عادت جماعة الإخوان المسلمين خطوات للوراء في موقفها من المصالحة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبدلاً من الموقف المتشدد الذي كانت تتمسك به طوال الأعوام الماضية، حددت الجماعة على لسان نائب المرشد العام والقيادي التاريخي إبراهيم منير شروط ثلاث للتصالح، عبر لهجة أقرب إلى الود والتسامح والصفح عما مضى، في مقابل ما هو آت، ومستقبل يشمل الجميع.
شروط جديدة ونبرة مختلفة
في مقابلة على قناة الجزيرة، رد إبراهيم منير بنبرة ليست متعالية ولا رافضة بل مرحبة ومؤيدة، على مبادرة الدكتور كمال الهلباوي التي دعا فيها إلى مصالحة عامة بين النظام المصري ومعارضيه من كل التيارات وليس الإخوان وحدهم، عبر مجلس حكماء عربي وإسلامي، وقال منير إن الجماعة مستعدة للتفاوض مع النظام بثلاثة شروط، من بينها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي.
طلب القيادي التاريخي بالإخوان الذي يتصدى دائمًا للرد على جميع مبادرات المصالحة، الحوار مع شخص مسؤول وليس سفيرًا وهميًا للحكومة، وأن يشمل الحوار جميع الرافضين للرئيس من جميع التيارات السياسية، بما يوحي بتعلم الجماعة الدرس والعمل ضمن أطياف المعارضة، بل والدفاع عن حقوقها ومصالحها السياسية التي لا تنفصل كثيرًا عن مصالح الإخوان في الوقت الحاليّ.
حوار إبراهيم منير على الجزيرة وشروطه للمصالحة مع السيسي
نائب مرشد جماعة الإخوان، تحدث عن الكواليس وما يدور فيها لأول مرة مرة ودون مواربة، عن وجود محادثات مع النظام المصري بين عامي 2014 و2016 وهو الذي طالما أحدث جدلاً كبيرًا في السابق، عندما قدم إشارات بها تنازلات للتصالح، أثارت غضبًا كبيرًا في الصف الإخواني وتعرض لمزايدات كبرى من التنظيم الموازي المعروف بـ”المكتب العام للإخوان”، تجاوزت الحد المسموح به في الأعراف الإخوانية، لتطعن في نزاهة الرجل وصدق انتمائه للجماعة، بما كان يجعله يتنصل منها على الفور أو يلتف حولها، خوفًا من الذات الجريحة للجماعة التي لم تكن تقبل بأي شائعات حتى عن وجود اتصالات مع نظام السيسي.
ويبدو أن منير بحسه السياسي والتنظيمي، أدرك جيدًا تصاعد معاناة الإخوان، وخصوصًا أسر السجناء، بما لم يعد هناك مقدرة على احتمالها، ويدلل على ذلك بتغيّر ميول الكثيرين تجاه المحاولات التي يجريها وسطاء، لإيجاد أي طريقة للتسوية مع النظام، لإنقاذ الإخوان اجتماعيًا على الأقل، وتأمين حياة كريمة لهم، بعد سنوات من الضياع الكامل والمحاصرة داخليًا وخارجيًا.
كشف القيادي التاريخي للجماعة عما دار بين من أسماهم سفراء النظام والجماعة ممثلة في القيادي يوسف ندا المقيم في سويسرا الذي ُطلب منه العودة إلى مصر أو الالتقاء بسفيرها في سويسرا، وحدث اللقاء وتعرقلت تلك المبادرات نتيجة تمسك النظام باعتراف الإخوان أولاً بشرعية السيسي، ونسف كل الروايات الإخوانية التي صاحبت صعوده إلى سدة الحكم.
بحسب منير، لم تقتصر مساعي المصالحة على الحوار المباشر بين وسطاء الحكومة المصرية والإخوان، بل كان هناك وعلى مدى أكثر من أربع سنوات، مبادرات للحل، تبناها مفكرون مصريون وأحزاب ودبلوماسيون غريبون، لعمل تسوية سياسية، وإنهاء حالة الانقسام المجتمعي في البلاد، ولكن المحاولات باءت بالفشل.
لماذا تتنازل قيادات الإخوان الآن؟
تدرك القيادات التاريخية للإخوان أكثر من غيرها أن الظروف الإقليمية والتغيرات السياسية التي طرأت عليها بتولي محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية وسيطرته بشكل كامل على القرار السياسي للمملكة، بجانب هيمنة محمد بن زايد على مقاليد الأمور في المنطقة، وصعود نجم السيسي، بما يعني أنها لم يعد أمامها خيارات ولا حتى طريق العنف الذي سلكه ونادى به بعض المحسوبين عليها، ولم يصل بهم وبالجماعة إلا إلى مزيد من التنكيل والمحاصرة، بجانب انحصار التعاطف الدولي مع قضيتهم.
دروس التاريخ علمتنا دائمًا أن الأضعف سيكون عليه تقديم تنازلات ما أنزل الله بها من سلطان، ولو كان بالجماعة من يقرأ التاريخ ويعلمه للصف، لحرص على ذلك من البداية قبل أن تخسر الجماعة كل كروتها للوقوف على أرض شبه متساوية مع النظام
يدرك القادة أنفسهم أن التراجع الآن أفضل من الطريق المرسوم للجماعة الذي ستجبر على السير فيه بمجرد تشديد الضغوط أكثر وأكثر على الصف، لتعترف علنًا بالخطأ في تقديرها السياسي لموقفها منذ ثورة يناير، مرورًا بالترشح الخاطئ لمندوب عنها للرئاسة، بما يعني ضرورة تقديم اعتذار للمصريين عن الدماء التي أريقت في رابعة والنضهة وما بعدها.
