تأسَّست الدولة على يد سلالة السَّلاجقة، وهي سلالة تركيَّة تنحدر من قبيلة قنق التي تنتمي بدورها إلى مجموعة أتراك الأوغوز، وقد حكموا إيران وأفغانستان كاملتين، إضافةً إلى وسط آسيا وصولًا إلى كاشغر أو تركستان في الشرق، فضلًا عن العراق والشام وغرب الأناضول امتدادًا إلى مشارف القسطنطينية.
أما في حديثنا عن المطبخ السلجوقيّ؛ فلا بدّ بدايةً من فهم طبيعة الحياة اليومية التي نشأت عليها الدولة منذ بداية إنشائها إلى سقوطها، فكلّ ما يتعلّق بحضارةٍ أو مدنيةٍ ما من ثقافةٍ وفنٍ ومأكولات ومخلّفات علمية فقد اعتمد تمامًا على نمط الحياة في الدولة وتطوّره عبر السنين.
كان السلاجقة في البداية قبائل تعيش في وسط آسيا، وبعد قيامهم بالتمدد والانتقال نحو غربها، بدأ الطابع البدويّ يظهر بوصفه سمةً أساسية من سمات الحياة السلجوقية، باستثناء بعض القرى والبلدات البسيطة التي عاشوا فيها عيشةً مستقرة. وبما أنّ الطابع البدويّ هو ما غلب عليهم؛ فقد انعكس الأمر على طعامهم وولائمهم ومطابخهم، فأكلوا لحوم الإبل والأغنام والماعز وشربوا ألبانها بحكم البيئة الرعوية التي نشؤوا فيها لسنين عديدة.
اعتمد السلاجقة على اللحوم بأنواعها المختلفة من إبل وماعز وغنم ولحوم الطير، مشوية كانت أو مطبوخة، فعرفوا الكباب واليخنة وأنواع الحساء المنوعة، وأضافوا للحومهم حبّ الرمّان ودبسه ومعصور التفاح والتوت
كما أثّر نمط الحياة الحربيّ الذي بُني على الترحال من مكانٍ لآخر والتنقل بين معكسرات الجنود المختلفة، على طبيعة طهي الطعام في الدولة؛ فاهتموا بسلق الطعام في الماء ثمّ أكله؛ وذلك لعدم توافر أدوات الطهي والمطابخ من جهة، وغياب الوقت اللازم لتحضيره من جهة أخرى لانغماسهم بالحروب والغزوات، فكان أكثر طعامهم من اللحوم والخضروات المسلوقة.
أما نقطة التحول في المطبخ السلجوقي فقد كانت بعد استقرارهم في المشرق الإسلاميّ وأصبحوا حكّام أكبر دوله، إلى جانب احتكاكهم بالسكان فيه وإقامتهم في المدن المختلفة. وهذا غيّر كليًا أسلوب حياتهم حيث تركوا عمل الحقول والزراعة وانتقلوا إلى الحياة المدنية، إذ أخذ الطابع الرعويّ أو البدويّ يختفي شيئًا فشيئًا ليحلّ مكانه طابعًا مدنيًّا متحضّرًا انعكس على كافة النواحي لا سيّما الطعام، فأسرفوا في إعداده وتفنّنوا في تزيينه وتطويره والإضافة عليه وبدأوا بالاستلهام ممن يحتكون فيهم.
إضافةً للحوم المتنوعة، فقد كانت المكونات اﻷساسية في الطعام السلجوقي هي البرغل وبعض أنواع الخضراوات والبقوليات التي كانت متوفرة في ذاك الزمان. ومن المعروف عن طعامهم في بدايته افتقاره للبهارات والنكهات المختلفة، بل اعتمدوا على تنكيه لحوم الحيوانات عبر تغذية مواشيهم بأنواع معيّنة من العشب. كما أنّ الزيوت الصناعية لم تكن رائجة آنذاك، وبالتالي فلم يستعملوا إلا دهون الحيوانات الطبيعية في مأكولاتهم، أما بعد استقرارهم فقد بدأ الأمر بالتغير.
