في هذا اليوم من كل عام، تكتظ المساجد بالمصليين وتنظم الاحتفالات والابتهالات الدينية بعد الصلاة وقراءة القرآن لإحياء ليلة النصف من شعبان، وهي الليلة التي تقول بعض الرويات الإسلامية أنه تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة المكرمة، بعد أن صلى المسلمون نحو 16 شهرًا تجاه المسجد الأقصى، فضلًا عن الروايات الدينية والأحاديث التي تعزز من قيمة هذه الليلة الدينية.
ويختلف اسمها من مكان إلى آخر، مثل ليلة الدعاء والبراءة والإجابة والشفاعة والمباركة والعتق من النيران والحق، أما عند مسلمي الشيعة بالتحديد تسمى “ليلة القضاء” ولهم فيها عادات دينية خاصة، حيث يفضلون زيارة الأضرحة المباركة مثل ضريح الإمام الحسين، ويصومون طمعًا في الثواب، ويحتفلون ابتهاجًا لولادة الإمام الثاني عشر الإمام المهدي المنتظر.
مع الأزمات الأمنية والحروب في السنوات الأخيرة وتردي الأوضاع الاقتصادية، تكاد تفقد هذه الليلة رونق الاحتفالات التي كان يزينها
بالنسبة إلى سوريا، فيذهبون لمقام السيدة زينب في دمشق، أما في المغرب يزرون ضريح سيدي بو عراقية، وهذا بخالف عادات الصوفية التي يخرج أتباعها لدق الطبول والرقص على ساق واحدة.
طقوس إحياء ليلة النصف من شعبان
عادةً ما تحتفل فيها أغلبية الدول الإسلامية وتختلف تقاليد كل دولة عن الأخرى بتفاصيلٍ بسيطة، لكن مع الأزمات الأمنية والحروب في السنوات الأخيرة وتردي الأوضاع الاقتصادية، تكاد تفقد هذه الليلة رونق الاحتفالات التي كان يزينها، فعلى سبيل المثال، تستعد الجهات المسؤولة عن ضريح الحسين في كربلاء العراق لاستقبال ملايين الزوار في المنطقة، من خلال التشديد الأمني لحماية الوافدين وتقديم خدمات أخرى لهم، وهذا النوع من الخطط يشجع الناس على المشاركة في إحياء هذه الليلة.
وفي أغلب الأحيان، تكثر فيها جلسات المدائح النبوية والأناشيد الدينية والابتهالات، ويقف الناس أفواجًا لسماعها والاحتفال بقدسيتها وباقتراب شهر رمضان، إضافة إلى حبهم لقضاء هذه الليلة مع العائلة والأقارب، فتكثر الزيارات العائلية وتقدم أنواع مختلفة من الحلويات ومنها ما يوزع في الشوارع، مثل:
المشبك
حلوى من أصول تركية، اشتهرت إبان حكم العثمانيين على سواحل المتوسط، قبل أن تنتقل للمدن الكبيرة الداخلية وتشتهر فيها محافظة حمص في سوريا، البعض يرجح تسميتها بهذا الاسم نسبة لشكلها حيث تشتبك الأشكال الدائرية، وهي عبارة عن سميد وسكر وخميرة ويوضع قالب العجينة في مكبس مخصص، قبل تغميسه بالزيت المغلي ثم إضافة تصفية الزيت وإضافة القطر البارد.
المحيا
يقال إن الدولة الأيوبية صاحبة فكرة الاحتفال الشعبي بليلة النصف من شعبان ثم تحول إلى طقس احتفال سنوي عند الحمويين السوريين، في البداية أراد الملك المظفر المحمود الاحتفال بهذه الليلة فبعث مساعده في أمصار سلطنته ليطلب من باعة الحلويات صناعة حلوى جديدة لم يعرفها أحد من قبل لتوزع على الفقراء والناس جميعًا في ليلة النصف من شعبان ونهارها، وراح كل حلواني يتفنن في صناعة الحلوى ليقدمها للسلطان ويعجب بها، ولما عُرضت عليه الأصناف بمختلف أشكالها وأنواعها اختار المحيا وأمر أن تصنع الحلوى كل عام على هذه الطريقة وتوزع على الناس.
