ما الذي يحدث لجسم الإنسان في الفضاء؟

ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ أن بدأت وكالة ناسا برنامج أبولو الذي يرمي إلى تمكين البشر من الوصول إلى سطح القمر قبل خمسين سنة خلت، كان الخيال الأمريكي مأسورا بأحلام السفر إلى الفضاء تلبيةً لطلبات الجماهير. وبعد أن أكد مجلس الشيوخ الأمريكي، في الأيام الأخيرة، تعيين مدير جديد للناسا مثير للجدل يدعو إلى تنشيط سياحة الفضاء واستكشاف المريخ، فإن احتمال سفر الأمريكيين إلى خارج الأرض لاستكشاف الكون ربما سيصبح ممكنًا في المستقبل القريب.
لكن، لا يمكن لجسم الإنسان أن يتجاوز الارتفاع الذي وصل إليه نيل آرمسترونغ، الذي لم يتمكن من تخطي 59 ألف إلى 62 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر، وهو مستوى قاتل إذا لم يكن جسم الإنسان في بيئة مكيفة الضغط ومحميا جيدا. وقبل الوصول إلى الفضاء الخارجي، يمكن أن يتورم جسم الإنسان إذا لم يكن محميا ببدلة فضاء، فضلا عن أن سوائل الجسم يمكن أن تصل إلى مرحلة الغليان؛ مما سيؤدي إلى تمزق الرئتين والشعور بألم شديد، ومن ثم الموت في غضون دقيقتين.
حتى في الحدود المحمية نسبيا للمحطة الفضائية الدولية، فإن عوامل على غرار الإشعاعات، والجاذبية الصغرى، فضلا عن الابتعاد عن المقربين منا، واتباع نظام غذائي قائم على الأغذية المجمدة، يجعل بقاء البشر على قيد الحياة لفترة طويلة خارج نطاق كوكب الأرض، أمرا صعبا.
يوم 15 أيار/ مايو، شاهد رائد الفضاء في وكالة ناسا، سكوت كيلي، شقيقه التوأم مارك كيلي، وهو في الفضاء. ولمدة سنة تقريبا، عمل سكوت على اختبار كيفية تفاعل جسم الإنسان إذا بقي لفترة طويلة في الفضاء؛ استعدادا للرحلات الطويلة التي تخطط وكالة ناسا لتنظيمها إلى كوكب المريخ في المستقبل.
حيال هذا الشأن، أوضحت الباحثة في كلية علوم الحياة والعلوم البيئية بجامعة إكستر، الدكتورة كولين دين، أن “رحلة الفضاء تعد بيئة قاسية، لأنها تسبب العديد من المشاكل الصحية التي تؤثر سلبا على جسم الإنسان”. وأضافت الدكتورة كولين دين، خلال حوارها مع مجلة نيوزويك، أن “الرحلات الفضائية التي تدوم لمدة سنة، يمكن أن تؤدي إلى حدوث تغييرات تشمل فقدان كتلة العضلات، بشكل يجعل مظهر الشخص مشابها لمظهر شخص في الأربعين من عمره”.
منذ أكثر من عقد من الزمان، قام برنامج الأبحاث البشرية التابع لوكالة ناسا بإجراء أبحاث حول كيفية تأثير السفر الفضائي على جسم الإنسان. وخلال شهر كانون الثاني/ يناير، كشفت وكالة ناسا عن نتائج دراسة رائدة تم فيها إرسال رائد فضاء واحد إلى الفضاء لمدة سنة، في حين ظل شقيقه التوأم على الأرض.
في الحقيقة، بينت هذه الدراسة أن قضاء فترة طويلة في الفضاء يُحدث تغييرات على جسم الإنسان يمكن أن تستمر لأشهر أو أكثر بعد عودته إلى الأرض. ومن المتوقع أن تكون النتائج التي تم التوصل إليها حيوية إذا أراد رواد الفضاء إكمال رحلة الذهاب والإياب إلى المريخ التي من المقرر أن تدوم لثلاث سنوات. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن يؤثر بها السفر إلى الفضاء على جسم الإنسان.
خلال الأسبوع الماضي، ألقى رائد الفضاء الأمريكي المتقاعد التابع لوكالة ناسا، ديفيد وولف، خطابا حماسيا خلال مؤتمر عقدته الأكاديمية الأمريكية لطب العيون. وقد لفت وولف الانتباه إلى الضرر البصري الذي عانى منه العديد من رواد الفضاء لدى عودتهم إلى الأرض. وقد أكد وولف أن هذا الضرر يمكن أن يكون دائما، فضلا عن أن العلماء لم يصلوا إلى أي نتائج مؤكدة تبين السبب الكامن وراء الإصابة به.
من جهتها، أفادت الدكتورة المحاضرة في معهد أبحاث الفيزياء الفلكية في جامعة جون مورس في ليفربول، أندريا فونت، أنه “في الفضاء، تميل السوائل إلى الانحسار من أماكنها الطبيعية والتراكم في الجزء العلوي، أي الجذع والرأس، ما يؤثر على بنية الدماغ ووظيفته”.
