تونس: هل تخلى شباب الثورة عن الترشح للانتخابات ومعركة التغيير؟

نشرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس من خلال موقعها الرسمي مطلع هذا الأسبوع القائمات الرسمية النهائية للمترشحين لمختلف الدوائر البلدية بالبلاد التونسية، ويبلغ عدد المترشحين الاجمالي 53588 مترشحًا يتنافسون على 7177 مقعدا في المجالس البلدية المقبلة. وقد سبق أن أعلنت الجهة التنفيذية للانتخابات، وهي هيئة دستورية مستقلة منتخبة من البرلمان، أنها سجلت حضورا بارزا لأصحاب الاحتياجات الخصوصية من ضمن المترشحين وعددهم 1740 بنسبة مئوية تقدر ب3 %.
كما سجلت الهيئة حضورا ملفتا جدا للشباب التونسي الذي اكتسح القائمات المترشحة بنسبة تفوق الـ50%بمعدل أعمار أقل من 35٪ . وهذا يطرح التساؤل بخصوص طبيعة هذا الإقبال على الترشح خاصة أن الهيئة سجلت عزوفا منقطع النظير من الشباب التونسي على التسجيل في سجل الناخبين مطلع العام الحالي ما يكشف تناقضا في موقف عموم الشباب التونس من الانتخابات.
خُص الشباب التونسي في التشريع التونسي المنظم للحكم المحلي من خلال القانون الانتخابي ومن خلال ما يعرف بـ”مجلة الجماعات المحلية” التي صادق عليها البرلمان التونسي منذ أسبوع بمكانة مشجعة ودافعة لولوج دوائر الحكم والسلطة، فقد نص القانون الانتخابي على ضرورة أن يترشح شاب ضمن الثلاثة مترشحين الأوائل ومن بين كل ستة مترشحين تباعا في كل قائمة مترشحة شرط قبولها.
كما نصت “مجلة الجماعات المحلية” – النص المنظم لإدارة وتسيير الجماعات المحلية والجهوية- على أنه للشباب أولوية في رئاسة المجالس البلدية في صورة تساوي عدد الأصوات عند التئام المجلس البلدي المنتخب لأول مرة لانتخاب رئيس البلدية ونائبه عكس ما جرى عليه العرف القانوني الذي ينصف الأكبر سنا عند تساوي الأصوات في جميع العمليات الانتخابية. كما نصت نفس المجلة على وجوب إحداث لجان تُعنى بملف الشباب داخل المجالس البلدية ويشرف عليها مستشارون بلديون منتخبون.
الطلبة والمعطلون حاضرون بقوة
رغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في تونس والذي ألقى بظلاله على فئات اجتماعية ذات حجم هام كالطلبة وأصحاب الشهادات الجامعية المعطلين عن العمل بسبب أزمة البطالة الخانقة في البلاد وما أنتجه ذلك من احتقان اجتماعي كبير تجلى من خلال الإضرابات والاعتصامات، وما يفرضه ذلك من نفور من الطبقة السياسية ومن العمل للصالح العام، إلا أن هذين الأخيرين فاجئا المراقبين للساحة السياسية في تونس عبر إقبالهما الملحوظ على التواجد ضمن القائمات المترشحة. وهذا ما يكشف بدوره وعيا سياسيا عميقا لدى نخبة تونس المستقبلية وإيمانا منها بأن الأمل في التغيير مازال قائما رغم المطبات والأزمات المتصاعدة.
لا يختلف اثنان في كون العنصر الشبابي مثل في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ تونس محركا أساسيا مهد لقيام جمهورية ثانية
محافظتا القصرين وسيدي بوزيد في الوسط الغربي للبلاد، وهما من المدن الأولى التي شهدت اندلاع الثورة سنة 2011 عرفتا إقبالا كثيفا من المعطلين عن العمل من خريجي الجامعة كما من الطلبة على الترشح لخوض سباق البلديات في كل الدوائر البلدية بالمحافظتين ولم تقتصر هذه المشاركة على قائمات مستقلة يمكننا القول بأنها كانت خيارا سياسيا استراتيجيا لهؤلاء يقطع مع التحزب بل امتدت لقائمات حزبية وائتلافية ذات توجهات سياسية وأيديولوجية متنوعة من ضمنها الحزبين الحاكمين (نداء تونس وحركة النهضة) وهذا ما يكشف بدوره أن المساعي الحثيثة التي انتهجها كثيرون من المشككين في المسار الانتقالي الديمقراطي في تونس عبر بث رسائل سلبية في الأوساط الشبابية تحط من شأن الساسة والعمل السياسي طوال السنوات الأخيرة قد باءت بالفشل.
