لا يتوقف ولي العهد محمد بن سلمان منذ ظهوره في المشهد السعودي عن إثارة الجدل بشأن العلاقات بين تل أبيب والرياض لتمرير ما يوصف إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، ففي واقعة تعكس مستوى التطبيع الذي وصلت إليه المملكة السعودية في عهد الأمير الشاب، كشفت قناة تليفزيونية إسرائيلية مفاجأة صادمة بسردها تفاصيل اللقاء الذي جرى بين ولي العهد ورؤساء المنظمات اليهودية خلال زيارته الشهر الماضي للولايات المتحدة، مما قد يشير إلى اقتراب ساعة الصفر لتنفيذ الصفقة المشبوهة.
خطوة جديدة في طريق صفقة القرن
تواترت في الأشهر الأخيرة تقارير عن دعم سعودي لـ”صفقة القرن” تعكس مساعي ابن سلمان الحثيثة لتقريب المسافات بين “إسرائيل” والسعودية، التي يستهدف الأمير الشاب من خلالها إرضاء الإسرائييلن والأمريكيين، بغية الحصول على إذن وموافقة باعتلاء عرش السعودية خلفًا لأبيه.
ولعل آخر ما أثار الجدل في هذا الشأن هو ما كشفته القناة 14 الإسرائيلية بشأن هجوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان غير المسبوق على الشعب الفلسطيني، مشككًا بجدوى نضاله، ذاهبًا حد القول إن على الفلسطينيين القبول بما يعرض عليهم والتزام الصمت.
وكشفت القناة الإسرائيليّة النقاب عن تفاصيل اللقاء الذي جمع ابن سلمان مع الزعماء اليهود، لدرجة أنه قد يُخيل للمرء أن من يتحدث هو دافيد بن غوريون أو خلفه بنيامين نتنياهو، ولكنه ولي عهد دولة عربية اختارت الارتماء في حضن “إسرائيل”، ودفع ثمن تذللها وارتهانها ومتاجرتها بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني.
صرح ابن سلمان بما هو معروف منذ زمن بأن القضية الفلسطينية ليست قضية ذات أولوية بالنسبة لدولته
وبحسب المعلومات المسربة من الاجتماع، طالب ابن سلمان الفلسطينيين بقبول ما يُعرض عليهم من تسويات، فيما تستعد واشنطن لتقديم خطة تندرج ضمن ما يطلق عليها “صفقة القرن”، كما وجّه ابن سلمان خلال اللقاء انتقادات لاذعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، متهمًا إياه بـ”تفويت الفرص في تحقيق عملية السلام”.
وذكرت القناة أن ابن سلمان قال خلال اللقاء الذي عُقد في 27 من مارس/آذار الماضي إن القيادة الفلسطينية فوتت العديد من الفرص خلال العقود الأربع الماضية، ورفضت كل المقترحات التي قُدمت لها، مضيفًا “على الفلسطينيين القبول بالعروض المقدمة لهم والعودة إلى طاولة المفاوضات، أو فليصمتوا ويتوقّفوا عن التذمّر”.
وصرح ابن سلمان بما هو معروف منذ زمن بأن القضية الفلسطينية ليست قضية ذات أولوية بالنسبة لدولته، ولكنه تجرأ وزعم أن هذا الرأي العام السعودي أيضًا، مضيفًا أن هناك قضايا أكثر أهمية للتعامل معها مثل إيران.
وأشارت صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن ابن سلمان أكد ضرورة الوصول إلى تسوية واتفاق إسرائيلي فلسطيني قبل تعزيز التطبيع بين المملكة العربية السعودية وبقية العالم العربي من ناحية، و”إسرائيل” من ناحية أخرى.
من جهته، أورد موقع “إكسيوس” الإخباري الأمريكي مضمون التسريبات استنادًا إلى مصادر إسرائيلية وأمريكية اطلعت على ما دار في اللقاء الذي عقد في إطار زيارة مطولة لولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، فيما أكد الصحفي الذي سرب التصريحات هذه التفاصيل وصلت في برقية سرية أرسلها دبلوماسي في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك إلى وزارة الخارجية في تل أبيب، ولخصت كلمات ولي العهد السعودي”.
كما لفت ماكين مورا أحد الحاضرين في الاجتماع إلى أن “زعماء اليهود الذين كانوا موجودين في الغرفة فوجئوا تمامًا بتصريحات ابن سلمان، وصُدموا من الانتقادات اللاذعة التي وجهها للفلسطينيين، وكأنهم يسمعون انتقادات إسرائيلية أو أمريكية للفلسطينيين.
“صفقة القرن” على سكة التنفيذ
تعليقًا على التسريبات، أكدت القناة العبرية أن “مواقف ولي العهد السعودي من القضية الفلسطينية، واحد من الأسباب الرئيسية للتوتر بين القيادة الفلسطينية والسعودية”، كاشفةً أن عباس “في الأشهر الأخيرة، كان يحاول أيضًا تجاوز ولي العهد والتحدث مباشرة مع الملك سلمان الذي ينسب إليه مواقف أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين“.
كما أبرزت تصريحات ولي العهد السعودي في الاجتماع الفجوة بينه وبين الملك سلمان بن عبد العزيز”، وفق القناة العبرية التي اعتبرت أن “الملك سلمان يمثل الخط السعودي الأكثر تحفظًا وتقليديًا في القضية الفلسطينية“.
يأتي كشف تصريحات الأمير الشاب بالتزامن مع الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو إلى “إسرائيل”
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة النجاح عبد الستار قاسم إنه من الواضح أن هناك تسارعًا في العلاقات السعودية الإسرائيلية، واعتبر ذلك مقدمات واضحة ليكون هناك اعتراف سعودي بـ”إسرائيل” وتبادل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، مضيفًا أن السعودية تنفض يدها من المقدسات الإسلامية والقضية الفلسطينية.
