تتميز العلاقات العراقية التركية منذ نشاتها وإقامة علاقات دبلوماسية بينهما بعلاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بل الأكثر من ذلك كانت تسودها أطر التعاون والمعالجة المشتركة لبعض القضايا التي تهم البلدين وتهيئة مستلزمات التغلب على تلك المشاكل والمعوقات.
ربما كانت أكثر الاهتمامات المشتركة وكان للموقف الموحد للبلدين أبلغ الأثر في التغلب عليها هي قضية حزب العمال الكردستاني التي أصبحت قضية مشتركة منذ عام 1982 عندما عقدت تلك المنظمة مؤتمرًا في لبنان وقررت خلاله التمركز في شمال العراق بسبب الضغوطات الهائلة التي حدت تمامًا من قدرتها على العمل داخل الأراضي التركية أو باقي المناطق الأخرى مستغلة الفراغ الأمني والضعف في سيطرة الحكومة المركزية على شمال العراق بسبب الحرب العراقية الإيرانية.
حيث بدأ التموضع في معسكر لولان الواقع داخل الأراضي العراقية والقريب من المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وإيران، وبهذا التموضع أصبحت قضية حزب العمال الكردستاني قضية مشتركة بين البلدين، هذه التطورات أثارت قلق تركيا، ودفعتها إلى توقيع اتفاقية مع الرئيس العراقي آنذاك صدّام حسين عام 1983، بهدف تحقيق الأمن على الحدود بين البلدين، وهي الاتفاقية التي سمحت لها بالدخول 10 كيلومترات ضمن الأراضي العراقية.
ازدادت المخاوف التركية وكذلك الهواجس العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بسبب ضعف السيطرة المركزية على تلك المناطق الحدودية وهي الخاضعة لإدارة إقليم الشمال
للدولتين حدود برية مشتركة تمتد على مسافة 384 كيلومترًا وأكثر تلك المناطق الحدودية وعرة وقسم منها لا يمكن الوصول إليها لعدم وجود طرق برية صالحة للتنقل لغرض الوصول إليها والسيطرة عليها مما يسبب عائقًا حقيقيًا لبسط الأمن والنظام في تلك المناطق الحدودية.
ازدادت المخاوف التركية وكذلك الهواجس العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بسبب ضعف السيطرة المركزية على تلك المناطق الحدودية وهي الخاضعة لإدارة إقليم الشمال (منطقة الحكم الذاتي) التي تدار عسكريًا وأمنيًا من قوات البيشمركة الكردية ذات القابلية المحدودة في التصدي لتلك المخاطر باعتبارها أرضًا خصبة لتنفيذ أجندات انفصالية قد تسعى إليها أطراف بدعم خارجي.
إن الاهتمام المشترك التركي العراقي هو الحيلولة دون تنفيذ مخططات التقسيم تلك التي ربما تتبعها تقسيمات أخرى لتنهي كيان دولة العراق في المستقبل الذي يؤدي بدوره إلى وضع المنطقة بأسرها تحت آتون حرب إقليمية تسعى فيها الأطراف لتجنب انعكاساتها على أقل تقدير.
ومن هنا وكما تصرفت تركيا مع نظام حافظ الأسد الذي أوى قيادات حزب العمال الكردستاني وكذلك مقاتليه لم يفكر أوجلان أبدًا في يوم ما مغادرة سوريا، وإعداد حقائبه خلال بضع ساعات، بعد ثلاثة عشر عامًا من الضيافة المشبوهة.
لكن مع بداية لأكتوبر/تشرين الأول 1998، بدأ الجيش التركي بشكل غير متوقع بحشد قوات على الحدود مع سورية، وذلك لفرض ضغط كبير على دمشق، بل ذهب الجنرالات الأتراك إلى التهديد بسخرية فظيعة: ذاهبون لشرب الشاي في دمشق، وكما أسلفنا فإن تركيا وحفاظًا على أمنها القومي لن تتوانى في إجراء أي عملية أو بادرة تقضي على كل الآمال والتحركات المشبوهة من إقامة كيان انفصالي سيؤثر بصورة مباشرة على أمنها ووحدة أراضيها.
تركزت ضربات الجيش التركي ضد مخيمات ومقارات البي بي كاكا التدريبية واللوجستية الموجودة في شمال العراق مثل جبل قنديل وقرية قورتاك وقرية زرجيل وغيرها من المناطق التي تتمركز بها البي كا كا وتنطلق منها لمحاربة تركيا
إن تركيا وحفاظًا على أمنها القومي وإدراكا منها بأن وجود دولة عراقية موحدة قوية ومزدهرة هي أفضل الحصانات التي تؤدي إلى تهميش الخطر الانفصالي القادم من وراء الحدود، ولذا كان السعي الدائم للحكومة التركية في تقوية علاقاتها مع الحكومة العراقية الموحدة والقوية هي إحدى إستراتيجيات أنقرة على الدوام مما يثبت إخلاص أنقرة في دعم الحكومة المركزية والسعي إلى تطورها وبسط نفوذها في كل الأراضي العراقية أمنيًا وعسكريًا وسياسيًا.
إن الإرهاب الذي عانى منه العراق وتركيا كداعش أو بي كي كي أو غيرها من المنظمات الإرهابية، تحول إلى خلق فوضى تزعزع الاستقرار والأمن السلمي في البلدين والمنطقة عمومًا وحتمًا لا تتوانى هذه المنظمات المدفوعة في التنسيق بينها في تكتيف عملياتها الإرهابية وكما حصل في قيام داعش وحزب العمال الكردستاني “بي كا كا” بمهاجمة ثكنات الجيش التركي لم تتردد تركيا في الرد، إذ على الفور قامت في يوليو 2015 بالتحرك العسكري الفوري لاستهداف مخيمات ومقرات داعش وبي كا كا المتمركزة في سوريا والعراق.
وتركزت ضربات الجيش التركي ضد مخيمات ومقارات البي بي كا التدريبية واللوجستية الموجودة في شمال العراق مثل جبل قنديل وقرية قورتاك وقرية زرجيل وغيرها العديد من المناطق التي تتمركز بها البي كا كا وتنطلق منها لمحاربة تركيا، وهذه المناطق كما أسلفنا هي خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية في العراق.
الجدير بالذكر أن المنظمة الإرهابية البي كي كي زادت من عملياتها الإرهابية ضد الأراضي العراقية والتركية بالتزامن مع الهجوم الذي شنه إرهابيو داعش مما يؤشر بدلالة واضحة على عدم وجود اختلاف في شكل وشأن تلك المنظمات سوى في تسمياتها.