في نفس اليوم من عام 2003 خرج الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش على متن سفينة “إبراهام لينكولن” العسكرية وخلفه لافتة خلفيتها العلم الأمريكي ومكتوب عليها “اكتملت المهمة”، ليخطب خطابه الشهير الذي حمل العنوان نفسه المكتوب على اللافتة ويعلن انتهاء العمليات العسكرية الأساسية للقوات الأمريكية في العراق، ليبدأ التعاون الأمريكي مع قوات التحالف في إعادة أمن وبناء ذلك البلد بحسب ما بدأ به بوش خطابه التاريخي.
“لقد خضنا هذه المعركة من أجل الحرية والسلام، ونحن فخورون بإنجاز هذه المهمة التي حققها الجنود الأمريكان وحدهم على أرض المعركة، بفضلهم أصبحت بلادنا في سلام، بفضلهم سقط الطاغية وأصبح العراق حرًا، لقد أظهرتم للعالم مهارة القوات المسلحة الأمريكية في واحدة من أسرع التطورات في الأسلحة الثقيلة في التاريخ”.
كان هذا جزءًا من خطاب بوش الذي تابع فيه عن أهمية محاربة الطغاة حول العالم من أجل السلام والحرية، الهدف الذي ترفعه الولايات المتحدة عاليًا قبل المشاركة عسكريًا في أي حرب، متممًا أن العمل في العراق سيستمر، فيجب عليهم تأمين بعض المناطق التي لا تزال خطيرة ومتابعة البحث عن الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية جنبًا إلى جنب مع البحث عن أفراد النظام القديم في العراق لمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها.
بينما كان بوش يهلل باكتمال المهمة التي لم تكتمل على أرض الواقع، ويعد بالحرية والإصلاحات والبناء والأمان، معتبرًا العراق خطوة جذرية في “محاربة الإرهاب” التي تخوضها الولايات المتحدة منذ عام 2001، كان هناك في بغداد من لم يعرفوا أن بيوتهم عرضة للاقتحام من الأمريكان ليلًا، وأن مخيمات سجن أبوغريب لا تزال في انتظارهم.
صورة من خطاب بوش عام 2003
التاريخ: شهر رمضان 2004
المكان: بغداد
الوقت: ليلًا
أعلنت القوات الأمريكية في ذلك الوقت مكافأة قدرها 100 دولار أمريكي لكل من يدل على أماكن وجود الإرهابيين أو الأماكن التي يوجد فيها أسلحة، استغل كثير من العراقيين تلك المكافأة للتخلص من كل من كان لهم معهم مشاكل أو مختلفين معهم في الطائفة الدينية، لم يكن من الغريب وجود الأسلحة في البيوت العراقية، حيث امتلكت أغلب العائلات مسدسًا لحماية أنفسهم في وقت لا يُتوقع فيه من سيطرق الباب، إلا أن هذا كان سببًا كافيًا للتبليغ عنهم للأمريكان والحصول على 100 دولار مكافأة سواء كان التبليغ صادقًا أم كاذبًا.
وصل التبليغ إلى بيت “بدر” – 15 عامًا – في بغداد، ولم يتوان الأمريكان جنبًا إلى جنب مع الجيش العراقي عن اقتحام منزله ليلًا بعد تفجير الأبواب الخارجية للمنزل بمتفجرات TNT، ليستيقظ “بدر” على رائحة البارود ويرى أن المنزل كله معبأ بجنود الجيش، لم يكن الأمر غريبًا على ذهن “بدر” فقد عرف أن المنزل اقتُحم من الأمريكان، إلا أن أول ما بدر في ذهنه هو سؤال هل يمكنه الهروب أم لا.
يقول لنا بدر في حديثه مع “نون بوست” إن سماع قصص الاقتحام والاعتقال من الأصدقاء والجيران شيء وحدوثها لك شخصيًا شيء آخر، رغب بدر بالبكاء ولكنه لم يبك طوال مدة الساعتين التي استحل فيها الجيش البقاء داخل المنزل والتحقيق مع والده بحضور الأمريكان من خلال الاتصال اللاسلكي والجيش العراقي والمترجم لترجمة تعليمات وأسئلة القوات الأمريكية، وعلى الرغم من أن الأمريكان كانوا رأس المكر كما يقول بدر فإنه وأهله تأذوا أكثر من العراقيين مقارنة بالأمريكان.
