تحتضن العاصمة التونسية اليوم الثلاثاء جلسة حوارية جديدة لممثلين عن مختلف الأحزاب والأطراف اليمنية من بينهم الحوثيين، ورغم طابعها غير الرسمي فإن لهذه الجلسات أهمية كبرى لتقريب مواقف ووجهات النظر بين المكونات السياسية اليمنية.
إحياء جهود السلام
هذه الجلسة التي تنظمها المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بالتنسيق مع مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وبدعم من وزارة الخارجية الألمانية، تأتي في سياق محاولات تقريب وجهات النظر بشأن الخلاف في مواد الدستور، والاستماع إلى تصورات القوى السياسية لوقف الحرب وإحياء جهود السلام.
وتهدف هذه الجلسة، حسب الإعلامي اليمني بشير طاهر الضرعي إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية من خلال إثارة النقاش بشأن النقاط الخلافية في مسودة الدستور التي أُقرت سابقًا في مخرجات الحوار الوطني الشامل واندلع عقبها الصراع المسلح.
ويضيف الإعلامي اليمني في حديثه لنون بوست: “أعتقد أن أي جلسة حوار مهمة وضرورية لإنجاز حل سياسي يضمن لليمنيين وجود دولة قوية وتعايش مشترك بين مختلف الألوان السياسية، خصوصًا في ظل اشتداد المعارك على الميدان وتزايد الخسائر التي يدفع اليمنيون ثمنها الباهظ”.
تعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم اليوم
ومن المنتظر أن تستمر هذه الجلسة 3 أيام، وحسب مصادر إعلامية فإن اللقاء جزء من لقاءات عدة ضمن المسار الثاني الذي يشرف عليه مكتب المبعوث الدولي بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية اليمنية والتمهيد لحوار سياسي يعقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ويشارك في هذه الجلسة الجديدة ممثلين عن حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري وتنظيم العدالة والبناء وحزب الرشاد السلفي وجماعة أنصار الله (الحوثيين) والمجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع.
وفي اليومين الأخيرين وصل العديد من المدعوين من القيادات الحزبية والسياسية إلى تونس، بمن فيهم الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر سلطان البركاني ومستشار الرئيس اليمني والأمين العام لتنظيم العدالة والبناء عبد العزيز جباري ومستشار الرئيس والأمين العام السابق للتنظيم الناصري سلطان العتواني.
تفاؤل يمني
لم يخف اليمنيون تفاؤلهم بعودة جلسات الحوار بين الأطراف السياسية في بلادهم، خاصة أنهم سئموا الحرب التي كانت سببًا في مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف وتجويع الملايين منهم خلال السنوات الأخيرة.
وتعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم اليوم، حيث يحتاج 22.2 مليون نسمة من أصل 27.5 مليون يمني للمساعدات الإنسانية، ويعاني 17.8 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي (أي الجوع)، ويصاب 3 ملايين بسوء التغذية الحاد من بينهم نحو مليوني طفل ممن قد يلقون حتفهم إذا لم تصلهم المساعدات الضرورية، بالإضافة لتضرر نحو مليون شخص من تفشي داء الكوليرا، ويتمركز معظم السكان اليمنيين بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون شمال البلاد، وهي المناطق الأكثر عرضة لضربات التحالف الجوية.
أفرزت الأزمة اليمينة أكبر أزمة انسانية في العالم
في حديثه لـ”نون بوست” يقول علاء الدين الشلالي: “الناس متفائلون من عودة المفاوضات خصوصًا بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، واشتداد وتيرة المعارك المسلحة وتكثيف طيران التحالف غاراته الجوية التي انتهت بمقتل رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد في مدينة الحديدة الواقعة على الساحل الغربي في اليمن”.
وأمس الإثنين قال المبعوث الأممي مارتن غريفيث إنه سيبدأ جولة جديدة من المشاورات لمناقشة عناصر إطار العمل من أجل السلام في اليمن، وأوضح في تدوينة نشرها على حسابيه في موقعي “تويتر” و”فيسبوك” قائلًا: “يبدأ المبعوث الخاص جولة جديدة من المشاورات لمناقشة عناصر إطار العمل من أجل السلام في اليمن مع الأطراف كافة”.
وحث غريفيث جميع الأطراف على تأمين المناخ المناسب للعودة إلى طاولة الحوار في جو من التوافق على بناء السلام، وكان غريفيث أعلن في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء قبل الماضي، أنه سيقدم خريطة سلام خلال شهرين.
يعد هذا اللقاء ثاني حوار سياسي يعقد بين القوى والأحزاب اليمنية في تونس
وقبل نحو شهر قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لصحيفة نيويورك تايمز إن التحالف العربي بقيادة السعودية يسعى لإنهاء الحرب في اليمن عبر عملية سياسية، وعبر محاولة تقسيم مليشيا الحوثيين والضغط العسكري عليهم، وسبق أن رعت الأمم المتحدة منذ منتصف العام 2015 3 جولات مفاوضات بين الأطراف اليمنية من أجل حل الأزمة، غير أنها تعثرت في الوصول إلى حل يرضي مختلف أطراف النزاع.
لماذا تمّ اختيار تونس لعقد هذه الجلسات؟
يعود اختيار تونس لعقد هذه الجلسات حسب العديد من المتابعين لما تحظى به من مكانة على الصعيد العربي، فضلًا عن موقفها الحيادي تجاه الأزمة اليمنية وعدم وجود أي حساسية بينها وبين أي طرف يمني، وفي هذا الشأن يقول الإعلامي اليمني علاء الدين الشلالي لـ”نون بوست”: “اختيار تونس لاحتضان هذه الجلسات جاء نتيجة موقفها المحايد، فلم يكن لها أي موقف متطرف من أي طرف في الأزمة”.
احتضنت تونس في فبراير الماضي لقاءً مماثلًا بين الأطراف اليمنية
ويضيف الشلالي في تصريحه: “الجميل أن جلسات الحوار في تونس ولأول مرة منذ اندلاع الحرب ستجمع أحزاب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني وتنظيم التصحيح الناصري وحزب الرشاد السلفي وحركة أنصار الله ومؤتمر حضرموت الجامع والمجلس الانتقالي الجنوبي”، ويؤكّد هذا الأمر حسب الإعلامي اليمني أن تونس مقبولة كدولة وشعب لدى جميع أطراف النزاع في اليمن.
ومن المنتظر أن يساعد هذا الحوار في إحياء مفاوضات السلام المتعثرة في اليمن منذ قرابة عامين بين الأطراف اليمنية، من أجل حل الأزمة والوصول إلى حل يرضي مختلف أطراف النزاع.
ويعد هذا اللقاء ثاني حوار سياسي يعقد بين القوى والأحزاب اليمنية في تونس، بعد ما عقد اللقاء الأول أواخر فبراير/شباط الماضي، بهدف الوقوف أمام الأوضاع الراهنة في الساحة اليمنية، والاستماع إلى تصورات القوى السياسية لوقف الحرب وإحياء جهود السلام.