تم مشاهدة محطة الفضاء الدولية من مكوك الفضاء إنديفور، بعد أن بدأت المحطة والمكوك عملية الانفصال يوم 29 آيار/مايو سنة 2011 في الفضاء
أضافت أندريا فونت أنه “على الأرجح، قد ترتبط هذه المشاكل بزيادة الضغط داخل الجمجمة بسبب تراكم السائل الشوكي في الدماغ”. وتابعت فونت أن “فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، التي خضع لها رواد الفضاء، أظهرت زيادة في حجم السائل النخاعي في التجويف الذي يوجد فيه العين وفي أجزاء من المخ حيث يتم إنتاج هذا السائل. وفي هذه الحالة، قد تعمل العين على اعتبارها صماما للتخلص من هذا الضغط”.
في الشأن ذاته، أردفت، فونت أن “السراويل المطاطية التي صنعها العلماء الروس، التي من شأنها أن تمتص السوائل وتعيدها إلى القدمين، يمكن أن تساعد رواد الفضاء الذين يعانون من مشاكل في البصر”. وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة كولين دين أنه “في الماضي، مهّد إنشاء أجهزة ضد الأشعة فوق البنفسجية لحماية أعين رواد الفضاء، الطريق أمام اختراع النظارات الشمسية. وهذا يعد مجرد مثال واحد على العديد من الابتكارات التي قدمتها ناسا والتي يستفيد منها الأفراد على الأرض”.
الدم
على الأرض، ينبغي على نظام القلب والأوعية الدموية العمل ضد نظام الجاذبية لضخ الدم في جميع أنحاء الجسم. أما في بيئة ذات جاذبية محدودة، يتراجع أداء البطينان الأيمن والأيسر للقلب، كما ينخفض معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومقدار الدم الذي يضخه الجسم في الدقيقة الواحدة. وقد كشفت الاختبارات التي أجراها أعضاء طاقم محطة الفضاء الدولية أن معدل ضربات القلب لديهم يتساوى مع معدل ضربات قلب الإنسان عندما يكون على كوكب الأرض وفي وضعية الاستلقاء.
جهاز المناعة
أظهرت العديد من الأبحاث أن استجابة جهاز المناعة لدينا تتغير في الفضاء. علاوة على ذلك، يساهم الإجهاد، والإشعاعات، والجاذبية المحدودة، وأنماط النوم الغريبة في الإخلال بتوازن نظام المناعة، مما يزيد من خطر إصابة أفراد الطاقم بالعديد من الأمراض. من جانب آخر، أثبتت دراسة أجرتها وكالة ناسا خلال سنة 2017، أن البكتيريا تصبح مقاومة للمضادات الحيوية في الفضاء.
الجهاز العضلي الهيكلي
خلال الأسبوع الماضي، قدمت دراسة، نُشرت في مجلة علم وظائف الأعضاء، التي عمدت إلى البحث في كيفية تأثير البيئة ذات الجاذبية المنخفضة على الجسم في إطار الرحلات الفضائية التي تستغرق 21 يومًا، المزيد من الأدلة على المخاطر التي تشكلها هذه الرحلات على العضلات. وفي شأن ذي صلة، أفادت كولين دين أن “اثنين من التحديات الصحية الرئيسية التي تواجهها البعثات الفضائية الاستكشافية إلى المريخ، حاليا، تتمثل فيما تحدثه هذه الرحلات من وهنٍ على مستوى العضلات الهيكلية. في الأثناء، لا تعد بدلات الفضاء مجهزة لمكافحة الإجهاد المُركز على الهيكل العظمي للإنسان وعضلاته”.
في 17 كانون الثاني/ديسمبر سنة 2017، لوح نوريشيجه كاناي، التابع لوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء الجوي، مودعا خلال حفل أقيم في مركز بايكونور الفضائي، ويقع في كازاخستان. خلال سنة 2018، غرد كاناي أن جسمه نما في الفضاء الخارجي
جراء الجاذبية المحدودة، لا تعمل عظامنا وعضلاتنا بالطريقة نفسها التي تعمل بها على كوكب الأرض. وتحيل الكثير من المؤشرات إلى أن كثافة العظام تنخفض بنحو واحد بالمائة شهريا خلال رحلات الفضاء. وأظهرت دراسة أن نسبة الأداء العضلي، لحوالي 37 عضوًا في محطة الفضاء الدولية، انخفضت بين 8 و17 بالمائة بعد رحلة فضائية. في المقابل، يبدو أن الجسم ينمو في الفضاء، نظرا لأن عامل الجاذبية يضغط على العمود الفقري عندما يكون الإنسان على الأرض. وقد تم إثبات هذه الظاهرة بعد أن غرّد رائد الفضاء الياباني نوريشيجه كاناي، بأن طوله زاد بمعدل 3.5 بوصة بعد أن قضى ثلاثة أسابيع في الفضاء.
المصدر: نيوزويك