وبالتالي، فقد اعتمد السلاجقة على اللحوم بأنواعها المختلفة من إبل وماعز وغنم ولحوم الطير، مشوية كانت أو مطبوخة، فعرفوا الكباب واليخنة وأنواع الحساء المنوعة، وأضافوا للحومهم حبّ الرمّان ودبسه ومعصور التفاح والتوت، وعرفوا الكزبرة والمستكة والقرفة والخلّ والزعفران. كما استخدموا زيت السمسم أو ما يُعرف بالسيرج في طعامهم.
اليخنة Yahni
يرجع أصل الكلمة إلى اللغة الفارسية، وتعني “اللحم المطبوخ بالصلصة الحمراء”، وقد أضاف إليها السلاجقة الخضروات المتنوعة مثل البطاطا والسبانخ والبصل والثوم وغيرها المزيد. وما يزال المطبخ التركي إلى يومنا هذا يعتمد اعتمادًا كبيرًا على اليخنة أو اليخاني إن صحّ جمعها.
خبز الجيرده Girde
قد لا يكون هذا النوع من الخبز مشهورًا كثيرًا في المدن التركية، إلا أنّ بعض قرى وبلدات الأناضول الصغيرة ما زالت تحافظ على خبزه بشكلٍ يوميّ منذ عهد السلاجقة، وما يزال منتشرًا في جنوب ووسط آسيا، أي في المناطق التي مرّ فيها السلاجقة وحكموها. ويُعرف هذا النوع من الخبز بوصفه الخيار الشعبي لوجبة الإفطار، يقدّم عادةً مع القهوة أو الشاي. وقد يألف الكثيرون من سكان إسطنبول هذا النوع من الخبز لاختصاص المخابز والمحلات ببيعه في شهر رمضان حصرًا على باقي الشهور.
خبز التنّور tandır ekmeği
عرف السلاجقة التنّور وخبزوا فيه خبزهم، وفي قرى وبلدات الأناضول يوجد تقريبًا واحدٌ منها في كلّ بيت لطهي الطعام وإعداد الخبز المميز فيه. ولا يزال هذا النوع من الخبز معروفًا بشهرةٍ واسعة في دول آسيا الوسطى إضافةً لتركيا مثل طاجكستان وكازخستان وأذربيجان، كما هو الحال في بلاد الشام والعراق بكلّ تأكيد.
وكان السلاجقة كغيرهم يختمون طعامهم بأنواع من الحلوى التي اعتمدت بشكلٍ أساسيٍّ على السكّر والمنّ والسلوى والفواكه المجففة وأنواع المربّى العديدة، فقد جففوا التين والمشمش والخوخ والعنب وغيرها من أنواع الفواكه وصنعوا منها الدبس والمربّى وأضافوها لحلوياتهم ما زاد من حلاوتها ولذتها.
زردة Zerde
يُعتبر من أشهر الحلويات السلجوقية وما يزال معروفًا حتى يومنا هذا في معظم الدول التركية والإيرانية والآسيوية، عوضًا عن بلاد الشام لا سيّما حلب. وهو عبارة عن أرز المطهوّ بطريقة تجعله طريًّا للغاية قبل أن يُخلط بالنشا، ثمّ يُضاف إليه الزرد الفارسيّ والزعفران، ما يعطيه لونه الأصفر وطعمه المميز، وماء الورد الذي يعطي الرائحة الزكية للحلوى. ثمّ يزيّن بالنهاية باللوز وأنواع المكسرات الأخرى أو الفواكه المجففة.
الحلاوة Halavat
اشتهرت الحلاوة بأنواعها المنوعة في الدولة السلجوقية، خاصة تلك المصنوعة من الطحين فيما تُعرف باللغة التركية باسم “حلاوة الطحين” أو ” Un helvası” أو حلاوة السميد المعروفة باسم ” İrmik helvası” والتي تستطيع إيجادها في معظم مطاعم إسطنبول، ويفضَلها الأتراك في فصل الشتاء نظرًا لأنها تؤكل ساخنة ولاحتوائها على السعرات الحرارية التي تُعطي الجسم الدفء.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنّ حلاوة السميد هذه تُعرف في مدينة كلّس التركية باسم “مامونية” أو ” me’muniye” وهو الاسم نفسه الذي يستخدمه الشاميّون، خاصة أهل حلب، على الطبق نفسه.