تتكاثر يومًا بعد يوم تلك الأرقام والإحصاءات التي تشير إلى نسبة القراء في تونس وعددهم، لكن جدير بنا أن نشير إلى أن مفهوم “القراءة” هو مفهوم شامل يخص كل ما يقرأ من مقالات وكتب مدرسية وغيرها، لذلك كان من الواجب الحديث عن أرقام وإحصاءات تخص المطالعة وهو مفهوم يختص بالكتاب الثقافي.
عند تصفحنا لهذه الأرقام ودرايتنا ببعض الإحصاءات، نكتشف أن المطالعة في تونس تعيش أزمة حادة، كانت تداعياتها على المشهد الثقافي في تونس وخيمة، فلئن كانت تونس تضم أكبر شبكة للمكتبات العمومية في إفريقيا بعدد يناهز الـ405 مكتبات، فإن حجم الأزمة يبدو جليًا من خلال بعض الأرقام التي صدرت عن مراكز تونسية، إذ تؤكد مثلاً الإدارة العامة للكتاب والمكتبة الوطنية في ندوة صحفية نظمتها مؤخرًا أن معدل المطالعة عند التونسيين لا يتجاوز 0.7 كتاب لكل ساكن.
كما صدرت بدورها عن اللجنة الوطنية للاستشارة عن الكتاب والمطالعة بعض الإحصاءات التي توحي بخطورة المشهد الثقافي، منها أن ربع التونسيين لم يطالعوا كتابًا واحدًا طيلة حياتهم، بل إن هؤلاء ليست لهم حتى النية أو الرغبة مستقبلاً في أن يطالعوا كتابًا، أما الأغرب من ذلك فهو عزوف الشباب في تونس عن المطالعة وحتى الطلبة والتلاميذ، فنسبة المطالعين منهم لم تتجاوز 18.04% من جملة المطالعين، هذا وقد أشارت اللجنة أيضًا إلى أن ثلاثة من أربعة تونسيين لم تطئ أقدامهم مكتبة عامة، في الآن نفسه تعتقد أن 44% من الأطفال في تونس يفتقرون إلى ثقافة المطالعة.
لا حاجة لنا في البحث إذًا عن مرتبة تونس ضمن مؤشر السعادة العالمي، فالأسباب بينة والتبعات وخيمة تتزايد أكثر يوميًا
في الحقيقة تبدو هذه الأرقام مفزعة تدعو إلى دق ناقوس الخطر بسرعة، خاصة لما يمكن أن يكون لهذه الأزمة من مخلفات خطيرة على الساحة الثقافية وعلى مستوى المجتمع بصفة عامة، كما تدعو إلى البحث في أسبابها العميقة، مع أن بعض الأسباب تبدو ظاهرة للعلن، فأغلب التونسيين يفتقرون إلى الوقت الذي يخصصونه للمطالعة، فقد أشارت اللجنة الوطنية للاستشارة بشأن الكتاب والمطالعة إلى أن 57.71% من الذين لا يطالعون يفتقرون إلى الوقت من أجل المطالعة، فوقتهم منصب بالكامل على متطلبات الحياة اليومية.
أما البقية فلقد أخذت منهم الوسائل التكنولوجية الحديثة كل وقت يمكن أن يخصص للمطالعة، هذا ولا بد أن نشير إلى أن الأزمة الاقتصادية أيضًا التي يعيشها المجتمع التونسي تساهم بدورها في استفحال أزمة المطالعة، وحتى المطالعين، فإن 44% فقط منهم ينفقون على شراء الكتب، أما من أهم أسباب الأزمة أيضًا فنذكر، عجز المناهج التعليمية في تونس على ترسيخ ثقافة المطالعة عند الشباب.
يكفي أن نشير إلى أن آلاف التونسيين ينتظمون ضمن عديد من التنظيمات الإرهابية عبر العالم، بل إن أرقامهم تتضاعف سنويًا، لنفهم حجم الأزمة التي خلفها نقص أعداد المطالعين، إذ تكون بذلك الأرضية الثقافية والاجتماعية ملائمة تطاوع انتشار الأفكار المتشددة التي تشجع على العنف والكراهية، هذا ونذكر أيضًا بارتفاع معدل الجريمة في تونس بصفة ملحوظة.
يقول الفيلسوف الفرنسي سيمون دي بوفوار: “كلما كان هناك كتب في حياتي، كانت سعادتي مضمونة”.
لا حاجة لنا في البحث إذًا عن مرتبة تونس ضمن مؤشر السعادة العالمي، فالأسباب بينة والتبعات وخيمة تتزايد أكثر يوميًا، إلا إذا تحملت كل الأطراف مسؤولياتها تجاه الحد من فداحة الأزمة.