ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما يركز العالم على الجوانب السياسية والعسكرية للحرب في غزة، غالبًا ما يتم تجاهل الحقائق اليومية التي تواجهها النساء. تتحمل المرأة في غزة أعباءً ثقيلة ويظهرن قدرة كبيرة على الصمود في وجه الحقائق القاسية لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل.
في شهر نيسان/ أبريل، أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أحدث تحذيراتها بشأن النساء في غزة، مسلطةً الضوء على التأثير العميق للحرب الجارية. فبعد ستة أشهر من بدء الحرب، فقدت ما لا يقل عن 10 آلاف امرأة فلسطينية في غزة حياتهن، بما في ذلك حوالي 6 آلاف أم، ما ترك 19 ألف طفل دون آباء.
وتواجه النساء الناجيات النزوح والترمّل ونقصًا حادًا في الغذاء بسبب الغارات الجويّة الإسرائيلية والعمليات البريّة. ويوضّح هذا التأثير الكارثي التكلفة غير المتناسبة التي تكبدتها نساء غزة بسبب الحرب. ومع استمرار الحرب في إعادة تشكيل الأدوار الجنسانية التقليدية، فإن قوة ومثابرة هاته النساء سيكون لهما بلا شك تأثيرات طويلة الأمد على ديناميكيات غزة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.
وتسلط قصص كل من لينا الشنطي وسلوى محمد وهالة ونداء الحميدات الضوء على مدى مرونة نساء غزة وقدرتهن المذهلة على التكيف أثناء الحرب. فمع اضطرارهن إلى تولي أدوار ومسؤوليات جديدة، تساهم هاته النساء بشكل كبير في أسرهن ومجتمعاتهن على الرغم من الصعوبات الهائلة التي يواجهنها.
لينا
تجسد لينا الشنطي، معلمة اللغة الإنجليزية البالغة من العمر 33 سنة، التكيفات القصوى التي يجب على النساء في غزة تحملها. تعيش لينا في شقة مكتظة في خان يونس مع عائلتها الممتدة، بما في ذلك زوجها وابنتيها الصغيرتين، وتواجه صراعًا مستمرًا من أجل الخصوصية. وتشرح لينا قائلة: “تعين عليّ ارتداء الحجاب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لأن الغرف كانت مليئة بالرجال، وكان علينا أن نتشارك نفس المرحاض. لقد نسيت تقريبًا كيف أشعر بأنوثتي. لقد افتقدت رؤية شعري والاستحمام العادي بالماء الساخن النظيف”. وحتى عندما انتقلت عائلتها إلى شقة صغيرة أخرى متداعية في رفح، استمر كفاح لينا. وتتذكر قائلة “حتى في هذا المنزل، كان عليّ ارتداء الحجاب طوال اليوم لأن الوضع كان خطيرًا. كنت خائفة من أن أقتل في أي لحظة، وكانت معظم النوافذ غير مغطاة وفي حالة سيئة”. وهذه الحاجة المستمرة للتغطية، وخاصة في الحرارة الشديدة، تؤثر بشدة على راحتهن الشخصية ورفاهتهن.
مع استهداف إسرائيل للعديد من الرجال، أصبحت النساء المعيلات الأساسيات والحاميات لأسرهن. وتشارك لينا الصعوبات التي تواجهها في مسؤولياتها، حيث قالت “اعتمدت ابنتاي الصغيرتان، ماريا (4) أشهر، ولينا (سنتان) على الرضاعة الطبيعية وحليب الأطفال. كنت أقضي كل صباح في البحث عن الخشب لإشعاله بسبب نقص الغاز، فقط لغلي الماء لتطهير زجاجاتهن”.
وكان على لينا أن تتعلم مهارات يمارسها الرجال تقليديًا، مثل الوقوف في طوابير للحصول على الماء، غالبًا في ظروف خطيرة. وقالت: “كان علي أيضًا الوقوف في طوابير في أماكن بعيدة لملء زجاجات المياه الخاصة بي. وكان من الصعب للغاية رعاية طفلتي”. وكان زوجها خالد يبحث عن الطعام لساعات طويلة. وقالت لينا: “نظرا لأنني كنت أرضع طفلتي، كان علي أن أتناول طعامًا عالي الجودة، لكن حليبي تأثر بالتوتر والتأثيرات النفسية”، مما أضاف مستوى آخر من الصعوبة إلى وضعها الصعب بالفعل.
