ترجمة وتحرير: نون بوست
بالنسبة للذين يريدون اكتشاف خطط التواطؤ التي تحيكها روسيا، فيجب أن يمعنوا النظر فيما حدث في صلب أسواق النفط العالمية خلال السنة والنصف الماضية. في أواخر سنة 2016، تآمرت روسيا مع المملكة العربية السعودية لخفض العرض ورفع أسعار النفط. وبالتعاون مع بقية دول الأوبك، حققت كل من موسكو والرياض نجاحا مذهلا، حيث ارتفعت أسعار النفط، التي انخفضت إلى أقل من 30 دولار للبرميل الواحد، بشكل مطرد في أعقاب الاتفاقية السعودية الروسية لتخفيض الإنتاج. وقد وصلت الأسعار، في الفترة الأخيرة، إلى حدود 70 دولارًا للبرميل الواحد.
لكن قد يسوء الوضع أكثر في المستقبل. ففي خضم رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن المملكة تهدف إلى توسيع مخططها للتحكم في الأسعار بالتعاون مع روسيا لمدة 10 إلى 20 سنة أخرى. وقد أكد وزير النفط السعودي أن منظمة الأوبك وروسيا سيواصلان اتباع سياسة تضييق الخناق التي يشنانها على سوق النفط العالمية، على الرغم من أنهما نجحا بالفعل في التخلص من الفائض في مخزونات النفط الخام العالمية.
من جانب آخر، تحدّث المسؤولون السعوديون، قبل بضعة أشهر، عن سقف الأسعار الذي يهدفون إلى الوصول إليه والذي يبلغ 70 دولارا. ولكن، وفي الوقت الراهن، باتوا يسعون إلى الوصول إلى 80 دولارًا، في ظل وجود الكثير من الشائعات التي تتحدث عن إمكانية عودة سعر برميل النفط إلى حدود 100 دولار. وفي الواقع، كان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقف مغاير في هذا الصدد.
من المؤكد أن أكبر هاجس بالنسبة لترامب يتمثل في التأثير الاقتصادي الذي سيحدثه ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين الأمريكيين
فبينما كان السعوديون يستضيفون أوبك والروس بصدد المشاركة في اجتماع عقد هذا الشهر ليعبروا فيه عن إعجابهم بالإنجازات التي حققوها من خلال التلاعب بسوق النفط العالمي، نشر الرئيس الأمريكي تغريدة تحذيرية عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا: “يبدو أن أوبك تعمل على اتخاذ الخطوات ذاتها مرة أخرى” ، في إشارة إلى عمل هذه المنظمة على تضخيم الأسعار بشكل متعمد. وأضاف ترامب: “هذا الأمر ليس جيدا ولن نتقبله”.
ينبئني حدسي أن الرئيس يعتزم القيام برد فعل إزاء هذا الشأن. ففي حين قد تستفيد صناعة النفط في الولايات المتحدة من ارتفاع الأسعار بشكل مطرد، لكن قد يضر ذلك بمصالح أمريكية مهمة أخرى. ومن المؤكد أن هذه المصالح تستحق الأخذ بعين الاعتبار نظرا لأنها تتعلق بالاستراتيجيات المتبعة لمعالجة أوجه قصور الاقتصاد الأمريكي.
الإضرار بالمستهلكين في الولايات المتحدة
من المؤكد أن أكبر هاجس بالنسبة لترامب يتمثل في التأثير الاقتصادي الذي سيحدثه ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين الأمريكيين. ففي الأغلب، سيضطر صاحبو السيارات، هذا الصيف، إلى دفع مبلغ أكبر، أكثر من أي وقت مضى منذ سنة 2014، مقابل شراء غالون من البنزين. وتشير التقديرات إلى أنه في المتوسط، ستنفق الأسر الأمريكية 400 دولار أكثر مما كانت تنفقه في السنتين الفارطتين، من أجل شراء الوقود خلال سنة 2018. وقد يؤدي ذلك إلى تداعي الآثار الإيجابية التي أحدثتها التخفيضات الضريبية الأخيرة التي سنّها ترامب، بل وحتى إلغاء الفوائد التي قدّمها للأسر منخفضة الدخل بشكل كامل.
