ترجمة وتحرير: نون بوست
رغم غياب أي انتهاك للاتفاق النووي من قبل إيران، عملت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” على تفعيل الجبهة الدبلوماسية، لتنبيه المجتمع الدولي إلى خطر الحرب الوشيكة في الشرق الأوسط. وفي الواقع، تمهد هذه التحذيرات الطريق أمام إعلان ترامب الانسحاب الأحادي من هذه الاتفاقية بتاريخ 12 أيار/ مايو، التي وقعها باراك أوباما سنة 2015. لكن، لم يقدم أي من البلدين بدائل لهذا الاتفاق حتى الآن.
في المقابل، اقترح الطرفان طلبات جديدة على طاولة التفاوض، مثل الحد من برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، والعمل على مواجهة الإستراتيجية الإيرانية التي تهدف إلى البقاء لأطول فترة ممكنة في سوريا. وفي تصريح له لقناة “سي بي سي”، أقر المحلل السياسي، كليمنت تيرم، “لن نتوصل إلى اتفاق جديد، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على تغيير النظام في إيران”.
خلال خطاب ألقاه في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن مستشار الأمن القومي الحالي في إدارة ترامب، جون بولتون، عن تغيير إستراتيجية السياسة الأمريكية في هذا الشأن، ومن المنتظر أن تعمد الولايات المتحدة إلى “إسقاط النظام الملالي” لأن “سلوكهم وأهدافهم لن تتغير”. ولم يتوان بولتون عن تقديم توقعاته بشأن تاريخ تحقيق الهدف الأمريكي في طهران، مؤكدا أن ذلك سيكون قبل سنة 2019، ما يعني أنه بقي أمامه فقط ثمانية أشهر.
حيال هذا الشأن، ذكّر السفير الإسرائيلي داني دانون مجلس الأمن بأن إيران تمثل تهديدا، خاصة أنها “توحد حزب الله وحماس ونظام الأسد”. كما أشارت الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، إلى أن طهران هي “المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة”.
اعترف وزير الدفاع الأمريكي أمام مجلس الشيوخ بأنه قرأ الاتفاق النووي في ثلاث مناسبات، مبينا أن الاتفاق مكتوب بطريقة تترك ثغرات تخول لإيران محاولة خداع الولايات المتحدة الأمريكية
مؤخرا، سافر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى واشنطن للاجتماع مع وزير الدفاع جيمس ماتيس. وقبل فترة وجيزة من هذا اللقاء، أجرى ليبرمان مقابلة مع وسائل الإعلام السعودية، حيث صرح بأنه “إذا هاجمت إيران تل أبيب فسوف نهاجم طهران، وسندمر أي موقع عسكري إيراني في سوريا يهدد “إسرائيل” “. وأضاف هذا السياسي المتشدد أن “خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية هو أحد مفاتيح الإطاحة بالنظام الإسلامي، لأنه سيسرع من انهيارها الاقتصادي”.
خلال الاجتماع، أعاد ماتيس التأكيد على التزام بلاده العسكري تجاه “إسرائيل”. أما فيما يتعلق بالصدام المحتمل بين “إسرائيل” وإيران، أوضح ماتيس قائلا “أستطيع أن أرى كيف يمكن أن يبدأ، لكنني لست متأكدا متى وأين سينتهي، إلا أنه حتما سينتهي في سوريا لأن الإيرانيين يواصلون تقديم الدعم لحزب الله”.
بعد بضع ساعات، اعترف وزير الدفاع الأمريكي أمام مجلس الشيوخ بأنه قرأ الاتفاق النووي في ثلاث مناسبات، مبينا أن الاتفاق مكتوب بطريقة تترك ثغرات تخول لإيران محاولة خداع الولايات المتحدة الأمريكية. وبناء على ما أكده ماتيس، يبدو جليا أن “عمليات التحقق” التي تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية “لها مبررات ودوافع قوية”.
مع ذلك، اعتبر الفريق الذي شكلته كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة وألمانيا، تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير دقيقة. فقد أكدت هذه التقارير أن إيران التزمت بما تم الاتفاق عليه مع مجموعة الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المعروفة بمجموعة “5+1”.
