بينما يستقبل عمال العالم يومهم السنوي المقرر الأول من مايو/آيار بأجندات متباينة وخطط مدروسة تستهدف الارتقاء بواقعهم ودفع قطار تنمية قطاعهم للأمام، إذ بالوضع في العالم العربي يختلف جملة وتفصيلاً، حيث التراجع الملحوظ في شتى المستويات الحقوقية في مقابل تصاعد منحنى معدلات البطالة عامًا تلو الآخر بشكل يضع مستقبلهم على المحك.
المستجدات الإقليمية الأخيرة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ألقت بدورها على واقع سوق العمل العربي بصورة سلبية ملفتة للنظر، وهو ما كشفته التقارير الواردة عن المنظمات الدولية والأممية من جانب، أو الكيانات العمالية العربية من جانب آخر، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن مستقبل العمالة في العالم العربي.
30 مليون عاطل
تشير الأرقام الصادرة عن البنك الدولي عن واقع العمالة في العالم العربي إلى وضع كارثي يحيا فيه مئات الملايين، في ظل المستجدات الأخيرة، حيث ذهبت إلى وجود 14 مليون لاجئ و8 ملايين نازح و30 مليون عاطل عن العمل و640 مليار دولار سنويًا خسائر في الناتج المحلي العربي.
الوضع لم يتوقف عند هذا الحد، بل كشفت الأرقام أن هذا الواقع المذري تسبب في قبوع ما يقرب من 70 مليون عربي تحت خط الفقر المدقع، فضلاً عن أن نحو 90% من لاجئي العالم من العرب و80% من وفيات الحروب عالميًا وقعت في بلاد عربية.
هذا الوضع دفع منظمات العمل العربي للدعوة إلى مواجهة استغلال حاجة البلدان العربية لفتح أسواقها أمام الاستثمارات الخارجية على حساب حقوق العمال المشروعة ودعم تضحيات العمال العرب الذين توفوا في مواقع العمل والإنتاج في سوريا والعراق وليبيا واليمن
أما بشأن نسب البطالة في الدول العربية، فتتصدّر ليبيا بنسبة 48.9%، تليها موريتانيا بنسبة 46%، وفي فلسطين زادت نسب البطالة خلال العقدين الماضيين 19.9%، إذ كانت تبلغ 22.8% عام 1991 وصارت 42.7% في العام 2014.
ساهمت الظروف السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة العربية خلال السنوات السبعة الأخيرة في التأثير سلبًا على أوضاع العمال في العالم العربي
كما زادت في مصر نحو 12.6% خلال العقدين الماضيين، إذ ارتفعت النسبة من 29.4% في العام 1991 لتصير 42% في العام 2014، كذلك الأمر بالنسبة لسوريا التي زادت فيها نسب البطالة بنحو 11.6% خلال الفترة الزمنيّة ذاتها، وتعدّ نسب البطالة في ليبيا وموريتانيا ومصر بين الأعلى على صعيد العالم.
أما في قطر، فتكاد البطالة تكون معدومة، ويشكّل العاطلون عن العمل 1.3% من نسبة القوى العاملة الشابة، مما يجعلها من أقلّ الدول معاناة من المشكلة في العالم بجانب بنين (1.7%) وغينيا (1.7%) وكمبوديا (0.9%).
لم يختلف وضع المرأة العاملة في العالم العربي عن الرجل، فوفق بيانات البنك الدولي هناك 25% فقط من النساء العرب يعملن أو يبحثن عن عمل، بينما تفوق هذه النسبة الـ50% في الدول النامية الأخرى، وفي حال استمر الوضع على حاله، فإنّ العالم العربي يحتاج إلى 150 سنة للحاق بالمعدل العالمي الحاليّ.
الإحصاءات تذهب إلى أن نسبة المشاركة النسائية في سوق العمل هي الأدنى في العالم، فالنسبة تبلغ 29% في جنوب آسيا و51% في أوروبا و57% في أمريكا الشمالية و61% في شرق آسيا و63% في إفريقيا، كما تختلف نسبة المشاركة النسائية في سوق العمل بين الدول العربية، إذ تصل إلى 47% و37% في الكويت وقطر على التوالي، بينما تسجل نسب أدنى في سوريا 12% والأردن 14% والعراق 15% والجزائر 17%.
تراجع وواقع مأساوي
ساهمت الظروف السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة العربية خلال السنوات السبعة الأخيرة في التأثير سلبًا على أوضاع العمال في العالم العربي، وهو ما دفع عدد من المنظمات العربية على رأسها الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب للتحذير من هذا الوضع المأساوي، لافتًا إلى أن الإرهاب والفوضى خلفا دمارًا هائلاً في البنية التحتية لأربع دول عربية هي ليبيا واليمن والعراق وسوريا وهي الدول التي تعاني فيها أسواق العمالة من تدهور واضح.
