ترجمة حفصة جودة
تعد اللغات من الأشياء الديناميكية المتغيرة، فبعد مئات الأعوام أصبحت إنجليزية تشوسر (شاعر إنجليزي عاش في القرن الـ14) غريبة على قرّاء اليوم، وتعد العوامل التي تؤثر على تغير اللغات مألوفة للجميع، مثل التفاعل مع لغات أخرى: فقد أدى الغزو الروماني إلى انتشار تأثير اللاتينية في جميع أنحاء أوروبا، كذلك الاحتياجات الجديدة: فقد أدى التطور التكنولوجي إلى استحداث كلمات جديدة مثل “الإنترنت”.
تقترح دراسة جديدة وجود آلية جديدة تؤثر في تغير اللغات وهي: الجينات، فقد تحدث مجموعة من الباحثين في جامعة يالي عن جين يُسمى “DCDC2” والذي اتضح من قبل تأثيره في معالجة الأصوات في الدماغ وأنه قد يلعب دورًا في تغير اللغات عبر آلاف السنين.
يقول كيفن تانج – عالم لغوي وأحد المشاركين في البحث -: “التغير التقليدي للغات لا يحدث غالبًا بسبب الجينات الوراثية”، لكن الباحثين يهدفون إلى البحث في الأمر من خلال تركيب العديد من النظريات التي تتحدث عن هذا الجين.
في البداية؛ يوجد جين “DCDC2” في جميع الفقاريات تقريبًا وهو مرتبط بعملية معالجة الأصوات في الدماغ، وهناك نوع معين من هذا الجين يرتبط بعسر القراءة (رغم اختلاف العلماء على ذلك)، وفي إحدى الدراسات أزال العلماء الجين من الفئران؛ فوجدوا أن توقيت انطلاق وعمل الخلايا العصبية أصبح أقل دقة.
هذا النوع من الدقة العصبية ضروري لسماع الأصوات الساكنة
لقد اتضح أن هذا النوع من الدقة العصبية ضروري لسماع الأصوات الساكنة، فالحروف المتحركة طويلة الصوت أما الساكنة فهي عبارة عن أصوات متقطعة؛ لذا فالدقة في توقيتها مفتاح فهمها وسماعه، بالإضافة إلى ذلك، فصلت دراسات سابقة جزءًا من جين “DCDC2” ويسمى “READ1” واتضح أنه يؤثر في معالجة اللغات لدى البشر.
في كل مرة تتكاثر فيها خلية في الجسم فإنها تنسخ حمضها النووي للخلية الجديدة، وقد تحدث الأخطاء في بعض الأحيان وعندما لا تسبب ضررًا على وظائف الجسم فينتهي الأمر بانتقالها من خلية لأخرى ومن الأب للابن، وعندما ينتشر تنوع لجين معين بين الأنواع فإنه يُسمى “alleles” (البديل)، مثال على ذلك فصيلة الدم: يحصل الشخص على فصيلة دم واحدة من والديه، فإذا كانت فصيلة دمه AB فهذا يعني أنك حصلت على بديل A وبديل B، أما إذا كانت فصيلة دمك A فهذا يعني أن البديلين اللذان حصلت عليهما A.
بالنسبة لجين “DCDC2” فإنه يظهر في عدة بدائل: اثنان منهما يحتويان على جزء من الشفرة الوراثية يُسمى “READ1” وهناك بديل آخر لا يحتوي على هذا الجزء، أما طريقة توزيع هذا التنوع الجيني جغرافيًا بين البشر فقد مكنت الباحثون من اكتشاف حقيقة أخرى وهو أن البديل الذي يحتوى على “READ1” أقل شيوعًا في سكان القارة الإفريقية.
أي تأثير وراثي على لغة معينة سيكون أقل وضوحًا من العوامل الثقافية
وبالعمل في هذا البحث يحاول الباحثون اكتشاف إذا ما كانت اللغات البشرية قد أظهرت أي دليل على العلاقة بين “DCDC2” ومعالجة الحروف الساكنة، لذا حللوا 43 مجموعة بشرية مختلفة الجينات من بينهم الأيرلنديين واليابنيين واليوروبيين (مجموعة عرقية في نيجيريا) والفنلنديين، وقد وجدوا أن الجزء المتغير “READ1” في الجين “DCDC2” موجود بشكل أقوى في اللغات التي تحتوي على حروف ساكنة أكثر.
هذا يعني وجود سيطرة حقيقة للمساحات الجغرافية، وأن السكان المتجاورون الذين يملكون حروفًا ساكنة أقل، لا يظهر لديهم هذا التغير الجيني غالبًا، ولا علاقة بين هذا الجين والحروف المتحركة فلا يبدو أنها تتأثر بالجين “DCDC2”.
هذا لا يعني أن الجينات تحدد اللغات أو أن هناك مجموعة معينة من البشر يمكنهم تعلم لغات معينة فقط، لكن ما وجدته الدراسة هو وجود تأثير وراثي خفي يؤدي إلى وجود تغييرات طفيفة غير ملحوظة عبر السنين، وأن الوراثة إحدى العوامل التي تؤدي إلى تغير في اللغات مثل أن تميل اللغة نوعًا ما إلى الأصوات القصيرة أو الأصوات الطويلة.
في الواقع، أي تأثير وراثي على لغة معينة سيكون أقل وضوحًا من العوامل الثقافية التي عادة ما تكون موضوع البحث اللغوي، فتأثير الغزو الروماني كنا جليًا في عشرات اللغات ومن السهل تتبعه، لكن من الضروري أن تعمل نظريات التطور اللغوي على تحديث بحثها ليشمل الجينات الأصلية التي تتعرض للانتخاب الطبيعي.
المصدر: كوارتز