على خلفية إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، عبر أحد رجال الأعمال الإسبانيين لديه خبرة طويلة في سياسة إيران، عن موقفه قائلا “فلننهي هذا الاتفاق، ونضع حدا لهذه المأساة التي تعيد نفسها كل 120 يوما منذ أن أصبح ترامب رئيسا، لا يمكن متابعة العمل به خاصة أن كل شيء بات مشلولا. وإذا كان ترامب سينسحب من الاتفاقية، فلينسحب نهائيا دون رجعة”. كما اعتبر رجل الأعمال الإسباني أنه لا يمكن توقع ما سيحدث بعد 12 أيار/ مايو، علما بأن ترامب تعوّد على إثارة هذا الملف كل أربعة أشهر منذ وصوله إلى الرئاسة.
أكد ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بسياسته الخارجية، أنه حازم في الدفاع عن أمن “إسرائيل”
على المستوى الاقتصادي، أدت تهديدات ترامب إلى تراجع قيمة الريال الإيراني بنسبة 35 بالمائة مقابل الدولار خلال السنة الماضية، وهو ما ضيق الخناق حول الرئيس الإيراني حسن روحاني. وبعد فوزه في الانتخابات، عمل روحاني على إهداء الاتفاق النووي الإيراني لشعبه باعتباره السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الخطيرة التي تحملت فيها البلاد عبء العقوبات الدولية.
في الوقت الحالي، يرزح رجل الدين المعتدل حسن روحاني، تحت وطأة الضغوط المسلطة من قبل المحافظين المتشددين الذين لن يغفروا له تجميد البرنامج النووي. ويضاف إلى ذلك، خيبة أمل الإصلاحيين الذين توقعوا تحسن الاقتصاد وتوفير المزيد من الفرص الاجتماعية.
وفي تصريح أدلى به بعد الاجتماع الذي عقد هذا الأسبوع مع ترامب في واشنطن، عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن توقعاته حول إلغاء الاتفاق النووي الإيراني. في المقابل، تصر كل من الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، على أهمية الحفاظ على ما تم الاتفاق عليه منذ ثلاث سنوات، مشيرة إلى أن نص الاتفاقية لا يسمح بإحداث مثل هذه التغييرات.
على الرغم من ذلك، أكد ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بسياسته الخارجية، أنه حازم في الدفاع عن أمن “إسرائيل”، وهذا يدل على أنه اختار القطيعة مع إيران على عكس ما كان يطمح إليه سلفه أوباما. ويمثل تاريخ 12 أيار/ مايو فرصة لترامب من أجل مزيد تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. وتجدر الإشارة إلى أنه جمعت واشنطن وطهران قطيعة دامت 34 سنة، تخللتها عدة أزمات على غرار أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، التي جعلت الولايات المتحدة بمثابة “الشيطان العظيم” بالنسبة لآية الله.
ستعدّل إيران من برنامج محطة فوردو النووية، التي لن تُستخدم لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 سنة، ولن تكون قادرة على تخصيب اليورانيوم إلا في منشأة نطنز النووية
خلال الخمسة عشر سنة المقبلة، لن تعمل الجمهورية الإسلامية على تخصيب اليورانيوم بأكثر من 3.67 بالمائة، ناهيك عن تخفيض إنتاج اليورانيوم المخصب إلى مستويات دنيا من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام كحد أقصى. فضلا عن ذلك، ستقلص إيران من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسبة 6.104 بالمائة، وتمثل هذه النسبة حوالي ثلث الطاردات المركزية التي تم إنشاؤها سنة 2015، وبلغ عددها 19 ألف طاردة.
من هذا المنطلق، ستعدّل إيران من برنامج محطة فوردو النووية، التي لن تُستخدم لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 سنة، ولن تكون قادرة على تخصيب اليورانيوم إلا في منشأة نطنز النووية. كما سيتمكن الباحثون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء زيارات منتظمة إلى جميع المنشآت النووية الإيرانية، ويجوز للمفتشين أيضا الوصول إلى المنشآت العسكرية، في حال الاشتباه في نشاطها.
المصدر: أ بي ثي الإسبانية