ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما كان آلاف المتظاهرين يتجمّعون خارج مبنى الكابيتول، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابًا أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي وأمضى جزءًا كبيرًا من خطابه الذي استمر لمدة ساعة كاملة في مهاجمة حركة الاحتجاج الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين بالشتائم والتضليل. هاجم رئيس الوزراء المحتجين في الحرم الجامعي وساوى بطريقة زائفة بين الطلاب الذين يطالبون جامعاتهم بسحب الاستثمارات من إسرائيل والهجمات المعادية للسامية، ومضى في إهانة معرفة المحتجين الجغرافية والتاريخية بالمنطقة، في إشارة إلى شعار “من النهر إلى البحر” الذي رفعته الاحتجاجات.
على نطاق أوسع، ادعى نتنياهو أن الحركات المنادية بتحرير فلسطين اختارت “الوقوف مع الشر… بالوقوف مع حماس”. وادعى أيضًا أن الحركة المؤيدة للفلسطينيين ممولة من الحكومة الإيرانية، واصفًا المتظاهرين بـ”الحمقى المفيدين لإيران” دون أن يقدم أي دليل يثبت ادعاءه.
لقي ادعاء التمويل الإيراني تصفيقًا حارًا من قبل العديد من أعضاء الكونغرس الذين حضروا الخطاب، ولكنه قوبل أيضًا ببعض “الاستهجان”. من المرجح أن يكون هذا التعليق نابعًا من بيان صدر في وقت سابق من هذا الشهر عن رئيسة الاستخبارات الوطنية في البيت الأبيض، أفريل هينز، التي قالت إنهم وجدوا “جهات فاعلة مرتبطة بالحكومة الإيرانية تتظاهر بأنها ناشطة على الإنترنت، وتسعى لتشجيع الاحتجاجات، بل وتقدم الدعم المالي للمتظاهرين”. وفي نفس البيان، أوضحت هينز أن الأمريكيين الذين يتظاهرون يعبرون عن رأيهم بشأن غزة “بحسن نية” وأن “معلومات مكتبها الاستخباراتية لا تشير إلى خلاف ذلك”.
كشف عدد من التقارير الإعلامية في الأشهر الأخيرة أن حكومة نتنياهو تدير حملة تأثير مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف إلى حد كبير أعضاء الكونغرس من ذوي البشرة السمراء من أجل حشد الدعم لحربها على غزة. أما بالنسبة للمتضامنين مع فلسطين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الإسرائيلية، كانت هجمات نتنياهو بمثابة تأكيد على قوة حركتهم.
مثول نتنياهو أمام الكونغرس أثار جدلًا كبيرًا بين المشرعين الديمقراطيين وانتقادًا من مختلف الأطياف السياسية في الحزب، بدءًا من النائب نانسي بيلوسي التي قالت إن الدعوة كانت خطأ
قال بنجامين كيرستن، عضو منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، الذي شارك في التجمع خارج مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة يوم الأربعاء، وكذلك في الاعتصام الذي سبق ذلك بيوم واحد في القاعة المستديرة في الكابيتول، إن الخطاب كان “محاولةً لنزع الشرعية عن حركة اجتماعية قوية وواضحة”. وأضاف أنه “أيضًا تشتيت للانتباه بعيدًا عما يجب التركيز عليه، وهو أن أكثر من 39 ألف شخص، وأكثر من 14 ألف طفل، قُتلوا على يد الحكومة والجيش الإسرائيليين، باستخدام الأسلحة والتمويل الكبيرين من الولايات المتحدة”.
وكان أحد المطالب الرئيسية للاحتجاجات في محيط مبنى الكابيتول خلال زيارة نتنياهو فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 12 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، مما يعني أن الولايات المتحدة قد ساهمت بأكثر من 141 مليار دولار من الأسلحة للحكومة الإسرائيلية منذ قيام الدولة في سنة 1948.
خلال خطابه، ناشد نتنياهو المشرعين للإسراع في تقديم المساعدات العسكرية واستشهد بنداء رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل الذي وجهه إلى الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية: “أعطونا الأدوات، وسننهي المهمة”. وقال أيضًا إن إرسال المزيد من الأسلحة “سيساعد في إبقاء الجنود الأمريكيين بعيدًا عن المعركة”، على الرغم من أن الجنود الأمريكيين في المنطقة كانوا مستعدين للانتشار في غزة، وقد لقوا حتفهم في هجمات مرتبطة بالحرب الجارية، وكانوا يدافعون بنشاط عن الأهداف الإسرائيلية من الهجوم.
مثول نتنياهو أمام الكونغرس أثار جدلًا كبيرًا بين المشرعين الديمقراطيين وانتقادًا من مختلف الأطياف السياسية في الحزب، بدءًا من النائب نانسي بيلوسي التي قالت إن الدعوة كانت خطأ، إلى السيناتور بيرني ساندرز الذي قال إن إسرائيل “داست على القانون الدولي والقانون الأمريكي والقيم الإنسانية الأساسية” في حربها على غزة. وقد قاطع أكثر من 50 نائبًا ديمقراطيًا الخطاب احتجاجًا على ذلك.
حضرت النائب رشيدة طليب، الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس وأشد المعارضين لهذا الحدث، الخطاب وكانت ترتدي كوفية ملفوفة حول عنقها وتحمل لافتة كتب عليها “مجرم حرب”. وكان ضيفها هاني المدهون، وهو فلسطيني أمريكي ومدير الأعمال الخيرية في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي قالت طليب إنه فقد “أكثر من 150 فردًا من عائلته الممتدة في الإبادة الجماعية التي ارتكبها نتنياهو”.
