تتنوع سبل المواجهات التي يتبعها الشباب الثائر في غزة ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي على خطوط التماس كافة شرق القطاع، فكل جمعة يتم ابتكار أساليب جديدة أو الإيتاء بأفكار إبداعية حققت تقدمًا ملموسًا في بعض الأحيان.
فعلى الرغم من أن المواطنين عُزّل ولا يحملون معهم سوى الأحجار والوسائل البدائية في القتال مثل زجاجات العصائر الفارغة والعصي والمقلاع وغيرها، فإنهم استطاعوا التسبب بعدة خسائر مادية ومعنوية لدى العدو، ولعل الخسائر وصلت للعامل البشري المرتبط بجنود الاحتلال ومستوطنيه، إلا أن سلطات الاحتلال تتكتم على النتائج المرتبطة بمواجهات جنودها مع متظاهري غزة.
فمنذ بداية الجمعة الأولى من مسيرات العودة الكبرى التي تزامنت مع إحياء الذكرى الـ40 ليوم الأرض، سقط نحو 15 شهيدًا وأكثر من 400 جريح برصاص جنود الاحتلال، وكانت أغلب هذه الإصابات بالرصاصة الانشطارية الجديدة على ساحة الجرائم الإسرائيلية، التي عدتها محكمة الجنايات الدولية جريمة حرب.
ولجأ المتظاهرون لطرق أخرى سلمية لحماية أنفسهم من رصاصات الغدر، وتكونت عدة وحدات قتالية سلمية من المدنيين، حتى أُطلق على الجمعة الثانية من مسيرات العودة “جمعة الكوشوك” وهو إطار المركبات، وتم التجهيز لها على مدار أسبوع كامل بحشد أكثر من 20 ألف من إطارات المركبات المختلفة في قطاع غزة وإشعالها لحجب الرؤية عن قناصة الاحتلال مع تشغيل صفارات الإنذار لتشتيت العدو.
تفرعت هذه الوحدة لعدة فصائل منها وحدة الدعم والإسناد ومهمتها إمداد الساحة بكاوتشوك آخر كل فترة معينة من الوقت قبل أن ينطفئ الكاوتشوك المشتعل
وحدة “الكوشوك”
تفرعت هذه الوحدة لعدة فصائل منها وحدة الدعم والإسناد ومهمتها إمداد الساحة بكاوتشوك آخر كل فترة معينة من الوقت قبل أن ينطفئ الكاوتشوك المشتعل، وكذلك وحدة المرايا العاكسة التي كانت مهمتها توفير مرايا كبيرة لعكس أشعة الشمس على الجنود الصهاينة، ثم وحدة “الجرادل” وكانت مهمتها توفير دلى ورمال لتغطية قنابل الغاز السامة والخضراء التي تطلقها طائرات مخصصة لذلك على المواطنين العزل.
واستطاع المتظاهرون في الجمعة الثانية تحقيق تقدم ملموس، حتى استطاعوا إزالة السلك الفاصل بين قطاع غزة ودولة الاحتلال ودخول عدة متظاهرين للأراضي المحتلة، وأدى ذلك لانفجار عبوة ناسفة بقوة إسرائيلية بعد جمعة الكاوتشوك بيومين، وحرق منطقة البريج العسكرية بشكل كامل وبثته قناة الجزيرة بشكل مباشر عبر شاشتها، وتكتم جيش الاحتلال على النتائج ولكنه اتهم المتظاهرين بذلك، وكانت ردة فعله قصفًا عنيفًا لغزة في تلك الليلة أدت لارتقاء شهيد شرق غزة وعدد من الجرحى.
أشار موقع “ولاه” العبري الى أن هذه الطائرات الورقية جعلت قوات الدفاع المدني في منطقة غلاف غزة في حالة تأهب مستمرة
وحدة الاقتحام وإزالة السلك
أحدثت عملية إزالة السلك الشائك ودخول بعض المتظاهرين للأراضي المحتلة صيتًا كبيرًا، حتى أصبحت أخبار قطع الشبان للسلك الشائك وسحبه الأكثر انتشارًا من أي خبر آخر، فلا يخلو يوم من قيام الشبان بقطع السلك ودخول عدد من منهم للأراضي المحتلة، حتى أصبح المتظاهرون يهاجمون جنود الاحتلال أحيانًا وجهًا لوجه من مسافة صفر ويطاردون جيبات الاحتلال.