تعاني العديد من النساء والفتيات في غزة من الجوع الشديد بسبب نقص الوصول إلى الغذاء ومياه الشرب الآمنة والمراحيض العاملة والمياه الجارية مما يشكل مخاطر تهدد الحياة. وتعتبر المياه النظيفة ضرورية بشكل خاص للأمهات المرضعات والنساء الحوامل، اللاتي يحتجن إلى تناول كمية يومية متزايدة من الماء والسعرات الحرارية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري للنساء والفتيات الحفاظ على نظافتهن الشهرية باحترام وأمان.
وقعت المأساة على عائلة لينا في 22 تشرين الأول/ أكتوبر. وتروي لينا الحدث المروع قائلة “كنت جالسة مع أختي وأخي اللذين جاءا لزيارتنا. قضيت اليوم كله أفكر في ابنتي الصغيرة ماريا. وفي الليل، وقع انفجار عنيف بالقرب من منزلنا. وعندما استيقظت، كل ما كنت أفكر فيه هو “أين بناتي؟. قيل لي إن زوجي في العناية المركزة وقد يموت. قُتلت ابنتي الصغيرة ماريا في مهدها. أصيب أخي وأختي بحروق بليغة. وأدى فقدان ابنتي إلى توقف حياتي. فقدت كل شغف بالحياة”.
تطلبت إصابات لينا نفسها السفر إلى قطر لإجراء العمليات الجراحية. وقالت “أصبت بكسور في الحوض وبقيت في المستشفى الأوروبي لمدة شهرين، أعاني من نقص الغذاء الجيد والمرافق الصحية. لم يُسمح لزوجي بالسفر لأن الرجال غير مسموح لهم بالسفر. بعد ثلاثة أشهر، أتيحت لأختي وأمي فرصة السفر إلى مصر ثم قطر بالتنسيق مع وزارة الصحة. وأحضروا ابنتي معهم. كنت أسعد في تلك اللحظة، لكنني ما زلت أشعر بالضياع والانفصال، بعيدًا عن زوجي”.
سلوى
على الرغم من الصعوبات التي يواجهنها، تساهم النساء في غزة بشكل كبير في اقتصادهن المحلي ومرونة مجتمعهن من خلال العمل غير الرسمي وإدارة الموارد. تواصل سلوى محمد، وهي معلمة في مدرسةابتدائية تبلغ من العمر 39 سنة، تعليم أطفالها وأولئك في حيها على الرغم من الحرب. وقالت: “جزء من مسؤوليتي الاجتماعية هو مساعدة هؤلاء الأطفال الذين فقدوا حقهم في التعليم وتعرضوا لظروف غير إنسانية”.
وتوازن سلوى بين التدريس ومسؤوليات الأسرة مع الحد الأدنى من الموارد. وشرحت قائلة “في الصباح، أقوم بصنع الخبز وإعداد الطعام لعائلتي. وفي فترة ما بعد الظهر، أعتني بالطلاب، باستخدام أساليب التدريس التي تسليهم على الرغم من نقص الموارد. وألاحظ دائمًا مدى صدمة الطلاب نتيجة للحرب المستمرة في غزة من خلال ردودهم وتعليقاتهم في الفصل”.
كما تضطلع سلوى بدور حاسم في مجتمعها خارج الفصل الدراسي. وقالت “أعلم جيراني والنازحين في منزلي كيفية صنع الخبز وأقدم لهم الطعام كصدقة. ويتعين علينا أن نعتني ببعضنا البعض. إن الروابط التي نشكلها خلال هذه الأوقات من الأزمة حيوية لبقائنا”.
هالة
تكشف هالة (29 سنة) وهو اسم مستعار لامرأة أخرى فقدت زوجها، عن طبقة أخرى من الأعباء التي تتحملها النساء. وبعد الخسارة المأساوية، تحملت هالة، التي لا تزال محاصرة في الشمال، مسؤولية أطفالها. لقد تم إجلاؤها عدة مرات في غزة وقُتل زوجها، 33 سنة، في 30 حزيران/ يونيو في قصف عنيف على حي الزيتون. وقالت هالة: “كانت خسارة لا يمكن تصورها. لكن كان علي أن أظل قوية من أجل أطفالي الثلاثة. كانوا بحاجة إلى شخص يعتمدون عليه، وكان يجب أن أكون هذا الشخص”.
