في خضم الصراع السوري المستمر، تسعى الأطراف الفاعلة المسيطرة على الأرض منذ سنوات إلى فرض هويتها اللغوية على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ويبرز هذا السعي لتثبيت الهوية الثقافية بشكل واضح من خلال الجهود المبذولة لتعليم اللغة الخاصة بكل طرف.
عمدت هذه الأطراف إلى إنشاء مناهج دراسية وبرامج تعليمية تعتمد على لغتها، في محاولة لتشكيل هوية محلية تتوافق مع مصالحها وأهدافها. ما يعكس الرغبة في تعزيز النفوذ الثقافي والسياسي لكل طرف على الجغرافيا السورية.
من فرض اللغة الروسية والفارسية في مناطق سيطرة نظام الأسد إلى تعليم اللغة التركية في مناطق سيطرة الفصائل المدعومة من أنقرة في شمال غرب سوريا، وصولاً إلى إدراج اللغة الكردية في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
هذه التحركات ليست مجرد محاولات لتعليم اللغة، بل تعكس حالة “تبشير لغوي” تستهدف المجتمع المحلي ويستميله إلى ثقافة وطابع تلك الأطراف، بعيدًا عن هوية السوريين المتجذّرة فيهم، خاصة وأن اللغة الإنكليزية والفرنسية كانتا قبل 2011 اللغتين الأساسيتين في مدارس وجامعات سوريا.
الغلبة للروس
يظهر السباق المحموم في مناطق النظام جليًا بين روسيا وإيران على فرض لغتَيهما بالأدوات الناعمة، فروسيا نجحت في التسلل إلى قطاع التعليم الحكومي عبر انتزاع قرار من وزارة التربية في حكومة الأسد، يقرّ بتدريس اللغة الروسية ضمن المناهج التعليمية لطلاب المدارس ابتداء من العام 2014، أي قبيل تدخلها العسكري المباشر بعام واحد، لتصبح بذلك لغة أجنبية ثانية إلى جانب الإنجليزية، وبديلًا اختياريًا عن الفرنسية ذات التاريخ العريق في المدارس السورية.
كما تم افتتاح قسم للغة الروسية وآدابها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، ليصبح فيما بعد أكبر الأقسام ضمن الكلية التي تضمّ 16 قسمًا مختلفًا، عدا عن افتتاح عدة مدارس خاصة كمدرسة باسل الأسد في حمص، ونذير نبعة للمتفوقين بدمشق، وأكاديمية الإبداع في السويداء، إضافة إلى افتتاح أول روضة في سوريا تعلّم اللغة الروسية للأطفال.
مشروع تعليم الروسية في سوريا أصبح اليوم يشمل 234 مدرسة، تضم أكثر من 39 ألف طالب في 12 محافظة، عدا عن تقديم أكثر من ألف منحة دراسية سنويًا لطلاب سوريين للتعليم المجاني في جامعات روسية، حسب وسائل إعلام روسي.
على الرغم من أن إيران بدأت نشاطها في اختراق الحاضنة السورية عبر اللغة الفارسية قبل سنوات من ظهور الغزو اللغوي الروسي، فإن التفوق كان لموسكو، التي حققت تقدمًا كبيرًا في مشروعها اللغوي، خاصة في الساحل السوري بين عائلات قتلى النظام.
ومع أن روسيا تُعتبر قوة احتلال، إلا أن العداء تجاه إيران، التي تسعى لنشر مشروعها الطائفي الذي يستهدف ثقافة ولغة السوريين، لا يقارن بالمخطط الروسي الذي يركز على مصالحها الاستعمارية دون محاولة تغيير عقائد المجتمع السوري. حيث تتمثل القوة الناعمة الرئيسية لإيران في تبني تشييع الطوائف الإسلامية الأخرى، وهو ما يتضح من الوثيقة الرسمية المعروفة بـ”الاستراتيجية الإيرانية العشرية (2005-2025)”.
