناطق التي سُلمت لقيادته في محافظة الحديدة رغم حداثة تكوين تلك القوات، ليقرر التحالف سريعًا إسناد إليه مهمة حصار الحوثيين في صنعاء والسيطرة على ميناء الحديدة الإستراتيجي العام.
بجانب عداء الحوثيين، يجمع طارق صالح والحلف (السعودي – الإماراتي) كره الإخوان، فيعتبرون الجماعة الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبلهم جميعًا، مع أنها كانت خيارهم الأوحد في مربع الشرعية، للسيطرة على الشمال اليمني، منطقة نفوذهم الأكبر في اليمن، ومنع انزلاقه إلى جعبة الحوثيين، وإن اختلف تقدير كل منهما لأزمته مع الجماعة، فالتحالف يراها تمارس عليه ابتزازًا، لمماطلتها في النزول لساحة المعركة ضد الحوثيين بشكل عملياتي، مع أنه أغدق عليها الأموال والمساعدات اللوجستية في بداية التحالف في مقابل ذلك.
يرى صالح وبخلاف العداء التاريخي لعائلته، أن الإخوان هربت من ساحات القتال واستخدمت الدعم المقدم بالمال والسلاح دعمًا للجبهات المختلفة، لتقوية نفسها والظهور في موقف مواز للحوثيين
يدلل التحالف مؤخرًا على مراوغات جماعة الإخوان وعدم جديتها، بالانتصارات المدوية التي أحدثتها القوة حديثة النشأة والتكوين التي قادها طارق، بينما لم يقدم الإخوان أي انتصارات تذكر خلال ثلاث سنوات، بل إنهم تخلوا من وجهة نظر التحالف عن تعز مبكرًا، دون أي مقاومة أو تصدٍ حقيقي للحوثيين الذين طالما عبثوا بتعز وقتلوا أهلها وقصفوا المدنيين، وهو ما أربك المقاومة الشعبية في تعز التي تواجه الحوثيين، وجعلها لا تقوى على المواجهة بشكل فاعل، رغم حصولها على دعم كبير بالمال والسلاح اللازمين للمواجهة مع ميلشيات الحوثيين.
بينما يرى صالح وبخلاف العداء التاريخي لعائلته والعسكر بشكل عام مع الجماعة، في أنحاء الوطن العربي كافة، أن جماعة الإخوان هربت من ساحات القتال واستخدمت الدعم المقدم بالمال والسلاح دعمًا للجبهات المختلفة، لتقوية نفسها والظهور في موقف موازٍ للحوثيين، وقد لا تمنعها براجماتيتها المعروفة من التنسيق لاحقًا مع جماعة أنصار الله، في ظل تكثيف نبرة الحل السياسي في الأونة الأخيرة على ألسنة قادة الإخوان التي تعتبرها الجماعة مذهبًا ثابتًا لحل الأزمة في اليمن.
الإخوان.. دروس الماضي خير معلم
على النقيض من التحالف وصالح، تؤكد تصرفات الجماعة أنها تتعامل بحرص شديد، حتى لا تساهم في زرع حفتر جديد في اليمن، خصوصًا أنها تعلم جيدًا نوايا ما يسمى بتيار التجديد في السعودية الذي يؤسس شرعيته بالتعاون مع الإمارات، على بتر الجماعة وإنهاء وجودها في الخليج بأكمله، ثم المساهمة في القضاء عليها عربيًا ودوليًا.
استيعاب دروس الإخوان للماضي والحاضر، ظهر جليًا الأسبوع الماضي، في التصريحات التي أدلى بها رئيس الدائرة الإعلامية في حزب التجمع اليمني للإصلاح علي الجرادي الذي رفض محاولة تنصيب طارق صالح زعيمًا على اليمن ومن مناطق نفوذ الإخوان، وقال إن الحزب مع أي تحرك ضد الانقلاب من أي أشخاص أو جهات أو تكتلات، لكنه يشترط أن يكون ذلك منضويًا تحت سلطة الشرعية اليمنية، برئاسة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ومخرجات الحوار الوطني.
إخوان اليمن يرون أن محاولة التحالف السعودي الإماراتي وإعادة عائلة علي عبد الله صالح والدوائر المنتفعة من بقايا نظامه للواجهة مرة أخرى، يعني بشكل واضح التآمر على المناطق المحررة شمالاً (مناطق نفوذ الإخوان)
حديث الجرادي كان واضحًا، وأعطى إشارات إلى ثوابت لا يمكن الاختلاف معها، من أي مبتدئ في دراسة علم السياسة؛ فزرع مليشيات في اليمن تحت أي مسمى، لن يستهدف في النهاية إلا البلاد كدولة اتحادية، بما يؤكد مخطط التقسيم إلى ولايات فيدرالية برعاية عربية، الذي سُربت عنه تفاصيل كثيرة، خلال الأشهر الماضية، وكانت اللمسات الأخيرة فقط في حاجة إلى إعادة صياغة، لتخرج إلى اليمنيين باعتباره مشروعًا وطنيًا، من رجل يمثلهم لا من أجندات مفروضة عليهم، وفقًا لمصالح خارجية.