أسس الأمريكان أفواجًا عسكرية أغلبها من الشيعة، وكانت أغلب الاعتقالات ضد أهل السنة، وبحسب شهادة بدر الشخصية كان العنف والضرب والإهانة من الجنود العراقيين وليس الأمريكان، ليسرقوا أمام أهل المنزل كل شيء من الممكن سرقته، سرقوا الذهب والأموال، حيث أشار بدر لنا أن المبلغ المسروق كان يوازي في ذلك الوقت مبلغ لشراء قطعة أرض أو عقار، بعد أن ترك أحد الجنود مبلغًا صغيرًا في يد الأم وقال لها أن تحتفظ به.
ذهب الجنود العراقيين بـ”بدر” وأفراد من عائلته إلى سيارة الترحيلات الخاصة بالجيش العراقي ومعهم جارهم السُني كذلك، في رحلة لم تخل من المسبات والإهانة والضرب من خلال أسئلة يكون رد فعلهم عليها سواء أجاب بدر أو أفراد عائلته أم لا الضرب والإهانة.
استلمهم الأمريكان في نهاية الرحلة وصولًا إلى القاعدة العسكرية التي يظن بدر أنها كانت مطار بغداد الدولي، وغطوا أعينهم بعصبة عين سوداء وربطوا كفوفهم خلف ظهورهم وفصلوهم في زنازين منفصلة ليبدأوا التحقيق معهم بحضور المترجم، ليسأل الجندي الأمريكي بدر عن اسمه ودينه وإن كان سنيًا أم شيعيًا وإن كان وهابيًا أم لا، ليعيد عليه السؤال مرة أخرى “وهابي؟” ليجيبه أنه ليس وهابيًا، ليعيد عليه السؤال مرة أخرى ويجيب بدر بالنفي ليصرخ الأمريكي “اللعنة على الوهابيين”.
لا يتصور المرء أن اليوم سيأتي عليه ليجلس في نفس الموضع الذي روى له عنه قريبه أو صديقه منذ بضعة أيام أو شهور، كان هذا شعور بدر ذي الـ15 عامًا وقتما يجلس معصوب العينين ومُكبل اليدين لا يرى الجندي الأمريكي الذي يحقق معه ويصرخ غاضبًا بالسب على الوهابيين الذين لا يكون بدر منهم أصلًا، وبعد انتهاء التحقيق عن المعلومات الشخصية وسبب وجود سلاح داخل المنزل، اقتيد بدر إلى زنزانة منخفضة الارتفاع وضعه الجندي في منتصفها بالضبط دون أن يفك عصبة عينيه أو يديه المربوطتين خلف ظهره، ودون أن يضعه بجوار جدار لكي لا يستطيع أن يسند ظهره عليها، ليكون لدى بدر ألم في الكتف استمر معه بعد مرور أكثر من 13 سنة على حادثة الاعتقال.
للعافية درجات
الصورة الفائزة بجائزة “آسوشيتيد بريس” للصورة العالمية عام 2003 من داخل سجن أبو غريب
الوقت: اليوم التالي صباحًا
لا يوجد أحد حول بدر ولا يمكنه الحديث طالما هناك أصوات للأمريكان في الخارج، قضى ليلته دون نوم مع ألم في الكتف والظهر، أراد بدر صباحًا أن ينقله الجندي إلى جوار جدار لكي يقلل من ألم يديه وكتفه إلا أنه قوبل بالصمت، قبل أن يأتي إليه الجندي وينقله إلى قاعدة عسكرية أخرى دون أن يفك عصبة عينيه، إلا أنه فك يديه وبالتالي شعر بدر بالراحة وبأنه لا يحتاج أن يزيل عصبة العين، “للعافية درجات” كما يقول، وفي موقف كهذا لا يمكن للمرء الحصول على أي شيء يريده، وإن حصل على أقل القليل فيجب عليه الاكتفاء والرضا.
“أي شخص يرتكب فعلًا إرهابيًا سيكون عدوًا للأمريكان والعدالة الأمريكية، و سيكون أي شخص يمتلك الأسلحة الفتاكة عرضة للملاحقة والمواجهة الأمريكية”
جزء من خطاب “اكتملت المهمة” لـ”جوروج بوش” في الأول من مايو/آيار 2003
لم يستمر مبدأ بدر “للعافية درجات” طويلًا، حيث أمره الأمريكي بنزع كل ملابسه ليجد أنهم يريدون منه الاستحمام، ولما رفعت العصبة عن عيني بدر وجد أمامه “ثوب الإعدام” أو “البدلة الحمراء” ليأمره الجندي بارتدائها، حينها يأتي دور الصورة التذكارية، صورة للوجه من عدة اتجاهات بجانبه معلوماته الشخصية قبل أن يذهبوا به إلى الزنزانة الافتراضية، بعد تقييد يديه أمامه التي هي أرحم كثيرًا من الربط خلف الظهر بالنسبة له، ولأنه أصغر المسجونين أعطى له الأمريكان بطانية صغيرة لينام عليها ما جعل بدر يصدق مرة أخرى في مبدأ “للعافية درجات”.