الفارسية وسيلة للتشيع
حاولت إيران تجاوز روسيا في جهودها لنشر لغتها، مستفيدة من نفوذها الكبير في سوريا. رغم ذلك، لم ينجح نشاطها في الانتشار إلا إلى المدارس الحكومية التي أسستها أو رممتها، والتي يُقدَّر عددها بـ250 مدرسة.
في هذه المدارس، غيّرت إيران المناهج الدراسية وأدخلت الفارسية كلغة تعليمية خاصة في الرقة ودير الزور. قبل توجيه جهودها نحو اختراق التعليم الجامعي واستقطاب كوادره، ممارِسةً ضغوطًا كبيرة على دمشق لإدراج الفارسية كمنهج اختياري في التعليم السوري.
وفقًا لتصريحات وزير التعليم الإيراني، محسن حاج ميرزائي، فقد اقترحت إيران على حكومة النظام السوري إنشاء مجمّع للعلوم والتكنولوجيا في سوريا، وتقديم الفارسية كخيار ثانوي في المدارس الثانوية، بالإضافة إلى إقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران، وتنظيم دورات تدريبية في مجال التخطيط والتقييم الأكاديمي.
بينما تواصل طهران تقدمها في مشروعها التشييعي عبر اللغة الفارسية، عملت على توقيع اتفاقيات مع معظم الجامعات السورية، وبدأت في تنظيم دورات تعليمية تقدم بشكل مجاني مصحوبة بمساعدات مالية وإغاثية للمتدربين، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها مناطق النظام، ما زاد من انتشارها.
تكمن أهمية هذه الدورات في ما تغرسه من نشر لفكر الثورة الخمينية والتشيُّع، وإعادة تشكيل الفكر المجتمعي لتهيئته لقبول هذه الأفكار. بالإضافة إلى ذلك، عملت إيران على افتتاح جامعات إيرانية وحسينيات وحوزات علمية، يجعلها مراكز لتعليم اللغة الفارسية. الأهم من ذلك، قامت بإيفاد الطلاب المتشبعين بالثقافة الشيعية بنسختها الفارسية المعادية للعرب، لإعدادهم كناطقين باسم المشروع الإيراني، وإبعاد المجتمع السوري عن محوره العربي وربطه بالمحور الإيراني.
تنشط اللغة الفارسية في مراكز ومدارس مجمّع الرسول الأعظم، الذي يحوي عددًا من المدارس والثانويات والمعاهد الشرعية، منها مدرسة عين شقاق ومدرسة رأس العين ومدرسة القرداحة ومدرسة كرسانا ومدرسة سطامو وثانوية الرسول الأعظم الشرعية في محافظة اللاذقية، ثم توسّعت في ريفي إدلب وحلب بواقع 50 مدرسة أُعيد تأهيل 35 مدرسة منها.
كما يوجد قسمًا للغة الفارسية في جامعة تشرين في اللاذقية اُفتتح عام 2018، سبقته أقسام مشابهة في جامعتَي حلب والبعث بحمص، عدا عن الجامعات الخاصة كجامعة المصطفى أخطر أكاديميات التطرف الإيرانية، وكل ذلك تحت رعاية المستشارية الإيرانية بدمشق.
يشير موقع “Iranwire” إلى أن “الهيئة الاستشارية الثقافية الإيرانية” في دمشق وفروعها في باقي المدن السورية تقوم بنشاط كبير في تعليم اللغة الفارسية، حيث بلغ عدد دورات اللغة الفارسية في مقر الهيئة في دمشق 100 دورة، وفي مركز اللاذقية 52 دورة.
أما في شرق سوريا، الذي يعتبر معقل الميليشيات الإيرانية وصندوقها الأسود، تنشط إيران في عمليات التشيُّع ونشر البرامج الثقافية وتعليم الفارسية لا سيما للأطفال، إذ يقوم الجانب الإيراني بجلب مدرّسين من مدينة قُم من العرب والإيرانيين المتقنين للعربية، حتى يتم التواصل مع الطلاب بسهولة.
