في الوقت الذي تهدد فيه قوات الاحتلال “الإسرائيلي” بتصعيد تحركاتها لمواجهة “مسيرة العودة” وإعطاء الأوامر العسكرية لقتل الفلسطينيين الثائرين على نقاط التماس الساخنة على حدود قطاع غزة دون رحمة، خرجت تصريحات صادمة من رجال السلطة تتسق مع جهود الاحتلال ودول عربية لإجهاض التحرك الشعبي.
محمود الهباش مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدينية وقاضي قضاة فلسطين أثار بتصريحاته الأخيرة التي هاجم بها “مسيرة العودة” موجة غضب فلسطينية كبيرة، حين اعتبر حراك المسيرات في غزة مقامرة بالأطفال وبالنساء، واصفًا ما يحدث بأن ليس لفلسطين فيه ناقة ولا جمل.
ولفت الهباش في خطبة الجمعة الماضية في مسجد التشريفات برام الله أن ذلك يمثل “إلقاء للتهلكة أمام جنود الاحتلال، وليس خدمة لفلسطين”، مضيفًا “القيادات في غزة (في إشارة إلى حركة حماس) تتنعم بالنعيم، ومهمتها المشاركة بالجنازات”، واصفًا إياهم بالمقامرين وأصحاب الأجندات، على حد قوله.
وانطلقت مسيرات العودة الكبرى بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض في 30 من مارس/آذار الماضي، ومن المقرر أن تستمر الفعاليات السلمية حتى الـ15 من مايو/أيار القادم حيث ذكرى “النكبة الفلسطينية”، وارتفع عدد الشهداء إلى 41 شهيدًا في حين بلغ عدد الإصابات أكثر من 5500 حالة.
أهداف مشتركة
ورغم أن تصريحات الهباش أثارت موجة غضب وانتقاد كبيرة، فإن “إسرائيل” تغنت بها من خلال منابرها الإعلامية، فأشاد المتحدث باسم رئيس الحكومة “أوفير جندلمان” بتصريحات الهباش بشأن مسيرة العودة.
جاءت تصريحات الهباش بعد ساعات قليلة فقط من تهديد جيش الاحتلال بتوسيع الهجمات داخل قطاع غزة
وقال جندلمان في تغريدة “حتى مستشار الرئيس عباس للشؤون الدينية محمود الهباش يقولها كما هي ويعترف بما نعرفه جميعًا: حماس تريد إعادة إنتاج نفسها بالدماء من خلال إرسال المواطنين إلى الحدود كي يموتوا #مسيرة_الفوضى #جمعة_الشباب_الضائع”.
وجاءت تصريحات الهباش بعد ساعات قليلة فقط من تهديد جيش الاحتلال بتوسيع الهجمات داخل قطاع غزة في حال استمرت مسيرات العودة، معلنًا تغيير سياسته تجاه المظاهرات التي تنظمها فصائل فلسطينية عند الحدود.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” نقلًا عن مسؤول عسكري في جيش الاحتلال قوله إن القصف الذي نفذه الطيران ضد مواقع لكتائب القسام قبل أيام رسالة للحركة بأن أي اقتراب للمتظاهرين على السياج الحدودي لدخول “إسرائيل” في الـ17 من مايو/أيار المقبل – التي تصادف ذكرى النكبة وأولى الجمع في شهر رمضان – سترد عليه “إسرائيل” عبر قصف وتفجير أهداف تابعة لحماس في عمق غزة.
وكشف قيادي في حركة “فتح” أن تصريحات الهباش بشأن مسيرة العودة حظيت كذلك بإشادة كبيرة من قبل الرئيس عباس، مؤكدًا وجود أوامر عليا من القيادة الفلسطينية لوسائل الإعلام المحلية ومسئولي السلطة وحركة “فتح” بعدم تضخيم الأحداث الحاليّة على حدود القطاع ومحاولة تحجيمها.
وذكر أن توجهات عباس الأخيرة بخصوص مسيرات العودة والتحرك الشعبي على حدود القطاع تأتي كذلك استجابة لجهود تقودها دول عربية للضغط على حركة “حماس” لإيقاف مسيرة العودة.
القيادي في حركة “حماس” سامي أبو زهري رد على تصريحات الهباش وقال “تصريحات الهباش ضد مسيرة غزة وأطفالها الأبطال تفضح حقيقة موقف السلطة الفلسطينية الرافض لأي مقاومة سلمية أو غير سلمية”
وقبل أسابيع تم الكشف عن وجود ضغوطات عربية تقودها السعودية والقاهرة لإيقاف مسيرات العودة، وهناك تخوفات أن ينتقل الغضب الفلسطيني نحو الحدود المصرية في الأسابيع القليلة المقبلة، ويضع القاهرة في موقف محرج محليًا وعربيًا ودوليًا”.
وأشارت المصادر إلى أن مصر تتحرك بالتعاون مع الرياض من أجل إقناع حركة “حماس” والضغط عليها لإيقاف التحرك الشعبي، ومحاولة السيطرة على الأوضاع الميدانية قبل أن تشهد تطورًا خطيرًا يصعب حينها التعامل معه، وتكون قد خرجت عن السيطرة الكاملة.
الكلمة الأخيرة
القيادي في حركة “حماس” سامي أبو زهري رد على تصريحات الهباش وقال “تصريحات الهباش ضد مسيرة غزة وأطفالها الأبطال تفضح حقيقة موقف السلطة الفلسطينية الرافض لأي مقاومة سلمية أو غير سلمية”. وأضاف أبو زهري في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر” “على هؤلاء أن يعلموا أن غزة لن تعيش تحت بساطير الاحتلال كما يعيش الآخرون” وفق تعبيره.
في حين أكد القيادي الآخر في حركة “حماس” بالضفة الغربية المحتلة فتحي القرعاوي أن التحرك الشعبي على حدود القطاع الذي يرافقه تصعيد إعلامي وهجوم مركز ومستمر من قبل قيادات السلطة و”فتح” لن ينجح في تحقيق هدفه.
لفت القرعاوي إلى أن الشعب الثائر في قطاع غزة ستكون دائمًا له كلمته الأخيرة في المواجهة والتصعيد مع الاحتلال “الإسرائيلي”
وأضاف “شرارة المواجهات لن تُطفئ بتصريحات من قيادات فلسطينية أو تهديدات “إسرائيلية” أو حتى تحركات وإغراءات تقدمها الدول العربية، وذلك كله سيفشل أمام صمود وتحدي شعب غزة الذي أثبت للعالم أجمع أنه يملك المقاومة والإرادة التي فضحت الاحتلال وعرت كل من يشاركه في الحصار”.
ولفت القرعاوي إلى أن الشعب الثائر في قطاع غزة ستكون دائمًا له كلمته الأخيرة في المواجهة والتصعيد مع الاحتلال “الإسرائيلي”، مشددًا على أن هذا الحراك لن يوقف إلا بتحقيق مطالبه كافة مهما كان حجم الضغوطات والابتزازات والتهديدات من قبل السلطة والدول العربية و”إسرائيل” اللذين اجتمعوا معًا لتحقيق هدف واحد وهو قتل الحراك الشعبي.