وحدة القصف و”المنجنيق”
تخلل الجمعة الثالثة ابتكار مقلاع طويل و”منجنيق” تُطلق عبر حفر لا تزيد على المتر حفرها المتظاهرون لحماية أنفسهم من الرصاص الذي طال الآلاف من المواطنين بمن فيهم رجال الإسعاف والصحافة والعشائر، وكان يُطلق عبر هذه المقاليع قنابل المولوتوف ومداها يتعدى 350 مترًا.
وحدة الطائرات الورقية
ما إن جاءت الجمعة الرابعة حتى تطورت فكرة الهجوم بالمولوتوف من المقلاع إلى المهاجمة به عبر الطائرات الورقية، وكانت من أكبر الإنجازات والانتصارات بالنسبة للمتظاهرين، فلا تكاد تمر ساعة لا يرى المرء فيها تجمع عدد من سيارات الإطفاء والدفاع المدني التابعة لدولة الاحتلال على حدود غزة لإطفاء الحريق الذي سببته الطائرات الورقية.
قال أحد المستوطنين في مجمع “أشكول” الاستيطاني في لقاء مع صحيفة “يديعوت أحرنوت”: “ضحكنا على الطائرات الورقية في البداية لكنها أصبحت كابوسًا”
واعترفت سلطات الاحتلال عدة مرات بالأضرار التي لحقت بها جراء الطائرات الورقية، فقد ذكرت القناة الـ14 الإسرائيلية بأن 3 طائرات ورقية حرقت أكثر من 200 دونم من الأحراش والتجمعات الإقليمية المحاذية لقطاع غزة، مما أدى لاستنفار طواقم الدفاع المدني كافة للتعامل مع الحادث، وشاركت 6 طائرات هليكوبتر في عملية إخماد النيران.
وتعددت الأضرار التي خلفتها الطائرات الورقية في الأراضي المحتلة، وخلفت خسائر لدى دولة الاحتلال لم تستطع صواريخ وقذائف المقاومة الوصول لنفس نتائجها، وتحدث الإعلام الإسرائيلي عنها بأنها أداة جديدة من الإرهاب التي تعجز القبة الحديدية عن أداء عملها تجاهها، وحتى المضادات الأرضية. وأشار موقع “ولاه” العبري الى أن هذه الطائرات الورقية جعلت قوات الدفاع المدني في منطقة غلاف غزة في حالة تأهب مستمرة.
كما أوضحت صحفية “يديعوت أحرنوت” العبرية أن الطائرات الورقية أسفرت عن حرق موقع “ملكة” العسكري شرق مدينة غزة وحرق آلاف الدونمات من الأحراش، حتى وصلت النيران لموقع “المدفعية”، كما أدى ذلك لاندلاع حريق ضخم في موقع “كرم أبو سالم” وكذلك “موقع ناحل عوز” شرق مدينة غزة، وهو أكبر موقع عسكري للاحتلال الاسرائيلي على الحدود مع قطاع غزة.
كما قال أحد المستوطنين في مجمع “أشكول” الاستيطاني في لقاء مع صحيفة “يديعوت أحرنوت”: “ضحكنا على الطائرات الورقية في البداية لكنها أصبحت كابوسًا”، والغريب أن جيش الاحتلال أصبح يرد على الطائرات الورقية باستهداف قطاع غزة عبر صواريخ الطائرات الحربية.
كيف تعمل الطائرات الورقية؟
أوضح معاذ (اسم مستعار) الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أنه تُربط زجاجات بها مواد حارقة بالطائرة الورقية، حيث تكون الرياح شرقية دائمًا بغزة، فتسقط على الأحراش الإسرائيلية فتتعرض الزجاجة للكسر وتنتشر على إثره المادة الحارقة في المكان تلتهم كل ما أمامها.
والجدير ذكره أن ثورة “الكوشوك” التي ما زالت مستمرة حتى الآن إلى جانب عمل وحدة إزالة السلك الشائك ووحدة الاقتحام وكذلك وحدة صفارات الإنذار ووحدة الطائرات الورقية ووحدة المنجنيق، جعلت جنود الاحتلال في حالة تخبط مستمر وتأهب على طول الحدود، حتى أصبح الرصاص العشوائي والكثيف بالنسبة لهم سيد الموقف للتعامل مع المدنيين.
ووصل عدد شهداء مسيرات العودة حتى الآن قرابة 45 شهيدًا وأكثر من 3000 جريح، جلهم من الإصابات الخطيرة والعشرات منهم ممن تعرضوا لحالة بتر في الأطراف، حسب تصريح الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة الدكتور أشرف القدرة.