كانت الزنزانة خالية من أي شيء سوى فتحة صغيرة عالية ينظر منها الأمريكي ليتأكد مما يفعله المعتقلون داخل الزنازين، أو يسأله إن كان يصوم شهر رمضان ليمنحه وجبتين للسحور والإفطار، وجبتان من الطعام المعلب كريه الرائحة، قضى بدر 4 أيام داخل تلك الزنزانة معصوب العينين مربوط اليدين، لم يسمع خلالها سوى صوت بكاء متواصل وصوت رجل يصلي صلاته بصوت عالٍ.
حقق الأمريكان خلال الأيام الـ4 من السجن الانفرادي تحقيقات انفرادية ليقارنوا الأقوال ما بين بدر وأفراد عائلته، لم يوافق بدر على بدء التحقيق إلا بعد الاطمئنان على من بقى من أهله في المنزل، وبعد الاطمئنان عليهم أنهم لم يتعرضوا للأذى سأله الجندي عن علاقته بالأشخاص المحيطين به، انتهى التحقيق بعدم تصديق المحقق لكلامه وأعطاه ملابسه لينتظر في قاعة كبيرة مع كثير من المعتقلين الآخرين.
التقى بدر حينها بأخيه الأكبر الذي سأله ما إن أعطاه الأمريكان ملابسه أم لا ليجيب الأخير بالإيجاب فيقول أخوه: “يمكن راح نطلع”، ظل الأخوان على هذا الأمل حتى خرجت بهم السيارات العسكرية الأمريكية في الطريق، لم تكن تلك أسعد لحظات الأخوين وذلك لأن مرور السيارات الأمريكية في الشوارع هدف مهم للمقاومة، ولهذا كانت رحلة الأخوين غير محددة الوجهة محفوفة بالخوف من التفجير في أي لحظة.
حاول بدر التعرف على معالم الطريق من داخل السيارة ظنًا منه أن السيارة في طريقها إلى المنزل، إذا مرت السيارة من على جسر يحاول بدر التعرف عليه ليحدد موقعهم بالنسبة للمنزل، وإن مروا على جسر آخر يظن أنه أخطأ في تحديد الموقع ويعيد بناء فرضيته بناءً على المرور على الجسرين السابقين حتى وصلت السيارة وطُلب منهم النزول، وبعد أن نزع الأخوان عصبة العين السوداء عرفا أنهما في سجن “أبوغريب”.
مدرسة للقاعدة وثريد الأمريكان
لا يبدأ الأمريكان مرحلة الاستقبال سوى بنزع الملابس ليبدلونها بزي السجن الأصفر بحسب ما روى لنا بدر، كان “أبوغريب” بمثابة فرج بالنسبة له، كيف لا؟ فهي المرة الأولى التي لا يوضع في زنزانة انفرادية ولا تُكبل يديه ولا تُغطى عينيه، كما يُسمح له بحمل سجادة صلاة ومصحف للقرآن وبطانية قبل أن يدخل قاعة “الحاسبة” ليدلي بمعلومات عنه ويفحصوه طبيًا قبل أن يُنقل إلى المخيمات، كل خيمة تسع 20 معتقلًا، يبقى في الخيمة من 25 لـ30 شخصًا على حسب الأعداد.
تنقسم المخيمات إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تُسمي “كوجر” مقسمة إلى خيم وفسحة صغيرة للمشي ومكان مخصص للحمام، أما الكوجر الثاني فذلك يكون في المرحلة الثانية تنتهي بالوصول إلى الـ”كامب” أو المعسكر، وذلك بالنسبة لكل من تعدى سنه الـ18.
كان بدر في عمر الـ15، ولهذا انتقل مباشرة إلى ما يُعرف بـ”Babies Camp” أو “معسكر الأطفال” المخصص لكل معتقل تحت سن الـ18، لم يكن هناك سوى خيمتين بحسب روايته، كان أصغر معتقل فيهم عمره 10 سنوات وتهمته ضرب القوات الأمريكية.