بعد ذلك، تتولى الجماعة ذاتيًا حل التنظيم الأم في مصر والالتزام بعدم التعامل نهائيًا مع أي طرف خارجي سواء كان قريب من فكر الإخوان أم بعيد عنها، بالطريقة نفسها التي حدثت في قطر، في نهاية تسعينيات القرن الماضي، لتنصهر الجماعة في المجتمعات العربية وليس مصر وحدها، ثم يبايع قيادات الإخوان السيسي رئيسًا شرعيًا لمصر، حتى قبل أن يتم حسم قضيتهم ودون شروط أو قيد.
وهذه ليست تأويلات أو مخض خيالات، بل نص مطالب القيادات السابقين بالإخوان والمنشقين عن الجماعة، ويعلنونها ليل نهار في قنوات وصحف الإعلام المصري، ومن يتابع سير الأحداث سيعلم جيدًا أن هؤلاء الذين يرسمون بعناية للدولة المصرية الطريق الذي يجب أن تسير فيه لتصفيه التنظيم الإخواني للأبد.
عقبات في طريق إتمام المصالحة
رغم التنازلات التي تقدمها وستقدمها الجماعة مستقبلاً، في مساعيها الرامية إلى إيجاد مخرج لأزمتها، هناك عقبات عدة تقف في طريق الإخوان حاليًّا، وكلما طال الوقت تطرفت العقبات، وأهمها خطاب تجريم دعوات المصالحة الذي تتبناه الدوائر المقربة من الحكومة، سواء من التيارات المدنية المعادية بحكم التوجه الأيدلوجي لفكر الإخوان أم لواءات الأمن السابقين الذين تحولوا إلى خبراء أمنيين بعد إحالتهم للمعاش، بجانب رموز التيار السلفي الذي يعيش في صراع صفري مع الجماعة، خصوصًا في ظل التحريض الدائم عليه وتأثيمه وتجريمه بل وإخراجه من الملة بواسطة إعلام إسطنبول الموالي للإخوان.
https://www.youtube.com/watch?v=C2XyStFT4LA
شتم الشيوخ (حسان و يعقوب والحويني وغيرهم) على قنوات الإخوان رابعة ومكملين
تشدد الجماعة في السابق وتبني خطاب معادٍ لبعض المؤسسات السيادية مثل الجيش الذي يعد خطًا أحمر حتى للمعارضة المدنية التي تقف على نفس أرضية الإخوان في الخارج، يمنع أي شخصية عامة مدنية في الداخل من مجرد الاقتراب من هذا الملف، بل يسارع أغلبهم في التبرؤ من دعمه أو حتى الإقدام على التحاور مع التنظيم بأي شكل.
حازم حسني، أكثر معارضي السيسي شراسة والمتحدث باسم الفريق سامي عنان وطوق النجاة الوحيد للجماعة، حال استطاعته الترشح للرئاسة في الدورة القادمة، اعتبر تنظيم الإخوان كيانًا معاديًا للدولة ولا يمكن الوقوف معه وحصر الطريقة الوحيدة التي يمكن بها التعامل مع الإخوان في سن آلية جديدة لاستقطابهم للعمل على أرضية الدولة المصرية لا التنظيم.
https://www.youtube.com/watch?v=Hk5Tpllcng4
بتوقيت مصر/ الدكتور حازم حسني: لم نتصل بتنظيم الإخوان ولم يكن لنا نية للتحالف معه
تنحصر حاليًّا دعوات المصالحة على قيادات سابقين، في تيار الإسلام السياسي، ليس لهم أدنى تأثير على أرض الواقع بين طرفي النزاع؛ ورغم تغير قواعد السياسة من وقت لآخر، فإن المصالحة في الوقت الحاليّ وبعدما انهارت جماعة الإخوان كليًا داخل مصر، يجعل المعادلة غير متساوية بالمرة، ولا مصلحة ولا حاجة لنظام السيسي الذي ثبت أقدامه جيدًا وشكل تحالفاته الإقليمية والدولية، دون الحاجة لاعتراف من الإخوان بشرعيته، للدخول معها في تفاوض لحل أزمتها هي وليس هو.
دروس التاريخ علمتنا دائمًا أن الأضعف سيكون عليه تقديم تنازلات ما أنزل الله بها من سلطان، ولو كان بالجماعة من يقرأ التاريخ ويعلمه للصف، لحرص على ذلك من البداية قبل أن تخسر الجماعة كل أوراقها للوقوف على أرض شبه متساوية مع النظام، وكأن نفس القيادات التي تشددت ومررت التشدد لأبنائها، قرأت مؤخرًا رائعة عبد الرحمن الأبنودي “خايف أموت من غير ما أشوف تغيير الوشوش: خايف أموت وتموت معايا الفكرة، لا ينتصر كل اللى حبيته، ولا يتهزم كل اللى كنت أكره .. اتخيلوا الحسرة”!