تعميم التركية بالشمال
لا يبدو الوضع مختلفًا في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، حيث يتقدم تعميم اللغة التركية بشكل ملحوظ في تلك المناطق القريبة من الحدود التركية التي تهيمن على قطاع التعليم من خلال طباعة المناهج وتعديلها وإجراء الامتحانات، فيما أصبحت اللغة التركية جزءًا من الخطة الدراسية بدءًا من المرحلة الابتدائية، بمعدل حصص مماثل تقريبًا لحصص اللغة العربية.
كما يرافق ذلك تهميش اللغات الأجنبية الأخرى وإهمال تعيين مدرّسين لها، بينما يتم التركيز على تعيين مدرّسين للغة التركية. علاوة على ذلك، تم تحويل نظام الشهادات الثانوية والإعدادية إلى النظام المؤتمت الذي يُعتمد في تركيا.
تسعى تركيا من خلال فرض لغتها كلغة أساسية في المدارس والجامعات إلى تحقيق عدة أهداف. فهي تهدف إلى جعل اللغة التركية متداولة بين الموظفين السوريين والمسؤولين الأتراك الذين يديرون قطاعات متعددة مثل الصحة والتعليم وخدمات البريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت اللغة التركية مفتاحًا للحصول على فرص عمل في الدوائر الأمنية والعسكرية والخدمية والمنظمات الإغاثية المرتبطة بتركيا.
وفقًا لتقرير صادر عن موقع “المجلة“، يرى البعض أن تعلم اللغة التركية يمثل فرصة إيجابية تفتح أبواب العمل أمام آلاف الشباب السوريين. فإلى جانب المشاريع الاقتصادية التي تنشئها تركيا في المدن الصناعية مثل الباب والراعي وأعزاز، توفر اللغة التركية فرص عمل في المنظمات التركية العاملة في المنطقة وقطاع التعليم. علاوة على ذلك، فرضت الإدارة التركية في مناطق شمالي سوريا على المؤسسات التابعة للحكومة السورية المؤقتة توظيف الأفراد الذين يتقنون اللغة التركية فقط، مما زاد من الإقبال على تعلم هذه اللغة.
في ثلاث مدن شمالي سوريا، هي أعزاز والباب وجرابلس، تم افتتاح مراكز ثقافية تركية تحت اسم “مركز يونس أمرة”، وهو الذراع الثقافي لتركيا. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء مركز الأناضول في عفرين، والذي يركز بشكل رئيسي على تعليم اللغة التركية وإقامة ندوات لتعريف المجتمع بالتاريخ التركي. وتهدف هذه الحملة إلى تعليم 300 ألف طفل اللغة التركية وإدماجهم في الثقافة التركية، حسب ما صرح به رئيس المعهد شرف أتيش.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل يمكن ملاحظة تتريك الكثير من المدارس والأماكن والمرافق السورية، الأمر الذي دفع نقابة المعلمين السوريين الأحرار مؤخرًا إلى إدانة ذلك التتريك، والمطالبة بإعادة الأسماء العربية كما كانت.
من جهة أخرى، أفادت صحيفة “الشرق الأوسط” في تقريرها الصادر في فبراير الفائت أن اهتمام المعاهد التركية بمنطقة ريف حلب الشمالي أثار قلق الأهالي بشأن نوايا الحكومة التركية. فقد أشار التقرير إلى أن تركيا لم تبذل جهودًا جدّية لتعليم لغتها للسوريين المقيمين على أراضيها منذ سنوات، على عكس الدول الأوروبية التي فعلت ذلك مع اللاجئين والمهاجرين الذين استقروا فيها.
كما لم يتضح بعد ما إذا كان قرار إدراج اللغة التركية كمواد أساسية في مناهج التعليم للحصول على الشهادة الثانوية من المجالس المحلية هو قرار تركي أم سوري.
مناهج مؤدلجة
شهد تعليم اللغة الكردية ازدهارًا ملحوظًا وتفوقًا بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري بعد سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المرتبط بحزب العمال الكردستاني، وإعلانه الإدارة الذاتية الكردية في عدة مناطق شمالي سوريا، بما في ذلك عفرين في نهاية يناير 2014. حيث أصدر الحزب مناهج موحدة خاصة به لجميع الطلاب في مختلف المراحل التعليمية، بما في ذلك الطلاب العرب في المدن والقرى العربية مثل محافظة دير الزور والرقة، حيث يشكل العرب الأغلبية المطلقة.
