بعد أقل من عامين من عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أعادت المملكة المغربية أمس الثلاثاء قطع علاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب “تورط” حزب الله اللبناني في إرسال أسلحة إلى جبهة البوليساريو الانفصالية عن طريق “عنصر” في السفارة الإيرانية بالجزائر، حسب قول الخارجية المغربية. غير أن عديد الخبراء يرجعون هذا القرار إلى أسباب أخرى أيضا.
تحركات خطيرة
هذا القرار، جاء “ردا على تورط إيران عن طريق حزب الله في تحالف مع البوليساريو يستهدف أمن المغرب ومصالحه العليا، منذ سنتين وبناء على حجج دامغة”، حسب ما صرّح به وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أثناء لقاء صحافي بالرباط قادما من طهران حيث أبلغ نظيره الإيراني جواد ظريف قرار المملكة.
وأوضح الوزير المغربي: “لدينا أدلة ومعطيات وتواريخ تظهر تورط عنصر واحد على الأقل بالسفارة الإيرانية في الجزائر في تنظيم كل هذه العمليات على مدى عامين على الأقل”. وكشف أن هذه العلاقة بدأت عام 2016 حين تشكلت لجنة لدعم الشعب الصحراوي في لبنان برعاية حزب الله، تبعها “زيارة وفد عسكري من حزب الله إلى تندوف” في إشارة إلى مخيمات جبهة البوليساريو في الجزائر.
كان المغرب قطع في مارس/ آذار 2009، علاقاته الدبلوماسية مع إيران، قبل أن تعود مجددا في أكتوبر/تشرين الأول 2016
وحسب وزير الخارجية المغربي، فإن “نقطة التحول كانت في 12 آذار/مارس 2017 حين اعتقل في مطار الدار البيضاء قاسم محمد تاج الدين بناء على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة تتهمه بتبييض الأموال والإرهاب، وهو أحد كبار مسؤولي مالية حزب الله في إفريقيا“.
وتابع بوريطة: “بدأ حزب الله يهدد بالثأر بسبب هذا الاعتقال وأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب”. وأكد “إرسال صواريخ سام 9 وسام 11 أخيرا إلى بوليساريو”.
وكان المغرب قطع في مارس/ آذار 2009، علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بسبب احتجاجه على تصريحات اعتبرها “غير مقبولة”، إثر تضامنه مع البحرين، قبل أن تعود العلاقات في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بتعيين سفراء البلدين، لكنها لم تكن قوية مطلقا في ظل مساندة الرباط للسعودية خصم طهران اللدود.
مساس خطير بالمصالح المغربية
خبراء اعتبروا القرار المغربي قرارا صارما، ذلك أن قطع العلاقات إجراء خطير في العلاقات الدبلوماسية بين الدول. الخبير السياسي المغربي رشيد لزرق قال في تصريح لنون بوست في هذا الشأن، “هذا القرار يدلّ على أن المغرب لها معلومات استخباراتية، في دعم حزب الله، لجبهة البوليساريو، في ظل أوضاع إقليمية ودولية حساسة، التي تعرفها قضية الصحراء.”
وأضاف في تصريحه لنون، بأن “اختيار الدبلوماسية المغربية المعروفة بصبرها وهدوئها، هذا القرار الحاسم تجاه إيران، يدل أن هناك مساس خطير بالمصالح المغربية، لهذا تم الرد عليها بإجراء الصرام هو قطع العلاقات الدبلوماسية بعد ظهور تسليح لجبهة البوليساريو ووجود تعاون عسكري إيراني جزائري”.
واعتبر لزرق، أن “هذه المعلومات تبنى على أساس نتائج مؤسسة الاستخباراتية، ومن الناحية العملية ممكن على اعتبار أن حزب الله اكتسب خبرة في حرب العصابات يمكن أن ينقلها إلى جبهة البوليساريو”.
تؤكّد المغرب دعم إيران لجبهة البوليساريو عن طريق حزب الله
وأشارت تقارير إعلامية مؤخرا إلى أن جبهة البوليساريو بدأت خطة “المظلة الصامدة” وهي حفر أنفاق في المنطقة العازلة بإشراف خبراء من حزب الله، وذلك تزامنا مع دخول ملف الصحراء جدول أعمال مجلس الأمن، مع اتهامات مباشرة بأن حزب الله لم يكن يفعل ذلك إلا بتوجيهات من إيران.
واتهم المغرب مؤخرًا جبهة البوليساريو بنقل مراكز عسكرية من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي (منطقة عازلة) للصحراء، واعتبر ذلك عملاً مؤديًا للحرب وخرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار يستهدف تغيير المعطيات والوضع القانوني والتاريخي على الأرض.