يرى إخوان اليمن، أن محاولة التحالف السعودي الإماراتي وإعادة عائلة على عبد الله صالح والدوائر المنتفعة من بقايا نظامه، للواجهة مرة أخرى يعني بشكل واضح التآمر على المناطق المحررة شمالاً ـ مناطق نفوذ الإخوان ـ لتسليمها إلى جيش طارق صالح الذي يجتهد التحالف في تشكيله، وتقويته يومًا بعد الآخر، والصرف عليه بسخاء، خصوصًا بعد الانتصارات المتتالية التي يحققها طارق في الساحل الغربي للبلاد، بعد أيام من دخوله خطّ المواجهات المباشرة ضد الحوثيين بين محافظتي تعز والحديدة، بما يضع الإخوان تحت وصاية طارق والتحالف، وهو أمر مرفوض لجماعة تعلم جيدًا أن الخطوة القادمة، ستكون بلا شك موجهة للتخلص منها.
تُلاعب جماعة الإخوان الجميع حاليًّا؛ فهي ضمن التحالف العربي ضد الحوثيين، وفي نفس الوقت تتقرب كل يوم عن الآخر، من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف أيضًا، وتعول عليه كثيرًا في أغلب بياناتها، بل إنها تبدو حريصة على الرجل أكثر من حرصه هو على نفسه، وهي السياسات التي وثقت العلاقة بشكل قوي مع الرئيس اليمني، بما أزعج الإمارات ودعاها للعمل بعيدًا عنه، بل وتوجيه أسلحتها الإعلامية سواء بالداخل أو الخارج، لتوبيخ الرجل كلما شن هجومًا عليها لسياستها التي يراها لا تعمل لصالح بلاده.
رغم الموقف الجيد للإخوان على أرض الواقع، فإن الانتصارات التي يحققها طارق صالح، تؤكد عدم خوضها صراعًا مسلحًا بشكل جاد ضد الحوثيين، يقف عقبة أمامها حاليًّا، وقد يكون ثغرة خطيرة مستقبلاً، في إبقائها القوة الأبرز بل والوحيدة في شمال اليمن، وبما يجعل التفاهم بمعزل عنها في المشاروات عن مستقبل اليمن أمر صعب، خصوصًا أن القوة الأخرى بقيادة صالح نجحت فيما فشل الإخوان فيه، وبالتالي أي محاولة منهم لتعطيل الحرب ضد الحوثيين، ستضع الجماعة في خانة الحليف المعادي لمصالح اليمنيين، وستتعرض لقصف إعلامي وسياسي لا مثيل له، باعتبارها حائط صد ضد إعادة الشرعية وضمان الاستقرار الدائم لليمن.
يحاول إخوان اليمن الثبات حتى الآن، إلا أنهم يبدون ضعفاء أمام ماكينة القصف الإعلامي المسلطة عليهم من كل مكان في الوطن العربي
الإشارات التي تخرج من الإعلام السعودي والإماراتي، عن ممارسات حزب الإصلاح السياسية والإعلامية، وتستهدف بالدرجة الأولى عائلة على عبد الله صالح وقيادات حزبه الفارين من جحيم الحوثي، يؤكد أن الشرك منصوب للجماعة، إذا ما حاولت تعطيل طارق صالح؛ فأي محاولة لخلخلة الجبهة الداخلية المدعومة من التحالف، سيكون الرد مُلغم بمئات الرسائل التحريضية على الإخوان، مفادها لا مكان للجماعة في صفوف الشرعية، بل يمكن القول إن سيناريو تحويلها إلى عدو يجب التخلص منه، كما هو الحال في التعامل مع باقي فروع الجماعة في الوطن العربي، أمر لا يوجد أسهل منه.
يحاول إخوان اليمن الثبات حتى الآن، إلا أنهم يبدون ضعفاء أمام ماكينة القصف الإعلامي المسلطة عليهم من كل مكان في الوطن العربي، وتبدو أيضًا تائهة يوميًا بين مئات المنشورات التي تغرق بها الكتائب الإلكترونية المعادية لها، مواقع التواصل الاجتماعي التي تشن عليها هجومًا شرسًا، وتتهمها بتبني خطاب مغاير، يسيئ لجهود وأهداف التحالف، وتستدرجها في قضايا ثانوية، بما يضعها دائمًا في موضع اتهام وشك؛ الأمر الذي يوجب على الإخوان سرعة الانتباه وتبني سياسة جديدة تستطيع التعامل مع الواقع المأزوم الذي يتغير بسرعة مجنونة، كقطار خرج عن القضبان ويسير بركابه جميعًا إلى الهاوية.