حلقة جديدة من مسلسل الصراع على النفوذ بين إيران والسعودية، سخّرت فيها الأخيرة إمكاناتها كافة وحلفاءها لتحجيم الأولى حتى لو كان مسرح الأحداث أرضًا عربية أو إسلامية، وهو ما كشفته رسالة سُربت من بريد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.
الرسالة عبارة عن برقية موجهة من السفيرة الأردنية في واشنطن دينا قعوار إلى وزير الخارجية الأردني بتاريخ 22 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد لقائها مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن الوطني الأمريكي مايكل بل، تناولت عددًا من الموضوعات على رأسها تلميح سعودي بنقل ساحة الصراع مع إيران إلى أرض جديدة غير اليمن، ووقع الخيار على لبنان لتكون أرض المواجهة البديلة، حسبما كشفت “الأخبار” اللبنانية التي نشرت نص الرسالة.
ربما لم يكن مفاجئًا ما كشفته الرسالة المسربة من بريد العتيبة، إذ إنها تتناغم وبصورة كبيرة مع ما يثار بين الحين والآخر عن رغبة سعودية جامحة في الخروج من المأزق اليمني بعد الورطة التي أوقعت فيها الرياض نفسها وحلفاءها منذ مارس 2015 وحتى اليوم، إلا أن إستراتيجية الخروج وكيفيته هي ما يجب الوقوف حياله، خاصة أن بلدًا عربيًا آخر ربما ينضم إلى قائمة ساحات المعارك التي تحارب فيها المملكة خصمها اللدود بالوكالة.
من اليمن إلى لبنان
3 ملفات رئيسية تطرقت إليها الرسالة الموجهة من قعوار إلى وزير الخارجية الأردني – التي جاءت تحت عنوان “لقاء مع مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن الوطني الدكتور مايكل بل” – أولها تلميح السعودية بنقل حربها بالوكالة ضد إيران من اليمن إلى لبنان.
السفيرة الأردنية في واشنطن نقلت عن بل – الذي خدم سابقًا في الجيش الأمريكي في مواقع متفرقة من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، ولفترات متعددة لعل أهمها “درع الصحراء” و”عاصفة الصحراء” (حرب الخليج الثانية) وغزو العراق عام 2003 – قوله إن الحريري كان محتجزًا في السعودية حيث اشترطت عليه الرياض شرطين هما: أولاً الانفكاك التام عن سوريا، وثانيًا الانفكاك عن حزب الله وإبعاده عن مؤسسات الدولة، وإلا ستستخدم بعض تعاملات الحريري المالية التي تغض عنها الطرف حاليًّا، ضده.
تتناغم رسالة قعوار المسربة مع ما كانت كشفته رسائل العتيبة السابقة من أن ولي عهد السعودية يريد الخروج من اليمن، لكن الأمير الطامع في كرسي الخلافة لن يقدم على هذه الخطوة على ما يبدو قبل أن يضمن مقابلًا مؤلمًا لإيران
وأضاف أن عبد الرحمن السدحان، وهو مستشار الأمير محمد بن سلمان، ألمح إلى أنه من الأفضل أن تنتقل حروب إيران بالوكالة من اليمن للبنان، غير أنه كشف عن نتائج اجتماعات سابقة عقدها مع دبلوماسيين إسرائيليين تطرقت إلى هذه المسألة خلصت إلى وجود قلق لدى الإدارة الأمريكية من تسرع ولي العهد السعودي في اتخاذ مثل هذه الإجراءات في الوقت الراهن كونها قد تؤثر سلبًا على استقرار السعودية.
ثاني الموضوعات التي تضمنتها الرسالة كانت بخصوص الأزمة الخليجية، حيث أشار بل إلى أن محاولات المصالحة بين قطر والدول الأخرى ما زالت مستمرة ولكن دون فائدة، ومع ذلك فهناك بوادر إيجابية على صعيد التعاون العسكري والدفاعي بينها، خاصة مع المملكة العربية السعودية.
ثم تطرق إلى الحديث عن الملف السوري متسائلًا عن مصير نحو 30 ألف مقاتل أجنبي إرهابي، وإلى أين سيذهبون، وأضاف أن هناك قلقًا من أنهم سيتوجهون للأردن حيث لا يوجد أي خيار آخر أمامهم، ومنه إلى مسألة العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حيث قال: “الإسرائيليون يقولون للجانب الأمريكي إنهم يحاولون الاتصال مع الأردن ولكنه لا يجيب”، على حد تعبيره.
ثم اختتمت السفيرة الأردنية في واشنطن برقيتها لوزير خارجية بلادها بإدانة مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن الوطني الأمريكي لوزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيلرسون وأسلوب إدارته لوزارته، ملمّحًا لوجود حساسية لدى الوزير مما يراه كتدخلات مجلس الأمن الوطني، وذكرت أن تيليرسون أصبح أكثر غضبًا مؤخرًا، وقد يكون هناك صحة لما يُتداول بشأن إمكانية تغييره.
عبد الرحمن السدحان مستشار ولي العهد السعودي
خروج أكثر إيلامًا
تتناغم رسالة قعوار المسربة مع ما كانت كشفته رسائل العتيبة السابقة من أن ولي عهد السعودية يريد الخروج من اليمن، لكن الأمير الطامع في كرسي الخلافة لن يقدم على هذه الخطوة على ما يبدو قبل أن يضمن مقابلًا مؤلمًا لإيران، تشاركه تل أبيب في التطلع إليه والدفع باتجاهه، وهو ما ساق مستشاره للتلميح إلى نقل المعركة إلى لبنان.
