ترجمة حفصة جودة
في وسط زامبيا؛ تقع مزرعة الحكيم مابابي الأنقية بشكل غريب حيث تحيط بها الشجيرات المتشابكة، يقول مابابي: “في عام 2002 عندما بدأت العمل بها لم يكن هناك سوى شجيرة عارية، ومنذ ذلك الحين قمت بتجريف مساحة واسعة من الأرض بحجم 40 ملعب كرة قدم، تنمو الذرة في صفوف منتظمة بينما ترعى الماشية خلف السياج، الأرض هنا متوافرة بكثرة وكذلك المياه”، وخلف المزرعة كانت هناك موجات من العشب الطويل.
في أغلب تاريخها؛ كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعاني من نقص الموارد البشرية وليس الأرض، وفي عام 2011 قدرّ البنك الدولي مساحة الأراضي المناسبة للزراعة ولا يتم استغلالها لزراعة المحاصيل بحوالي 200 مليون هكتار، أي حوالي نصف مساحة الأراضي الزراعية في العالم وأكثر من المساحة المزروعة في أمريكا، هذا الرقم يثير الكثير من الاحتمالات، يقول إفريام نكونيا من معهد بحوث السياسات الدولية للغذاء –مؤسسة فكرية مقرها واشنطون-: “إفريقيا هي سلة الغذاء المستقبلية للعالم”.
لكن هذه الأرقام الإجمالية قد تكون خادعة، فمعظم الأراضي الاحتياطية في إفريقيا تقع فقط في عدة بلدان كبيرة مثل السوادان والكونغو الديموقراطية، وفي تلك الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية (أكثر من 100 شخص لكل كيلومتر مربع من الأرض الزراعية) تقلص حجم الأراضي الزراعية للثلث منذ السبعينيات.
“هذه الأرض التي نعيش فيها ليست لنا إنها لأصحاب الأموال”
تستورد القارة الغذاء الآن بشكل صاف؛ وبحلول عام 2050 سوف يتضاعف عدد البطون التي تحتاج للغذاء، وفي المناطق المشتعلة مثل وسط نيجيريا؛ أدت الاشتباكات بين المزارعين والرعاة إلى مقتل اللآلاف، ويرى دعاة التشاؤم أن هناك أزمة كبيرة تلوح في الأفق.
ومن مزرعة السيد مابابي الهادئة تبدو هذه المخاوف بعيدة، فحوالي خُمس الأراضي فقط في مقاطعته يتم استخدامها، كما قامت شركة ألمانية بشراء 40 ألف هكتار من الأراضي الخاصة لزراعة الذرة وفول الصويا، وتحاول الحكومة جذب الشركات لبناء كتل زراعية في بلد يبلغ حجمها ضعف مساحة ألمانيا وعدد الناس بها أقل من عدد سكان هولندا.
لكن الأرض هنا أكثر ندرة مما نظن، فالجزء الغربي من المقاطعة يعد حديقة وطنية، ويشتكي السكان المحليون من أن حرّاس المزارع الخاصة يمنعونهم من صيد الأسماك وجمع عيش الغراب، يقول أحد القرويين: “هذه الأرض التي نعيش فيها ليست لنا إنها لأصحاب الأموال”، وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش أن الفقراء في المقاطعات الأخرى يتم طردهم من الأراضي لصالح المزارع التجارية.
بالرغم من الحديث عن الأراضي الإفريقية غير المستخدمة، إلا أن القليل من الأماكن فارغة بالفعل، فكما يقول مبومواي نيامبي –أحد القانونيين في الكنيسة الكاثوليكية-: “الوضع على الخريطة يختلف عن الوضع على الأرض، فعندما تذهب للحقول ستجد أن هناك أشخاص يمتلكونها بالفعل”.
المزارع التجارية الآلية لا توفر الكثير من الوظائف مثل زراعة الكفاف
تستخدم الأراضي غير المزروعة في الرعي والبحث عن الطعام والصيد، كان يمتلك المحتلون الأراضي بنظام وضع اليد، ففي شمال أوغندا عاد المواطنون إلى منازلهم بعد نزوحهم بسبب الحرب ليجدوا أن مزارعهم قد استولى عليها الجنرالات وأصحاب الأموال ودعاة حقوق البيئة.
تقع حوالي عُشر الأراضي الزراعية في أيدي الشركات التجارية الآن والتي تستخدمها من أجل إنتاج الوقود الحيوي والأخشاب وغيرهم من المحاصيل غير الغذائية، أما الأراضي متوسطة الحجم (ما بين 5 وحتى 100 هكتار) فيمتلكها مواطنون يعملون في المدن، ويقول توماس جاين من جامعة متشغين أن هؤلاء الأشخاص لهم علاقات سياسية، كما أنهم ليسوا مزارعين بالفعل، والكثير منهم ممن يمتلكون أكثر من 20 هكتار يتركونها فارغة دون زراعة.
تغطي المزارع المتوسطة الآن زامبيا أكثر من المزارع الصغيرة، وفي الوقت نفسه يقوم أصحاب المزارع الصغيرة الواقعون تحت الضغوط بزراعة أراضيهم المتقلصة بشكل كبير مما يرهق التربة السيئة بالفعل، ويحدث هذا في البلاد الواسعة أيضًا لأن الناس يتمركزون في المدن وعلى طول الطرق.
هذا الوضع يشكل لغزًا، فتوفير أسمدة وبذور أفضل بالإضافة إلى معدات أكثر دقة قد يؤدي من ارتفاع الإنتاج الزراعي في إفريقيا، لكن المزارع التجارية الآلية لا توفر الكثير من الوظائف مثل زراعة الكفاف (الزراعة من أجل العيش)، ما زال الكثير من مواطني إفريقيا يعيشون في الريف؛ لكن الحياة الصعبة هناك تجعلهم يهجرون الريف والزراعة بشكل أسرع من نظرائهم في القارات الأخرى.
المصدر: إيكونوميست