العوامة
تشتهر أيضا باسم “لقمة القاضي” ويعتقد أنها من أصول مغربية، واشتهرت عند العرب قبل أن تنتقل لشواطئ القارة الأوروبية على المتوسط كاليونان وتركيا ومالطا وقبرص، اشتهرت بها مدن الإسكندرية وإسطنبول وحمص ويسمونها الكرات الذهبية، وتتكون من دقيق وخميرة وقليل من الملح، قبل أن تنتهي بعد القلي للقمات صغيرة مكثفة القطر.
البرازق
ابتكرها الشاميون في سوريا، وبرزت أسر دمشقية في تحضيرها مثل أبو حرب ومهنا، انتقلت بعد ذلك إلى دول الشام الأخرى مثل لبنان وفلسطين، فاشتهرت بها مدينة القدس بالأخص، وتتكون من الدقيق والسكر والسمنة والسمسم والمحلب، لتصبح عبارة عن رقائق هشة ومقرمشة من العجين المحمص وتعلوها طبقة من السمسم.
وهناك حلويات عديدة أخرى مثل الزلابية وحلاوة النص أو الجزرية المصنوعة من اليقطين، ويشتهر فيها لبنان.
كيف تحتفل الدول الإسلامية بهذه الليلة؟
تختلف مسميات وعادات هذه الليلة في كل دولة، إذ تسميها الإمارات “حق الليلة” وتبدأ احتفالاتها بعد صلاة العصر بارتداء الملابس الشعبية التراثية، ويفرح الأطفال بهذا اليوم بشكل خاص لدورهم في توزيع وجمع الحلوى والمكسرات من الجيران والأقارب في أكياس تسمى “خرايط” وهم يدندنون أغاني فلكلورية مثل “عطونا.. الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم”، وعندما يحصلون على مرادهم من الحلوى يسيرون قائلين “قدام بيتهم وادي.. والخير كله ينادي”.
تتشابه بصفة عامة الاحتفالات بمنطقة الخليج مع اختلاف المسميات، حيث تسمى في الكويت بـ”القرقيعان” نسبة إلى قرع الأطفال على الأبواب في تلك الليلة، وتسمى “الليلة الناصفة” في البحرين و”الناقلة” في قطر و”القرنقشوه” في سلطنة عمان.
يطلق على هذه الليلة في تركيا اسم “براءت قنديلي” أي البراءة، وتكتظ فيها مساجد البلاد بالمصليين والمشاركين في إحياء هذه الليلة
ومن جانب آخر، تحتفل الدول غير العربية بهذه الليلة، ففي إيران يسمى باليوم العالمي للمستضعفين، وتكثر فيه الزينة والأضواء في الشوارع، أما في الهند، تسمى ليلة البراءة لاعتقادهم بأن الله يغفر ذنوبهم جميعها بحسب أعمالهم في هذه الليلة، فيقضونها في الصوم والصلاة وذكر الله ورسوله لينالوا الشفاعة أو البراءة من الذنوب السابقة ويكتب لهم مستقبل أفضل.
وهذا نفس ما يؤمن به المغاربة الذي يعتقدون بأن مصائر الناس تتحدد في هذه الليلة، فيقدمون القرابين ويحتفلون بالرقص والمزامير والطبول، فعدا عن كون هذه الليلة مهمة من الناحية الدينية، إلا أنها نجحت أيضًا في تحولها إلى عادة اجتماعية وترفيهية تسوق للترابط العائلي والجماعي وقيم الكرم والمشاركة.
ويطلق على هذه الليلة في تركيا اسم “براءت قنديلي” أي البراءة، وتكتظ فيها مساجد البلاد بالمصليين والمشاركين في إحياء هذه الليلة، خاصة في المساجد الكبيرة التاريخية مثل السلطان أحمد والفاتح والسليمانية وأيوب وقوجة تبه ومولانا جلال الدين الرومي وأولو، وتتلى الآيات القرآنية والأحاديث والأدعية، وفي الخارج، توزع حلوى لقمة القاضي والمشبك.