في يونيو/كانون الثاني 2017، وقّعت الرياض اتفاقية عمل مع نواكشوط لاستقدام معينات منزلية موريتانية للعمل في المملكة العربية السعودية، كبادرة شكر لنظام محمد ولد عبد العزيز لقطعه العلاقات مع الدوحة إثر أزمة الخليج.
اتفاقية ذهب بمقتضاها مئات النساء الموريتانيات إلى السعودية بهدف الحصول على عمل جيد وظروف أفضل وتحسين وضعهن المعيشي، غير أنهن صدمن بواقع “مرير” وفقا لعديد المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، ما دفع بالموريتانيين للخروج إلى الشارع للاحتجاج ومطالبة سلطات بلادهم بالتدخّل ووقف ما وصفوه بعملية “المتاجرة بالبشر” ووقف ارسال نساء بلادهم إلى السعودية.
“عبودية جديدة”
قبل يومين، خرج آلاف الموريتانيين إلى شوارع العاصمة نواكشوط لمطالبة السلطات الحاكمة بالكف عن إرسال النساء وخاصة عاملات المنازل من شريحة “الحراطين” (العبيد سابقا) إلى السعودية للعمل كخادمات هناك. وحذّر المحتجون مما وصفوه بـ “عبودية جديدة تحت ستار العمل المنزلي”، وما يصاحبها من انتهاك لحقوق النساء خاصة انهن سبق أن تعرضن للاسترقاق في موريتانيا، حسب قولهم.
وشارك في هذه المسيرة التي نظمت تحت شعار “أوقفوا المتاجرة بالنساء الحرطانيات في الخارج”، أحزاب وجمعيات حقوقية، قالت في بيانات منفصلة انها تشارك في المسيرة بهدف “دعم الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي والمساواة بين جميع المواطنين“.
هذه الاحتجاجات تأتي في سياق المطالب المستمرّة لوقف عمليات ارسال النساء الموريتانيات للعمل في السعودية
وقال منسق المسيرة محمد بيروك، إن “معاناة النساء اللاتي يتم تهجيرهن للعمل كخادمات في السعودية هي التي دفعت منظمي المسيرة إلى رفع شعار “أوقفوا المتاجرة بالنساء”، وأضاف في كلمته، أن “عاملات المنازل اللاتي يتم اختيارهن من شريحة الحراطين للعمل في الخارج وخاصة السعودية يتعرضن للاستغلال والضرب والإهانة“.
في سياق متّصل، حذر الأمين العام للكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا، الساموري ولد بي، من استمرار ما سماه المتاجرة بالبشر بين موريتانيا والسعودية. وأعلن في تصريح صحفي خلال مشاركته في مسيرات، الشغيلة الموريتانية أمس الثلاثاء، عن وجود سوق للمتاجرة بالبشر بين نواكشوط والرياض، لافتا ا أن آلاف الموريتانيات يتم بيعهم في السعودية.
مظاهرات في موريتانيا تحذر من تهجير “النساء” إلى السعودية
وفي وقت سابق، قال “ولد بي”، إن عملية المتاجرة شملت منذ العام 2015 نحو 20 ألفا من الحرطانيات، تم بيعهن للمملكة العربية السعودية مقابل 20 ألف ريال عن كل واحدة، وووصف ولد بي القضية حينها بأنها “بالغة الخطورة، وجريمة نكراء، وعمل بشع، وغير إنساني، ولا أخلاقي”، مشددا على أن الحكومة الموريتانية “تشرف بنفسها على حيثياته”.
يعيش الحراطين في أسف السلم الاجتماعي والاقتصادي ولا توجد إحصائيات موثقة حول توزيع السكان. ولكن المنظمات الحقوقية تقدر نسبة العبيد في المجتمع الموريتاني بين 10 إلى 20 % من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة.
معاملة لا إنسانية
هذه الاحتجاجات تأتي في سياق المطالب المستمرّة لوقف عمليات ارسال النساء الموريتانيات للعمل في السعودية التي ازدادت وتيرتها بعد توقيع البلدين لاتفاقية عمل لاستقدام العمالة المنزلية الموريتانية لتلبية الطلب المتزايد في المملكة من هذه الفئة.
ورغم التزام السلطات السعودية، بحماية حقوق العمالة المنزلية الموريتانية في المملكة، فإن الواقع عكس ذلك، فقد كشفت تقارير إعلامية وحقوقية عن معاملة السعوديين للموريتانيات “معاملة سيئة”، وتشير هذه التقارير إلى أن مئات النساء يذهبن من موريتانيا إلى السعودية بهدف الحصول على عمل جيد وظروف أفضل، “فيلاقين أشد الأهوال والاستغلال الجسدي والنفسي، ما أدى إلى وفاة العديد منهن”.
ما يتعرّض له نسوة موريتانية في السعودية يؤكّد تواصل ظاهرة العبودية في السعودية
وخلال مسيرة الاثنين، تحدث ولد محمد العبد منسق ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، عن المتاجرة بالفتيات الموريتانيات في الخارج، مؤكدا “أنهن يرسلن إلى المملكة العربية السعودية بدون ضمانات قانونية، وأنهن يعملن طيلة الوقت ويرعين الأغنام ويخدمن في البيوت ويغتصبن، وتصادر جوازات سفرهن”.
ويقول موريتانيين إن ارسال هؤلاء الفتيات إلى السعودية تم باعتبار انتمائهن إلى فئة الحراطين، التي لها تاريخ طويل في التعرض للاستعباد والاستغلال، والتي تمثل قرابة نصف المجتمع، وينحدر هؤلاء البنات من عائلات تعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة. وسبق أن قدّمت رابطة النساء معيلات الأسر الموريتانية شكاوى لدى القضاء الموريتاني لوقف هذه الظاهرة ومحاسبة المتسببين فيها، غير أنه لم يحصل شيء من ذلك إلى الأن، بل زادت حدّتها وانتشرت أكثر.
تعامل عاملات المنازل في السعودية معاملة قاسية
يذكر أن العبودية محظورة رسمياً في موريتانيا منذ 1981، لكن البلاد ما تزال تشهد هذه الممارسة المذمومة. وفي 2015، تبنت موريتانيا قانونا جديد ينص على أن العبودية “جريمة ضد الإنسانية” تعاقب بالسجن حتى 20 عاماً. وأشار تقرير لمنظمة العفو الدولية نُشر في 21 آذار/ مارس الجاري إلى أن هناك نحو 43 ألف شخص كانوا يعيشون في عبودية في موريتانيا عام 2016.
تواصل ظاهرة العبودية في السعودية
ما يتعرّض له نسوة موريتانية في السعودية يؤكّد تواصل ظاهرة العبودية في السعودية، حيث تعامل الخادمات المنزليات معاملة غير انسانية ووحشية هناك مهما كان بلدها الأصلي، وكثيرا ما يلجأ أرباب العمل، أو ما يسمى في نظام العمل الخليجي بالكفيل، إلى استغلال حاجة النساء الماسة للعمل من أجل ممارسة شتى أصناف التعذيب في حقهن بهدف دفعهن لتنفيذ طلباتهم التي تكون مجحفة في بعض الأحيان.
وتندرج هذه الممارسات، وفقا لعديد التقارير الحقوقية، في إطار إشباع رغبات أرباب العمل السعوديين، وذلك من خلال استغلال العاملات اللاتي يعشن في الغالب في غربة بعيدا عن موطنهن. وكثيرا ما يحاول بعض النسوة الهرب إلى بلدانهم الأصلية لكن محاولاتهم تبوء بالفشل لأن “الكفيل” يحجز جواز سفرهم.