احتوت هذه المناهج المؤدلجة على ترسيخ أفكار الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وزرع أفكار الانفصال. ونتيجة لذلك، قامت الإدارة الذاتية بإغلاق المدارس الخاصة التي تعمل خارج المنهج الدراسي الرسمي الكردي، بما في ذلك المدارس التابعة للطوائف المسيحية.
في مدارس الإدارة الذاتية، يتم فرز الطلاب على أساس عرقي (عربي/كردي). حيث يتم تدريس الطلاب العرب المنهاج الذي تفرضه الإدارة الكردية باللغة العربية، ولكن بلغة ركيكة وغير علمية تفتقر إلى المعايير المعرفية. أما الطلاب الأكراد، فيتم تدريسهم المنهاج ذاته باللغة الكردية.
امتد فرض اللغة الكردية ليشمل أسماء القرى والبلدات والمدن والمعالم الأثرية الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، وذلك لتأكيد الادعاء بوجود جزء من كردستان في سوريا، وأن هذه المناطق كردية بحتة. على سبيل المثال، أُطلق اسم “روج آفا” على منطقة الجزيرة، والتي تعني “الغرب”، في إشارة إلى الغرب من كردستان. كما تم تغيير اسم رأس العين إلى “سري كانيه”، واسم تل أبيض إلى “كري سبي”، وجبل سنجار إلى “جبل شنكال”، بالإضافة إلى العديد من المدن والمواقع الأخرى.
تسعى الإدارة الذاتية الكردية إلى استنساخ تجربة إقليم كردستان العراقي، حيث فُرضت اللغة الكردية كمادة رئيسية “إلزامية” في جميع المدارس الخاصة والدولية في جميع محافظات الإقليم. وأصبح تدريسها وتعلمها واجتياز امتحان نهائي فيها شرطًا لتجاوز الطلاب لشهادتي المرحلتين المتوسطة والثانوية. وقد شمل هذا القرار أيضًا اللاجئين السوريين في الإقليم، حيث تم تغيير منهج تعليمهم من اللغة العربية إلى الكردية باللهجة السورانية، كخطوة لدمجهم في مناهج التعليم في البلاد.
مؤشر خطير
تعتقد الأطراف المتصارعة في سوريا أن المفتاح للتغلغل الثقافي في المجتمع المحلي يكمن في الهوية اللغوية، التي تُعد العنصر الأهم في تشكيل هوية أي دولة أو أمة. لذلك، تسعى تلك الأطراف بوضوح إلى نشر لغتها، باعتبارها الإطار الأساسي لثقافتها وطابعها وعرقها.
في حديثه لـ”نون بوست” يرى الباحث في مركز الحوار للدراسات الاستراتيجية ورئيس جامعة المعالي، ياسين جمول، أن جميع الدول والجهات التي تسعى لبناء قوة ناعمة تضع نشر لغتها في مقدمة أهدافها. تقوم هذه الجهات بإنشاء معاهد لتعليم اللغة وتقديم الحوافز لمن يتعلمها.
وحسب جمول فإن ذلك يعتبر أمرًا شائعًا في السلم والحرب، إلا أنه في زمن الحرب يتحول من كونه وسيلة للتبادل والتعاون الثقافي إلى نوع من الاحتلال الثقافي، خاصة عندما يكون هناك اختلال في موازين القوى ورغبة في السيطرة بدلاً من التعاون البناء.
وأضاف جمول أن جميع القوى التي تسعى لتنفيذ مشاريعها في سوريا تهدف إلى ضمان وجود طويل الأمد هناك. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية وحدها، بل يتطلب قوة ناعمة لجذب الناس إلى هذه المشاريع، بحيث يصبحون داعمين لها أو معجبين بها. وهذه الجاذبية لا تتحقق إلا من خلال اللغة.