من المرجح أن هناك طريقة ما يمكن من خلالها أن تساعد الأسعار المرتفعة للنفط في تعزيز قطاع الطاقة دون الإضرار بالإنفاق الاستهلاكي. ولكن تغريدة ترامب التي نشرها بتاريخ 20 من نيسان/ أبريل تشير بوضوح إلى أنه لا يثق في أن السعوديين ولا في الروس أيضا، بشأن قدرتهم على تسيير الأمور بشكل يحافظ على سلامة الاقتصاد الأمريكي، وهو محق على الأرجح في ذلك.
يشكل توقيت الرسائل التي وجهتها السعودية بشأن رفع الأسعار مبعثا لمشكلة كبيرة
دعم روسيا وإيران
تشكل التأثيرات الجيوسياسية لارتفاع الأسعار مصدر قلق. وفي حين أن الأمر قد يبدو للوهلة الأولى بسيطا للغاية، ولكن فكرة اتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي، في نهاية المطاف، إلى تعزيز قوة الاقتصادات المعتمدة على النفط لكل من روسيا وإيران، اللتان تعتبران من أخطر الأعداء الدوليين للولايات المتحدة، تعد مثيرة للقلق بشكل كبير. من الصعب اعتبار المخطط الذي تحيكه كل من موسكو والرياض غير مؤذ، خاصة وأنه سيؤمن المزيد من الدخل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، اللذان سيستخدمانه من أجل تهديد مصالح الولايات المتحدة الحيوية.
الغريب في الأمر أن هذه الخطة تنبثق انطلاقا من نظام سعودي يدعي أنه إذا لم يتم كبح جماح طموحات المرشد الأعلى الإيراني، فسيصبح أكثر خطورة من أدولف هتلر. حتى إذا لم نبالغ في تقدير خطورة الوضع وفقا لما ذكر آنفا، يعد المشروع طويل المدى الذي وضعته إيران الرامي إلى زعزعة استقرار المنطقة والإطاحة بآل سعود، أمرا فعليا وقضية ملحة. ويتجلى ذلك من خلال حقيقة أن الإيرانيين هم من يقفون وراء تأمين أكثر من 100 صاروخ للحوثيين في اليمن، الذين أطلقوها على المدن والمنشآت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية.
تجدر الإشارة إلى أن القوات العسكرية الروسية سرعان ما انضمت إلى تحالف مدمر مع الحرس الثوري الإيراني في سوريا بهدف دعم نظام بشار الأسد، في خضم عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها، فضلا عن قتل مئات الآلاف من أنصار المذهب السني الذي تتبناه السعودية، ومساعدة إيران على السيطرة على المشرق.
زعزعة أسواق النفط
على مستوى تكتيكي أكثر، يشكل توقيت الرسائل التي وجهتها السعودية بشأن رفع الأسعار مبعثا لمشكلة كبيرة. فليس سرا أنه في الفترة التي سبقت قرار ترامب، الذي أصدره يوم 12 آيار/ مايو، حول الاتفاق النووي الإيراني، كان السعوديون يدعون إلى التخلي عن الصفقة وإعادة فرض عقوبات أمريكية قوية على إيران. ويحيل ذلك إلى أن آل سعود كانوا يستهدفون صادرات النفط الإيرانية ويرغبون في التخلص من واحد إلى مليوني برميل من النفط الخام من الأسواق الدولية في وقت قصير.
اعتقد آل سعود أن ارتفاع الأسعار سيساعد في تمويل مبادرات محمد بن سلمان الطموحة لتحديث الاقتصاد، وضمان حصوله على تقييم جيد للعروض العامة لشركة أرامكو في قادم الأيام
من المرجح أن يحاول معارضو مثل هذه الخطوة ردع الإدارة السعودية من خلال تحذيرها من أن ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار وانكماش في الاقتصاد العالمي. بناء على ذلك، يعد الوقت مناسبا حتى تستعين الولايات المتحدة بالسعوديين لخلق قدر من الاستقرار في الأسواق وطمأنة الجميع من خلال التأكيد على أن الرياض تتمتع بالتصميم والقدرة على تغطية أي خسارة للصادرات الإيرانية. بدلا من ذلك، يواصل كبار المسؤولين في المملكة التفوه بالحماقات حول مزايا تضييق الخناق أكثر على الأسواق. ومن المحتمل أن لا يستحسن الرئيس الأمريكي هذه الأفكار، ويعتبرها ضربا من الغباء.