واجهت هالة، النازحة مع عائلتها الممتدة، تحدي رعاية الأطفال المصابين بصدمات نفسية أثناء التعامل مع حزنها. وتتذكر قائلة “انتقلنا إلى مأوى مكتظ حيث كانت الخصوصية معدومة. كان عليّ أن أتدبر أمر كل شيء، بدءا من البحث عن الطعام وصولا إلى تقديم الدعم العاطفي لأطفالي. وفي فترة ما بعد الظهر، كان عليّ أن أقف في طوابير فقط لانتظار المساعدات الغذائية وتلقي أي نوع من المساعدة من المؤسسات الخيرية، لأتمكن من إعالة أسرتي. إنه أمر مرهق. كما أصيب أطفالي بالتهاب الكبد بسبب المياه الملوثة، وكان عليّ أن أعتني بهم. من الصعب وصف القوة التي يتطلبها الأمر للحفاظ على كل شيء معًا عندما تنهار من الداخل”.
وتختتم هالة حديثها قائلة “لقد فقدت زوجي في سن مبكرة. لن أسامح إسرائيل أبدًا على قتله. يستحق أطفالي حياة سعيدة وكريمة مع والدهم. هذا ظلم كبير. العالم كله مسؤول عن هذا ويجب أن يفعل شيئًا لوقف هذه الإبادة الجماعية”.
نداء
نداء الحميدات (31 سنة) هي امرأة أخرى انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسبب الحرب. وهي أم لطفلين صغيرين، وكانت تعيش في حي الرمال في غزة قبل أن تجبرها الحرب على العيش في خيمة مشتركة مع 13 فردًا من الأسرة. وقالت نداء “لم أشعر طيلة حياتي بأنني أصبحت عجوزا إلى هذا الحد. كنت أعيش حياة مترفة، ولكن الآن تغير كل شيء في طرفة عين”. ومثل العديد من النساء في غزة، كان على نداء أن تتكيف مع حياة الندرة والصعوبات. وأوضحت قائلة “أستيقظ كل صباح لإعداد الخبز وإرسال أطفالي للبحث عن الحطب. كما أنتظر في طوابير حاملة العديد من الزجاجات للحصول على الماء. لقد فقد زوجي مصدر دخله. كان طبيب أسنان، لكنه الآن عاطل عن العمل”.
تعج حياة نداء اليومية بالمهام التي كانت لا تتخيلها في السابق: “أغسل الملابس يدويًا، وتؤلمني يداي كثيرًا، خاصة في الشتاء عندما يكون البرد قارسا. أبكي كل ليلة متمنية أن ينتهي هذا الكابوس. نحن نفتقر إلى منتجات النظافة، وأحيانًا أضطر إلى الذهاب إلى مستشفى قريب أو البحث عن منزل أحد الأصدقاء للاستحمام وتحميم أطفالي”.
وتابعت قائلة “تفاقم وضع أسرتها عندما تُرِك والدها نبيل (63 سنة)، المشلول وغير القادر على الفرار، في مستشفى الشفاء حيث توفي بسبب نقص الرعاية الطبية. وقد تدهورت حالته الصحية، واحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، لكن جميع المستشفيات لم تكن تعمل في ذلك الوقت”.
واجه شقيق نداء، طارق، وعائلته مصيرًا مأساويًا عندما انتقلوا إلى أرض بالقرب من مركز تدريب خان يونس قبل أيام قليلة من سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة. وقالت نداء: “لقد صدمنا مما رأيناه. لم أستطع التوقف عن الارتعاش. انقلبت سيارته رأسًا على عقب، واضطررنا إلى الحفر عميقًا. تعرفنا على طارق من ملابسه وكان جسده متحللًا. كانت أصعب لحظة في حياتي”.
وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، تظل نداء قوية وتستمر في الوفاء بمسؤولياتها. وتختتم حديثها قائلة “لن يفهم أحد أبدًا ما يعنيه أن تعيش امرأة في الحرب سوانا. إنها تجربة مؤلمة للغاية. أفتقد حقًا الشعور بأنني امرأة كما كنت من قبل”.
المصدر: موندويس