ويتضمن الاتفاق العسكري رقم 1 بين المغرب والأمم المتحدة 1991 مناطق ومراكز محددة بالصحراء مشمولة بالمراقبة والرصد، وتشمل نطاقين أحدهما شرق والآخر غرب الجدار الذي شيّده الجيش المغربي حول 80% من مناطق الصحراء المتنازع عليها، فيما بقيت 20% خارج الجدار اعتبرتها جبهة البوليساريو مناطقها وتصفها بـ”الأراضي المحررة”.
كسب دعم القوى الدولية والاقليمية
لئن نفى وزير الخارجية المغربي أن تكون للتطورات في الشرق الأوسط علاقة بالقرار الذي اتخذته المملكة، فإن عديد المؤشرات تؤكّد عكس ذلك، حيث أن المغرب يسعى لكسب دعم القوى العالمية والاقليمية لتقوية موقفه من قضية الصحراء الغربية.
وتعتبر الصحراء الغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، يسيطر المغرب على 80% منها ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية، وأقيم في الثمانينيات “جدار دفاعي” كما تسميه السلطات المغربية يبلغ طوله 2700 كيلومتر، ويقسم المستعمرة السابقة من الشمال إلى الجنوب.
يسعى المغرب من خلال هذا القرار إلى الظهور بمظهر حامي الإسلام السني في إفريقيا في وجه التمدّد الشيعي
ويؤكد المغرب أن الصحراء الغربية جزء من سيادته الترابية منذ خروج إسبانيا منها عام 1975، مستندًا إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، ويقترح إعطاء الأقاليم الصحراوية حكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية كحل للنزاع مع “البوليساريو”، وهو ما ترفضه الجبهة مطالبة باستفتاء بشأن تقرير المصير.
ويعمل المغرب حاليا على كسب كل النقاط التي من الممكن أن تدعم موقفه في قضيته الأولى، ويقول رشيد لزرق في هذا الشأن، ” توقيت اتخاذ هذا القرار، يؤكّد انخراط المغرب مع فرنسا وأمريكا ودول الخليج بما يخدم قضية الصحراء إبان التفاوض المباشر مع جبهة البوليساريو”، فالمغرب حسب لزرق “يعول على ضغط اللوبي الخليجي خاصة السعودية والامارات على الإدارة الأمريكية، وفق مقاربة برغماتية”.
وفي الـ 27 من شهر أبريل/نيسان الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو أطراف النزاع في الصحراء الغربية إلى “مفاوضات بدون شروط مسبقة”، ويمدد مهمة بعثة مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة بوليساريو ستة أشهر فقط. وتمت الموافقة على القرار بغالبية 12 صوتا وامتنعت ثلاث دول عن التصويت هي الصين وروسيا وإثيوبيا، متهمة الولايات المتحدة التي صاغت النص بأنها سرعت عملية التصويت بدون إعطاء وقت للمفاوضات.
التصدّي للخطر الشيعي في إفريقيا
إلى جانب كسب دعم القوى العالمية والإقليمية في خصوص قضية الصحراء الغربية، يسعى المغرب من خلال هذا القرار إلى الظهور بمظهر حامي الإسلام السني في إفريقيا في وجه التمدّد الشيعي الذي يمثّل خطرا حسب الدول الخليجية. ويسعى المغرب حسب لزرق إلى الحصول على موارد مالية من بلدان الخليج للعب هذا الدور، باعتبار المغرب هو المؤهل لمواجهة المد الشيعي، في القارة الإفريقية بالنظر إلى اعتبار الملك محمد السادس في المغرب من آل البيت وسبط الرسول عليه الصلاة والسلام.
وسبق أن كان عدداً من البلدان الإفريقية تابعة للتاج المغربي عندما كان المغرب إمبراطورية عظمى، ما يعني أن هناك جذوراً ثقافية ودينية لا تزال موجودة، والعديد من الأفارقة ينظرون إلى الملك المغربي على أنه أمير المؤمنين ليس داخل المغرب بل حتى بالنسبة لإفريقيا. ويهدّد النشاط الإيراني في المغرب استقرار البلاد، فالمد الشيعي استقطب آلاف المغاربة، واستوطن مدنا جديدة، حتى أن حيا بالبيضاء “حي سباتة” يوجد فيه 40 شيعيًا على الأقل، يعملون وفق أجندات إيرانية سياسيا وعقائديًا، بحسب صحف محلية مغربية.
يعتبر العاهل المغربي في المغرب ومعظم إفريقيا “أميرًا للمؤمنين”
وأكّدت هذه الصحف أن خطورة المد الشيعي تتمثل في لجوئهم إلى التقية لإخفاء معتقداتهم، بل يحرصون على الصلاة بالمساجد، ويتجنبون الخوض في النقاشات المذهبية أمام الملأ، لكنهم ينتظمون في جمعيات وهيئات، وأن نوعية معتنقي هذا المذهب في السنين الأخيرة تطورت بشكل كبير، منهم أطباء بالبيضاء ومهندسون من الرباط وتجار كبار في مراكش، علاوة على مدن طنجة ومكناس.