كان أغلب المعتقلين من الأرياف، لم يكمل الأغلبية تعليمهم في المدارس، كان الاعتقال عشوائيًا دون سبب أو تهمة واضحة، اُعتقل أغلب المزارعين الذين انفجرت بجوار أراضيهم عبوة ناسفة أو صارت مواجهات مسلحة بالقرب من حقولهم، يقول بدر إن أغلب المعتقلين كانوا بسطاءً ودخلوا للسجن ليس لأنهم إرهابيون أو يقاومون الأمريكان بل بتهم كاذبة.
أشار لنا بدر أن له شهادات على وجود أفراد تنظيم القاعدة في السجن حتى في “مخيم الأطفال”، لقد استغل القاعدة السجن ليكون مدرسة لهم، يتابع بدر أنهم كانت لهم سلطة داخل السجن وكانوا أقوياءً، يقتلون ويذبحون كل من يخالفهم بعلم الأمريكان.
يعني سجن أبوغريب الانتظار، يقول لنا بدر إنهم كانوا يريدون من المعتقل أن ينتظر، من الممكن أن يبقى شهر ومن الممكن أن يبقى سنة، إلا أن الهدف الأساسي هو الانتظار من دون قضايا أو محاكمة دون أن يرى المعتقل محققًا، وحتى إن حُقق مع المعتقل ووصل لاعتقاد أن المعتقل ليس له علاقة بالإرهاب أو تنظيم القاعدة، لن يفيده ذلك ويتسبب في خروجه.
“نحن ملتزمون بالسلام والحرية طبقًا لتعاليم الأمريكان المؤسسين في أفغانستان والعراق وفلسطين، السعي من أجل الحرية هو السبيل للقضاء على الإرهاب”
جزء من خطاب “اكتملت المهمة” لـ”جوروج بوش” في الأول من مايو/آيار 2003
شهد بدر حالات كثيرة من المعتقلين الذين لم يكونوا متدينين أو محافظين قبل دخولهم السجن ليتحولوا رويدًا رويدًا لأفراد من تنظيم القاعدة، يشير لنا في أثناء حديثه أنه وجد في “أبوغريب” مدرسة للقاعدة بإشراف من الأمريكان حيث كان لهم سلطة مفروضة على المخيمات بما فيها مخيم الأطفال من عناصر للقاعدة في سن الـ17 والـ18.
شاهد بدر كيف كان لتنظيم القاعدة أساليبه في فرض سيطرته، فكانوا يذبحون ويقتلون المخالفين باستخدام الضرب المبرح حتى القتل، أو باستخدام العصي الخشب بعد محاولة تحويلها إلى سيف باستخدام الحصى ليذبحوا به المعتقلين، أو باستخدام قلع العين من خلال استخدام زجاجات المياه أو الضرب بالنعل لردع كل من يرونه كافرًا.
رأى تنظيم القاعدة في أخي بدر خطرًا عليهم في معتقل الأكبر سنًا من 18 عامًا، حيث كان يستخدمه الأمريكان للترجمة في الحالات المرضية، وأرادوا أن يردوه قتيلًا أكثر من مرة ظنًا منهم أنه يشي بهم للأمريكان، كان ذلك يتم تحت أعين الأمريكان فلم يكونوا يتدخلون سوى في حالات الشغب الخارجة عن السيطرة باستخدام قوات فض الشغب وفرض عقوبات مثل القفص الانفرادي على حدود المخيم.
اللحية حلال أم حرام؟
كان يكذب البعض بأعمارهم ليكونوا ضمن مخيم الأطفال بدلًا من المخيمات الأخرى لكي يتلقوا معاملة حسنة وأقل عنفًا، حيث كان الجنود يدللون أطفال المعتقل بعض الشيء، فيعطوهم الفائض من الطعام وحلوى كل مساء ولا يعنفونهم كما يحدث في المعتقلات الأخرى، فكان يرى بدر من هم كثيفي اللحية ويخبرونه بأنهم في عمر الـ17.
معتقل من القاعدة: “أخي أنت سلفي”؟
“بدر”: “إن شاء الله”
معتقل من القاعدة: “إن شاء الله”
شهد بدر محادثات تتمتع بكثير من المفارقات داخل السجن، ربما يكون السجن من أكثر الأماكن في العالم التي يكون فيها المحادثات إما شديدة الألم أو شديدة الطرافة، كان من بينها شخص كان كثيف اللحية قبل أن يحلقها، أتى إليه ذات يوم وسأله “هل حلق اللحية حلال أم حرام؟” لم يكن لدى بدر أي علم بالأمر فأجابه “لماذا لا تكون حلال”؟ قال له “سنة نبوية، أليست كذلك؟” ليحضر الحديث صبيًا من القاعدة يصرخ قائلًا إن بدر يفتي بما لا يعلم به، فحلق اللحية حرام!