تقويض الإصلاحات السعودية
من المنطقي أن ينجذب السعوديون إلى صفقة تعد بإحياء نفوذهم في السوق على مستوى أسعار النفط. يعتقد آل سعود أن ارتفاع الأسعار سيساعد في تمويل مبادرات محمد بن سلمان الطموحة لتحديث الاقتصاد، وضمان حصوله على تقييم جيد للعروض العامة لشركة أرامكو في قادم الأيام. فضلا عن ذلك، سيساهم هذا الأمر في تمويل التكاليف المتنامية للحرب التي يخوضها في اليمن.
من جهة أولى، وعلى الرغم من أنني أدعم الإصلاحات الداخلية الشاملة التي يجريها محمد بن سلمان، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن عملية إحداث هذه التغييرات التاريخية تتطلب الكثير من المال. نتيجة لذلك، قد يؤدي انهيار أسعار النفط بصفة كاملة إلى تقويض هذه العملية بشكل خطير. ومن جهة ثانية، يوجد ارتباط وثيق بين احتمال انخفاض أسعار النفط ورؤية 2030 التي وضعها محمد بن سلمان. وقد اتخذ ولي العهد كل هذه الخطوات لأنه يؤمن بأن غياب الإصلاح الجذري والتنويع الاقتصادي يشكل خطرا شديدا على آل سعود، وقد يؤدي ذلك إلى نهايتهم.
الجدير بالذكر أن الضغط الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط يعد المحرك الرئيسي لمسار هذا التحديث الشامل في المقام الأول. في حال خفف التحالف السعودي الروسي من حدة هذه الضغوط، وصبغ الحجة القائلة بأن نموذج الدولة الريعية القديم لا يزال قابلاً للتطبيق بحلة جديدة، فإن ذلك قد يقوض الحاجة للإصلاح.
حان الوقت لأن يركز جدول أعمال الرئيس ترامب مع السعوديين على أهداف أخرى لا تشمل السعي لبيع كميات ضخمة من الأسلحة المتطورة إلى السعوديين، التي لا يحتاجونها ولا يستطيعون استخدامها بفعالية
سياسة الولايات المتحدة
في الواقع من الصعب أن نرى كيف أن التوصل إلى اتفاق، يمنح بوتين وروسيا نفوذاً أكبر على أسواق النفط العالمية، سيخدم مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل. وقد كان ترامب محقا عندما أثار هذه القضية من خلال إحدى التغريدات التي نشرها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تثير إدارته هذه المسألة مع السعوديين منذ اليوم الأول لتوليها السلطة.
كان محمد بن سلمان في أمس الحاجة لمساعدة الولايات المتحدة في التصدي للتهديد الذي تشكله طهران على مصالحه في الخارج، وتحديث اقتصاد البلاد في الداخل، وإضفاء الشرعية على مساعيه للتمتع بسلطة مطلقة في صلب العائلة المالكة. مقابل هذه المساعدة، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط باستمرار على السعوديين من أجل تنفيذ مطالبها، التي تشمل محاربة أيديولوجية الجهاد، واحتواء العدوان الإيراني وعدم التواطؤ مع بوتين من أجل تنفيذ مخطط للتلاعب بأسواق النفط العالمية.
لقد حان الوقت لأن يركز جدول أعمال الرئيس مع السعوديين على أهداف أخرى لا تشمل السعي لبيع كميات ضخمة من الأسلحة المتطورة إلى السعوديين، التي لا يحتاجونها ولا يستطيعون استخدامها بفعالية. وبغض النظر عن سياق العلاقات الثنائية الأمريكية السعودية، يجب على واشنطن بالطبع أن تتبع استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الأمن في مجال الطاقة في البلاد.
من المنطقي تحفيز وتوسيع الطفرة النفطية الحالية، لكن الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى مبادرة استراتيجيةٍ لتقليص استمرار سيطرة النفط على قطاع النقل. بعبارة أخرى، يجب على الولايات المتحدة تشجيع صناعات الوقود البديلة المتاحة بسهولة، التي يمكن أن تنافس البنزين الذي يمثل طاقة كهربائية، وأيضا الإيثانول الذي يمكن أن تحصل عليه من إمدادات الغاز الطبيعي، والذرة، والنفايات الزراعية، التي تملكها. وبالتالي، يعد انخفاض قيمة النفط وتقليص الدور الذي يلعبه على مستوى اقتصاد العالم الحر من أفضل الطرق للتعامل مع المخاطر التي يشكلها التواطؤ السعودي الروسي.
المصدر: فورين بوليسي