رفض نتنياهو في الكونغرس صراحةً دعوى المحكمة الجنائية الدولية ضده، ودافع عن سجل حكومته في إيصال المساعدات إلى غزة وتجنب سقوط قتلى من المدنيين
لكن التصفيق الصاخب كان في انتظار نتنياهو أثناء دخوله إلى قاعة مجلس النواب، واستمر التصفيق لأكثر من خمس دقائق”، وتصاعد التصفيق بعد أن أهان المحتجين خارج مبنى الكابيتول، وارتفعت هتافات “الولايات المتحدة الأمريكية” بعد أن أشاد نتنياهو بأعضاء رابطة طلابية في جامعة نورث كارولينا الذين اشتهروا على نطاق واسع بسبب منعهم العلم الأمريكي من لمس الأرض خلال احتجاجات الحرم الجامعي في أيار/مايو. كما تم تكريم أعضاء الرابطة الأسبوع الماضي في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.
طوال خطابه، خصّ نتنياهو الضيوف الحاضرين بالثناء، وقد تم تسليط الضوء مرارًا على جنود الجيش الإسرائيلي في تصريحاته، بما في ذلك جندي هاجر إلى إسرائيل من إثيوبيا، وعدة جنود آخرين واصلوا القتال رغم الإصابات وتفاخروا بسجلهم في قتل “العديد من الإرهابيين”. وكان من بين الحاضرين في قاعة مجلس النواب أيضاً نوا أرغاماني، التي كانت من بين أربعة رهائن إسرائيليين اختطفتهم حماس وتم تحريرهم خلال عملية للجيش الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين في غزة في أوائل حزيران/يونيو. وقال مسؤولون في غزة إن أكثر من 200 فلسطيني قُتلوا خلال الغارة من بينهم أطفال بالإضافة إلى بعض الرهائن.
أعربت بعض عائلات الرهائن عن امتعاضها من خطاب نتنياهو، وانتقدت رغبته في إطالة أمد التوغل في غزة، الذي يقولون إنه يهدد سلامة الرهائن. احتجزت شرطة الكابيتول ستة أشخاص على الأقل من الضيوف الذين حضروا الخطاب بسبب رفعهم لافتات أثناء التصفيق الحار مكتوب عليها “اعقد الصفقة الآن”، في إشارة إلى وقف إطلاق النار وإبرام اتفاق لتحرير الرهائن المتبقين، وفقًا لموقع أكسيوس.
كان من بين المعتقلين كارميت بالتي كاتزير، وهي مواطنة إسرائيلية قُتل والدها وشقيقها بينما كانا محتجزين في أسر حماس، وذلك وفقًا لصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرتها وهي ترتدي قميصًا يحمل عبارة “اعقد الصفقة الآن”. وتجمّع أفراد آخرون من عائلات الرهائن المنتقدين لنتنياهو في تجمع حاشد في وسط العاصمة الأمريكية واشنطن، معتبرين أن أقاربهم يدفعون ثمن حربه.
يأمل منظمو الاحتجاجات أن يحوّلوا التركيز من الجهات الفاعلة الفردية، مثل نتنياهو، إلى الكارثة الأوسع نطاقاً المتمثلة في إبادة إسرائيل للفلسطينيين والحرب على غزة
كان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد طلب في أيار/مايو الماضي إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وعضو حكومته ووزير دفاعه يوآف غالانت، وذلك على خلفية سلسلة من جرائم الحرب، بما في ذلك تجويع المدنيين الفلسطينيين في غزة واستهداف المدنيين في هجماته العسكرية. ولم توافق المحكمة الجنائية الدولية بعد على مذكرات التوقيف التي من شأنها أن تقيد سفر السياسيين إلى عشرات الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الذي يحكم إنفاذ قانون جرائم الحرب.
رفض نتنياهو في الكونغرس صراحةً دعوى المحكمة الجنائية الدولية ضده، ودافع عن سجل حكومته في إيصال المساعدات إلى غزة وتجنب سقوط قتلى من المدنيين. وقال نتنياهو: “تحاول المحكمة الجنائية الدولية تكبيل أيدي إسرائيل ومنعنا من الدفاع عن أنفسنا”، قبل أن يربط ذلك بالولايات المتحدة التي، مثل إسرائيل، ليست طرفًا في نظام روما الأساسي. وأضاف: “إذا كانت أيدي إسرائيل مكبلة، فإن أمريكا هي التالية”.
يأمل منظمو الاحتجاجات أن يحوّلوا التركيز من الجهات الفاعلة الفردية، مثل نتنياهو، إلى الكارثة الأوسع نطاقاً المتمثلة في إبادة إسرائيل للفلسطينيين والحرب على غزة. يوم الجمعة الماضي، حكمت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، بأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية غير قانوني ومليء بانتهاكات جرائم الحرب ويرقى إلى الفصل العنصري، وتنظر محكمة العدل الدولية في قضية منفصلة فيما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وقال كيرستن، منظم حملة “الصوت اليهودي من أجل السلام”: “بصفتنا دافعي ضرائب أمريكيين، نحن نفهم أن نتنياهو ليس السبب – فهذه ليست حرب نتنياهو – ولكنه في الحقيقة أحد أعراض مشكلة أكبر تتمثل في الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري والإبادة الجماعية الجارية الآن، والتي تُنفذ بأسلحة أمريكية وبدعم من الحكومة الأمريكية. ويعتقد كيرستن أن المشرعين الأمريكيين مخطئون في إلقاء اللوم على نتنياهو لأن “هذا يسمح بانتقاد نتنياهو دون تغيير في السياسة، أو تغيير في السلوك”.
المصدر: إنترسبت