كما جاء إليه أحد أفراد القاعدة ذات مرة وسأله “أخي أنت سلفي”؟ رد عليه “بدر”: “إن شاء الله”، رد عليه الأول بعد برهة “إن شاء الله”!، على الرغم من مفارقة تلك الأحاديث في مكان مثل سجن “أبو غريب” فإنها لم تُلقِ سوى الرعب في قلوب المعتقلين غير المنتمين لتنظيم القاعدة داخل السجن ولم تشعرهم بالأمان حتى لو كان تحت مراقبة الأمريكان.
من بين المواقف الطريفة التي حكى لنا عنها بدر من السجن وجود مصري قبطي معتقل، وصل إلى العراق من أجل العمل في مدينة “الكاظمية” المعروفة بأنها شيعية، لم يدم المصري على الأرض حرًا سوى 20 دقيقة فقط، حيث أبلغ الفندق عنه الأمريكان بحكم أن أغلب الأجانب الموجودين في العراق في ذلك الوقت من المجاهدين، لقد كان أكثر تعساء الحظ فلم يصدق الأمريكان بأنه قبطي ولم ترحمه القاعدة من تعذيبهم داخل السجن.
نتمنى لك خروجًا سعيدًا: اذهب للمنزل
بعد مرور 3 أشهر على اعتقاله وصلت ورقة إلى بدر مكتوب عليها “خروج سعيد” “Happy Pass” “اذهب للمنزل” “Go Home” وهي ما تعني في “أبو غريب” أن المسجون سيخرج بكفالة أي يكفله شخص من وزارة العدل العراقية، وهذا يعني أن المعتقل سُيفرج عنه في اليوم التالي، لكي ينتقل الفرد إلى “كامب الإفراج” يدخل فيه مع كل المفرج عنه من كل الأعمار.
لم يكن الإفراج سوى حرب نفسية على المعتقلين الذين يظنون أنهم سيفرج عنهم خلال بضعة أيام، ليجدوا أنفسهم عائدين إلى السجن مرة أخرى
عاد بدر إلى مخيم جديد كان فيه وسط كثير من المعتقلين الآخرين، وظل هناك نحو أسبوع، وعلى الرغم من أنه من النادر خروج معتقل من سجن أبوغريب حيث كان يتم الإفراج عنهم من السجن الأكبر سجن “بوكا” فإن بدر كان من أولى الحالات التي أُفرج عنها من أبو غريب، يومها حاول الأمريكان كرمه والترفيه عنه ومنحة وجبة فطور أمريكية “رقائق الذرة” “Corn Flakes” الذي لم يعرفه العراقيون من قبل حيث أسموه “ثريد الأمريكان”، ومنحوه 25 دولارًا وقت خروجه.
خرج بدر من السجن بعد أن اتضح لصبي في الـ15 كيف وصل الأمر بالأمريكان أن يخترقوا مجتمعه ويفرقوا بين الشيعة والسنة والصوفية والسلفية بهذا الشكل الدموي الذي شهده بعينه داخل السجن، وكيف سمح الأمريكان أن يكون كل من سجن أبو غريب وسجن “بوكا” في الجنوب العراقي مدارس وثكنات لتنظيم القاعدة يستطيعون فيه تجنيد مزيد من الأفراد والأطفال.
حكى لنا بدر تجربته لتكون قصة للتاريخ، حيث يُسرد التاريخ دومًا من وجهات نظر أمريكية تصور “الجنود البواسل” وبطولاتهم على حساب المعتقلين المظلومين، أو يُسرد من قصص خيالية يخترعها أصحابها من أجل بيع الكتب أو المقالات بأسعار عالية على الرغم من سردهم لقصص أقارب لهم أو قصص من وحي خيالهم، لقد مر بدر”بتجربة الاعتقال وقت انتخاب بوش رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية، أتى بوش مهللًا فرحًا بإنجازات الأمريكان محتفلًا بإتمام المهمة، فهل حقًا تمت؟
تنويه: تم تغيير أسماء الشخصيات الرئيسية بناءً على رغباتهم الشخصية.