شباب الثورة .. أمل فخيبة
لا يختلف اثنان في كون العنصر الشبابي مثل في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ تونس محركا أساسيا مهد لقيام جمهورية ثانية بعد ثورة 17-14 والتي كان للشباب الدور الكبير في اندلاعها والمشاركة في أحداثها وتطوراتها. وقد صنعت الثورة من الكثير من شباب تونسي رموزا وأيقونات عرفهم العالم عبر الشاشات وعرفهم محيطهم المضيق إبان الثورة منادين بالحرية والديمقراطية ومطالبين بإسقاط النظام وتشريك الشباب في الحكم عكس ما دأب عليه نظام بن علي السلطوي المستبد.
وبعد حوالي ثماني سنوات من الثورة وقبيل أول انتخابات بلدية ديمقراطية في تاريخ البلاد لم يعكس إقبال جزء كبير من شباب الثورة التونسية على الترشح للحكم المحلي في تونس ما كانوا يطالبون به ويطمحون إليه حيث صعد أغلبهم على الربوة للمشاهدة من بعيد تاركين الساحة لآخرين من الجيل الثاني للثورة وذلك لأسباب يمكن تفسيرها بالصورة السيئة والسلبية التي ظهر عليها السياسيون بعيد الثورة والتي تتسم بالغوغاء والجدل والصراع الحزبي دون إنجازات حقيقة وملموسة تذكر.
رضا السهيلي أحد الذين قادوا أول تحركات ثورية في مدينته بوحجلة في محافظة القيروان وسط البلاد أول يناير 2011 وهو مازال متابعا للساحة السياسية في تونس ومتفاعلا معها إلى حد الآن قال بخصوص عدم ترشحه للانتخابات البلدية “إن شباب الثورة يعيش عزلة تامة على واقعه السياسي خاصة تُرجمت من خلال عدم الإقبال على الترشح” مضيفا “أن الثورة التي كانت تحيي نفوس هؤلاء الشباب انطفأت مالم يتم تحصينها والمحافظة عليها وهذا ما لم يحدث، فهي بمثابة الحديد الساخن الذي وجب صقله ساخنا وإلا فسيفوت الأوان و يصعب تدارك الأخطاء والهفوات من بعد ذلك”
أما يوسف العزديني وهو الذي شارك زملائه التلاميذ في مجمل تحركاتهم داخل معهده سنة 2011 فقد تحدث عن رفضه لفكرة الترشح بل وتحدث عن مقاطعته للتصويت أصلا قائلا إنه لا شيء تغير على أرض الواقع منذ الثورة بل بالعكس فالعديد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في تدهور بسبب نخبة سياسية فاشلة وغير مسؤولية” وبخصوص من ترشحوا فقال إن “أغلبهم لا يمتون للثورة بصلة باستثناء البعض القليل الذين يحاولون افتكاك مكانهم في المشهد دون جدوى فحظوظهم ضئيلة جدا” على حد تعبيره.
للشباب التونسي آراء وتموقعات مختلفة في علاقة بالمحطة الانتخابية القادمة وأهميتها كخطوة أساسية لتركيز مشاركة شبابية محلية في أخذ القرار السياسي. لكن استمرار الاحتقان الشبابي والنفور عن التفاعل مع المحطات الهامة ومع النخب السياسية الحاكمة دليل على استمرار التوتر بين شق واسع من المجتمع التونسي من جهة وبين مؤسسات الدولة ورموزها من جهة أخرى وهو ما سيؤدي بدوره إلى تواصل القطيعة بين الشباب التونسي والسلطة، قطيعة قد تتحول إلى معرقل أساسي لمسار الديمقراطية الناشئة في تونس إذا ما لم يترجم شباب تونس إرادته وآرائه من خلال الصناديق يوم الأحد المقبل 6 من مايو يوم الاقتراع.