14 مليون لاجئ و8 ملايين نازح، 30 مليون عاطل عن العمل، و640 مليار دولار سنويًا خسائر في الناتج المحلي العربي
النموذج الأكثر تجسيدًا لواقع العمالة العربية المذري هو مصر، إذ يتجاوز عددهم 28.9 مليون عامل بحسب آخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أنهم في الوقت ذاته أكثر الفئات تعرضًا للانتهاكات والقهر في ظل هذا المناخ غير الملائم.
السنوات الأخيرة واجه عمال مصر أوضاعًا ربما تكون الأسوأ في تاريخهم بأكمله وذلك لسببين، الأول: تراجع المستوى المعيشي بصورة غير مسبوقة لا سيما في السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ تجاوز معدل التضخم 32% في سابقة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن الارتفاع الجنوني للأسعار الذي التهم معه أي زيادة متوقعة في الرواتب والدخول.
استهداف العمالة المصرية لم يقتصر على الأعراض الخارجية وفقط نتيجة ارتفاع الأسعار وفقط، بل إن الضربات التي تلقتها الأسرة العاملة في مصر خلال الفترة الماضية من داخل القطاع نفسه ربما تكون الأكثر إيلامًا، أبرزها إغلاق أكثر من 8000 مصنع متعثر وإهدار استثمارات تقدر بنحو 35 مليار جنيه (ملياري دولار)، مما تسبب في تشريد نحو مليوني أسرة بعد فقدانهم مصدر الدخل الوحيد لديهم.
وبالانتقال إلى مستوى الحريات العمالية النقابية في مصر، يلاحظ أنها تحيا أدنى مستوياتها التاريخية على الإطلاق، وهو ما عزاه البعض إلى رغبة النظام الحاليّ في استنساخ آليات نظام مبارك ورجاله في التعامل مع النقابات، حيث دعم القيادات الفاسدة وملاحقة المتطلعين للتغيير والتطور، فضلاً عن تحميل العمال مسؤولية أي فشل للسياسات المالية والاقتصادية للدولة.
للبُعد الأكاديمي دور محوري في الحد من هذه المعضلة، خاصة بعد فقدان الشهادات الدراسية قيمتها في ظل تسهيل عملية منحها وفي ظل تخريج موارد بشرية غير مدربة عمقت الأزمة بصورة كبيرة
منظمة العفو الدولية في بيان لها العام الماضي أدانت وبشكل كبير الحكومة المصرية بسبب الانتهاكات ضد العمال، ملفتة إلى عشرات العمال الذين تعرضوا للفصل والمحاكمة والانتهاكات بسبب مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، مشيرة إلى اتخاذ السلطات المصرية سلسلة من الإجراءات التأديبية والجنائية للتضييق على العمال والنقابيين، فضلاً عن مساعيها لتعديل القوانين القائمة لتشديد القيود على حقوق العمال.
أوضاع مأساوية للعمالة المصرية خلال السنوات الأخيرة
الفرص والتحديات
العديد من التوصيات خرجت عن الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث العمالية في المنطقة العربية للقضاء على معدلات البطالة، والتي أكدت أنه إن لم يتم التحرك فورًا لتحسين الأوضاع فإن الأمور ستزداد سوءًا خلال السنوات القادمة حال استمر الوضع على ما هو عليه، وهو ما يجب التوقف عنده.
التوصيات استندت في مضمونها إلى البحث عن أسباب تفشي البطالة والعمل على تجنبها والقضاء عليها، كالحد من دخول اليد العاملة الأجنبية إلى السوق المحلية، ومحاولة إيجاد فرص عمل تكفي للأعداد الكبيرة التي تتخرج من المعاهد والجامعات بمساعدة الأنظمة في الخليج، وتسهيل إنشاء شركات صغرى وكبرى، وتشجيع الزراعة في الأرياف وحماية محصولهم عبر توفير أسواق له، وتشجيع الحرفيين والفنيين، وغيرها طبعًا.
جزئية أخرى خرجت بها بعض الدراسات الصادرة عن مراكز غربية بشأن القضاء على البطالة في العالم، تعلقت بمنظومة التعليم عامة، موضحة أن للبُعد الأكاديمي دور محوري في الحد من هذه المعضلة، خاصة بعد فقدان الشهادات الدراسية قيمتها في ظل تسهيل عملية منحها في ظل الانتشار الكثيف للمعاهد والجامعات الخاصة التي كان لها دور سلبي في تخريج موارد بشرية غير مدربة عمقت الأزمة بصورة كبيرة.