ليست جميع الأطراف الدولية والمحلية المتصارعة في سوريا على نفس المستوى من الخطورة، فكل منها تختلف في القوة والمحتوى والتهديد. ويرى ياسين جمول أن السبب في ذلك هو أن كل طرف يمتلك قوة عسكرية تدعمه على أرض الواقع، مما يتيح له استغلالها للانتشار.
هذا الأمر يشكل مؤشرًا خطيرًا، كما يظهر في فرض اللغة الروسية كلغة تعليمية، ومحاولات إيران لفرض اللغة الفارسية قبل الثورة السورية بأسلوب ناعم، ثم بشكل أكثر جرأة ووقاحة بعد الثورة. وكذلك، يتضح الأمر فيما تفعله “قسد” في مناطق سيطرتها من محاربة اللغة العربية وإضعاف التعليم بها، وما تفعله تركيا في مناطق نفوذها.
تأثيرات مستقبلية
لا شك أن محاولات الأطراف تمكين لغاتها يؤدي إلى مخاطر كبيرة على الهوية الدينية للمجتمع السوري، لا سيما محاولات طهران التي تريد تغيير عقائد المجتمعات السورية وتحويلها إلى مذهب جديد متعصّب يتناغم مع الفكرة الخمينية، أما الإدارة الذاتية تسعى إلى سلخ المجتمع وتبنّي خلفية أيديولوجية منتمية إلى الماركسية وتعديلاتها الأوجلانية تشجّع عن العنف الثوري.
وتتجلى المخاطر في نشوء ثقافات بعيدة عن الثقافة السورية الجامعة، وانتشار عقائد غريبة تُسهم في تمزيق حالة الوطنية السورية. هذا التمزق يؤدي إلى تهتك النسيج الاجتماعي والهويّة اللغوية للسوريين، بالإضافة إلى تأثيره على التنشئة الاجتماعية. فاللغة ليست فقط وسيلة للتواصل، بل هي أيضًا وسيلة لنشر الثقافة، وخاصة عندما يُوجَّه التعليم نحو الأجيال الصغيرة التي تكون أكثر قابلية لامتصاص القيم وبناء هوية وشخصية مصطنعة مرتبطة بمذهب طائفي أو سياسي معين.
يعتبر الباحث جمول أن أخطر ما في انتشار هذه اللغات هو تقسيم حقيقي لسوريا، ثم يأتي ما يرسّخ هذه الانتشار من ثقافات ومشاريع تهدم الهوية السورية وتمزّق النسيج المجتمعي.
ويضيف أن اللغة الفارسية باتت أداة إيران الأولى للتغلغل الثقافي الأيديولوجي في سوريا وغيرها، لنشر التشيُّع السياسي الفارسي وربط أتباعها المؤمنين بها بالولي الفقيه في طهران، تحقيقًا لحلمها الموهوم فيما تسميه “نظرية أم القرى”.
أما ميليشيات “قسد”، فإنها تُسهم في نشر الفساد الأيديولوجي اليساري في المدارس من خلال مناهجها التعليمية، مستخدمة اللغة كوسيلة لنقل هذه الأفكار وإفساد العقول بها. بينما يعتبر التأثير الروسي أقل حدة من هذا الجانب، إذ يركز على المحتوى الثقافي أكثر من الأيديولوجي. ولذلك، وفقاً لما ذكره ياسين جمول، سمعنا أصواتًا تتعالى حتى في مناطق العلويين تفضل الوجود الروسي على الإيراني، وتتقبل اللغة الروسية أكثر من اللغة الفارسية.
ويستدرك جمول في ختام حديثه: “الهيمنة اللغوية تبقى خطرًا لأنها تؤسّس لوجود طويل الأمد، ففي وقت انكسار وضعف يأخذ بألباب الناس كل دخيل لأنه منتصر، ومنذ قرون حذّر ابن خلدون من تقليد المغلوب الغالب في لغته ونحلته إذا دخل الديار وغلب عليها”.