تكبدت السعودية مع دخول حربها في اليمن عامها الـ4 العديد من الخسائر المادية والبشرية ساهمت بشكل كبير في إجهاض الاقتصاد، سواء من خلال الاضطرار إلى الاقتراض الخارجي أم تعرض الموازنة العامة للعجز خلال السنوات الـ3 الماضية، وهي الخسائر التي تباينت التقديرات بشأن حجمها دون أفق واضح للحسم العسكري، مما ينعكس بالتبعية على الوضع الاجتماعي والسياسي.
زاد من هذه الضغوط النقلة النوعية في إدارة الحوثيين للمعارك ونقلها إلى الداخل السعودي عبر اختراقهم الحدود الجنوبية للمملكة في جازان وعسير ونجران، فضلًا عن استهدافهم مواقع حيوية في قلب العاصمة الرياض بعشرات من الصواريخ الباليستية التي يتطلب التصدي لها ملايين الدولارات يوميًا.
عبد الرحمن السدحان وهو مستشار الأمير محمد بن سلمان ألمح إلى أنه من الأفضل أن تنتقل حروب إيران بالوكالة من اليمن للبنان
تقارير سعودية تشير إلى أن تكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريًا تشمل التشغيل والذخائر والصيانة، أي أكثر من 8 مليارات دولار في 3 سنوات، فيما أعلنت قوات التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار الماضي أن عدد الطلعات الجوية التي نفذها طيرانها في اليمن بلغت أكثر من 90 ألفًا، وبالتالي تكون تكاليف الضربات الجوية قد بلغت خلال عامين ما بين 7 و9 مليارات، إذ تترواح تكلفة الطلعة بين 84 ألفًا و104 آلاف، وهي تكلفة الطلعة بمقاييس القوات الجوية الأمريكية.
“فورين بوليسي” ذهبت إلى أن نفقات قمرين اصطناعيين للأغراض العسكرية بلغت 1.8 مليار دولار في الأشهر الـ6 الأولى للحرب، بينما تبلغ تكلفة طائرة الإنذار المبكر (أواكس) 250 ألف دولار في الساعة أي 1.08 مليار دولار سنويًا، في حين كشفت مجلة التايمز البريطانية عن تقدير تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميًا أي 72 مليار دولار سنويًا و216 مليار دولار في 3 سنوات.
خسائر كبيرة تتكبدها السعودية في اليمن
ماذا بعد؟
بات من الواضح أن تعويض السعودية خسارتها في اليمن أمرًا مستبعدًا، وأن احتمالات تحقيق انتصار مدو ضد الحوثيين المدعومين إيرانيًا ضعيفة جدًا، ومن ثم فإن بقاء أمد الحرب هناك فترات أطول لا يعني سوى مزيد من نزيف المال يذهب بالاقتصاد السعودي إلى منحدرات أخرى لا تؤمن عقباها.
المقترح في حد ذاته غير مستبعد آجلًا كان أو عاجلًا، وهو ما يضع اللبنانيين إبان تهديد مستمر خلال الفترة القادمة
ومن ثم هناك معضلة أمام الرياض، فإن أرادت الخروج على وضعتيها الحاليّة المنهزمة فإن ذلك ربما يكون له تداعيات سلبية على صورة المملكة في الخارج وعلى تقدير حجم قوة النظام الحاكم داخليًا، وهو ما يخشاه ابن سلمان بصورة كبيرة، خاصة وهو الذي طالما يتشدق بعبارات التهديد والوعيد لطهران إلى الحد الذي لوح فيه بإمكانية نقل المعركة إلى داخل إيران نفسها.
في العامين الأخيرين على وجه الخصوص تعرضت الأجندة السعودية داخل لبنان لبعض التغيرات خاصة مع زيادة نفوذ حزب الله داخليًا، وما تلاها من عقوبات فرضتها الرياض ضد بيروت على رأسها وقف تمويلها ودعمها للجيش اللبناني، بخلاف الضغط على حلفائها من قوى الـ14 من آذار، واحتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته – التي تراجع عنها فيما بعد – خلال زيارته قبل الأخيرة للمملكة، هذا بخلاف الضغوط المادية المتمثلة في وقف شركة “سعودي أوجيه” المملوكة للحريري في السعودية، التي كانت تعد المورد الأكبر لتمويل تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة.
الانتخابات اللبنانية المقرر لها الـ6 من مايو/آيار القادم ربما تكون فرصة لعودة النفوذ السعودي داخل لبنان مرة أخرى في مواجهة زيادة رقعة النفوذ الإيراني عبر ذراعه العسكري حزب الله، وإن كانت التقديرات تشير إلى عكس ذلك خاصة بعد استعداء المملكة لقطاعات كبيرة من الشعب اللبناني بسبب تصرفاتها خلال الفترة الأخيرة.
قد يكون من الصعب الذهاب إلى ما ألمح إليه مستشار ولي العهد السعودي عبد الرحمان السدحان بشأن نقل الحرب بالوكالة مع إيران من اليمن إلى لبنان، في الوقت الراهن على الأقل، غير أن المقترح في حد ذاته غير مستبعد آجلًا كان أو عاجلًا، وهو ما يضع اللبنانيين إبان تهديد مستمر خلال الفترة القادمة.