ويأتي كشف تصريحات الأمير الشاب بالتزامن مع الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو إلى “إسرائيل”، وخلال زيارته عبّر بومبيو عن فخره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في 14 من مايو/أيار، وهو اليوم الذي تحتفل فيه “إسرائيل” بذكرى تأسيسها الـ70، مشيرًا إلى أن الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل” هو “اعتراف بالواقع”.
كما أعلن ترامب في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه قد يحضر افتتاح السفارة الأمريكية التي قرر نقلها من تل أبيب إلى القدس، وقال: “ربما أذهب، أنا فخور جدًا بهذا، القدس كانت موضوعًا للوعود منذ سنوات طويلة كما تعلمون، الكثير من الرؤساء وعدوا بنقل سفارتنا الى القدس، قدموا وعودًا انتخابية كثيرة لكنهم لم يملكوا الشجاعة لنقلها، أنا فعلتها”.
ولي العهد في حضن “إسرائيل”
تصريحات ابن سلمان للزعماء اليهود لم تكن الأولى من نوعها، ولنبدأ بآخر التقارير التي كشفت العلاقة الحميمة بين “إسرائيل” والسعودية في عهد بن سلمان، إذ كشف المنتج الإسرائيلي – الأمريكي حاييم سبان تفاصيل لقاء خاص جمعه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة الأخير للولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقًا لما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، ذكر سبان – أكبر الداعمين للاقتصاد والجيش الإسرائيلي – أن ولي العهد السعودي يرى أنه قد حان الوقت لفصل جديد في العلاقات بين البلدين، وأفصح لهم عن عزمه لتغيير صورة الإسلام والسعودية ويحلم بطبعة جديدة لـ”لورانس العرب”.
في تصريحات مماثلة خلال مقابلة مطولة مع الصحفي الأمريكي اليهودي جفري جولدبرج، في مجلة “ذي أتلانتيك”، اعترف ولي العهد لأول مرة بحق اليهود في وطن قومي في “إسرائيل”
وكتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هوليوود تشهد قصة حب جديدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،الذي فتح الباب للسينما بعد 38 عامًا من حظرها في المملكة، معتبرة أن قرار التصادم مع المؤسسة الدينية المحافظة المعارضة للسينما لم يأت من فراغ.
ونقلت الصحيفة عن آدم أرون مدير عام الشركة الأمريكية الإسرائيلية التي فازت برخصة تشغيل عشرات دور السينما في السعودية، إن اختيار “الفهد الأسود” أول فيلم يعرض في المملكة ليس صدفة، ذلك أن الفيلم يتحدث عن أمير شاب يقوم بتغييرات ثورية في بلاده، وهذا “مألوف للأذن” في السعودية.
وخلال زيارته أيضًا، ناقش ولي العهد وغاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره، في نهاية مارس/آذار الماضي، خطة السلام في الشرق الأوسط ومستقبل الصراع بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، واستحوذت “صفقة القرن” على جزء كبير من اللقاء الأول الذي جاء بعد إعلان ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال في ديسمبر الماضي.
وسبق أن احتفت الصحف الإسرائيلية أيضًا مطلع الشهر الحاليّ، بتصريحات مماثلة لولي العهد السعودي خلال مقابلة مطولة مع الصحفي الأمريكي اليهودي جفري جولدبرج، في مجلة “ذي أتلانتيك”، اعترف فيها لأول مرة بحق اليهود في وطن قومي في “إسرائيل”.
هل اقتربت ساعة الصفر؟
قبل التطبيع المعلن، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، في مارس الماضي، أن محمد بن سلمان التقى سرًا رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات، في إطار التمهيد للتطبيع الكامل بين “إسرائيل” والسعودية، ولم يوضح الجنرال الإسرائيلي، مكان وزمان اللقاء.
وفي السياق ذاته أكد مسؤول في السلطة الفلسطينية، في وقت سابق، أن مسؤولين سعوديين وإسرائيليين عقدوا عددًا من الاجتماعات في القاهرة بوساطة مصرية، مضيفًا أن “دفء العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” أضر بالسلطة الفلسطينية، ويبدو أن “إسرائيل” لم تعد أكبر عدو للمنطقة بعد الآن”.
كشفت تقارير صحفية أن ابن سلمان يقود الجهود المصرية لممارسة ضعوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن للقبول بـ”صفقة القرن”
واستمرارًا للتمهيد لإقامة علاقات إسرائيلية سعودية على أعلى مستوى، سمحت المملكة العربية السعودية، لشركة طيران الهند “إير إنديا” بالطيران فوق أراضيها عبر مسارات جديدة من وإلى تل أبيب، في مارس الماضي، وذلك لأول مرة في تاريخ البلدين، بحسب ما أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولم تتوقف جهود بن سلمان في تقريب المسافات بين “إسرائيل” والسعودية عند حد بلاده، لكنه بات يقدم قربانًا تثبت ولاءه لإسرائيل أكثر من أي شخص آخر، حيث كشفت تقارير صحفية أن ابن سلمان يقود الجهود المصرية لممارسة ضعوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن للقبول بـ”صفقة القرن”.
تصريحات ابن سلمان التى كُشفت مؤخرًا إلى جانب تصريحات ومواقف أخرى في هذا الشأن تكشف بصورة أو بأخرى أن “ساعة الصفر” قد اقتربت لحسم الجدل بشأن الاعتراف الضمني بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية وإعطاء العلاقات بين الرياض وتل أبيب الشكل الرسمي الدبلوماسي الذي قد يصل إلى افتتاح سفارة سعودية في “إسرائيل” قريبًا، أو فتح سفارة إسرائيلة في بلاد الحرمين قريبًا.