ترجمة وتحرير: نون بوست
تقع أكبر قاعدة جوية سورية في منطقة معزولة بين كثبان الرمال القاحلة وسط البلاد، وتمتد على مساحة تقدر بحوالي خمسة أميال. ويحيط بهذه القلعة مترامية الأطراف مشهد رملي يمتد على مئات الأميال. وتتكون القاعدة من العديد من الملاجئ المحصنة المخصصة لإيواء الطائرات، على غرار المقاتلات الروسية ومقاتلات “سوخوي” التي تعرف بسرعتها التي تفوق سرعة الصوت.
على مدى سبع سنوات من الصراع السوري، طغى اللون الأسود على مدرج هذه القاعدة بسبب جحافل الطائرات النفاثة التي تحط بإطاراتها المطاطية عليه عند عودتها من طلعاتها الجوية، في إطار الحرب المدمرة بين قوات بشار الأسد والثوار الذين فشلوا في الإطاحة به. في الواقع، ساهم الموقع النائي لقاعدة “تي 4″، وتحصيناته التي تعود للحقبة السوفيتية، في جعلها بعيدة عن الخراب الذي لحق بسوريا. على الرغم من ذلك، تحمل واجهة القاعدة العسكرية آثار دمار تعود لسنة 2016، عندما قام تنظيم الدولة بشن هجوم مدفعي على منشآت القاعدة ليتسبب في تدمير أربع مروحيات قتالية.
أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء أن سبعة مسؤولين إيرانيين لقوا حتفهم جراء هذا الهجوم، ونشرت كذلك صورا لما يبدو أنها أبواب المستودع الحديدية البيضاء التي مزقتها الشظايا
في الوقت الحالي، تعتبر القاعدة محور حرب محتملة، تتخذ نسقا تصاعديا وتسير نحو منعطف كارثي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحرب لم تعد بين النظام السوري وخصومه المحليين فحسب، بل اتخذت منحا مختلفا لتصبح بين إيران و”إسرائيل”، العدوين اللدودين في المنطقة. وتعتبر قاعدة “تي 4” المكان الذي مكن إيران من أن يصبح لها موطئ قدم ذا صبغة عسكرية داخل الأراضي التابعة لحليفتها العربية، سوريا. وحسب ما أفاد به مسؤولون إسرائيليون، تقلع الطائرات من دون طيار، التي تحوم فوق سوريا، من هذه القاعدة.
تظهر صور القمر الصناعي التي تم التقاطها خلال شهر نيسان/أبريل الفارط، والتي تحصلت عليها صحيفة “الغارديان”، ما يُعتقد أنها آثار قصف إسرائيلي على القوات الإيرانية المتمركزة في قاعدة “تي 4”. ويمكن اعتبار هذه الصور دليلا على حدوث مواجهة مباشرة بين البلدين. وبعد مرور 48 ساعة على الهجمة التي قالت سوريا وروسيا إنها نُفّذت بواسطة طائرات “إف 15″، أظهرت الصور الملتقطة واجهة محطمة لمستودع حديدي للطائرات. وقد أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء أن سبعة مسؤولين إيرانيين لقوا حتفهم جراء هذا الهجوم، ونشرت كذلك صورا لما يبدو أنها أبواب المستودع الحديدية البيضاء التي مزقتها الشظايا.
في السابق، نشرت “إسرائيل” صورة جوية لطائرة من دون طيار أثناء مغادرتها لقاعدة “تي 4″ من المستودع الشرقي ذاته، مما يشير إلى أنه كان يستعمل لخدمة أهداف عمليات الطائرات من دون طيار الإيرانية. وحيال هذا الشأن، تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يدلين، إلى صحيفة الغارديان، قائلا إن :”فرص التصعيد ونشوب صراع عسكري شامل في سوريا أصبحت أعلى من أي وقت مضى، ولا شك في أن إيران تخطط بشأن حاجتها للرد. أما نحن، فسيكون علينا الانتظار”.
من جهته، لطالما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى التشكيك في نوايا إيران التي دأب على وصفها “بالنظام الإرهابي”. وفي تصريح قام به يوم الاثنين الفارط، ادعى نتنياهو أن المخابرات الإسرائيلية كشفت أكاذيب إيران حول برنامجها للأسلحة النووية، فضلا عن معرفتها بكيفية قيام طهران بذلك بعد الاتفاق النووي في سنة 2015. وقد جاء ذلك قبل أقل من أسبوعين من قرار دونالد ترامب حول مواصلة التزام واشنطن بالاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم سنة 2015 من عدمه، ومواصلة رفع العقوبات على إيران. ولم يقدم نتنياهو أي دليل على أن إيران انتهكت الاتفاق منذ دخوله حيز التنفيذ.
منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011، نفذت إسرائيل ما لا يقل عن 100 هجوم عبر حدودها مع سوريا. والجدير بالذكر أن أغلب هذه الهجمات استهدفت وكلاء إيران في المنطقة، بما في ذلك شحنات الأسلحة الموجهة إلى حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة، التي لطالما مثلت الأداة التي تستخدمها إيران لضرب “إسرائيل”.
عموما، تُجمع الأوساط الإستخباراتية الإسرائيلية على أن الحرس الثوري الإيراني مكلف بشنّ هجوم انتقامي، كما سبق لإيران وحلفاؤها التحذير بصفة علنية من مغبّة التصعيد. من جانبه، قال قائد حزب الله إن الضربة الجوية على قاعدة “تي 4” كانت “خطأ تاريخيا” وضع إيران في حالة “مواجهة مباشرة” مع “إسرائيل”. كما صرح حسن نصر الله أن “ما حصل هو أمر لم يسبق لنا رؤيته خلال سبع سنوات، وهو مهاجمة “إسرائيل” للحرس الثوري الإيراني بصفة مباشرة”.
علاوة على ذلك، نقلت وكالة فارس للأنباء عن ممثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، علي شيرازي، توعّده بالانتقام، حيث حذر من أن ” “إسرائيل” وفي حال أرادت أن يستمر حضورها في المنطقة، فعليها تجنب إتخاذ التدابير الغبية، إذ أن إيران قادرة على تدمير “إسرائيل” “.
نفى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استخدام إيران لأي طائرات من دون طيار داخل البلاد، مضيفا أن قاعدة “تي 4” ليست قاعدة إيرانية
من جهتها، ترى “إسرائيل” أن الدعم العسكري الإيراني لسوريا خلال الحرب ازداد توسّعا ليشمل شحن كميات كبيرة من الأسلحة، التي كانت توزع في بعض الأحيان على أنها مساعدات إنسانية، فضلا عن إرسال الجنود المقاتلين. ومنذ بداية سنة 2015، تم استخدام طائرات الشحن العسكرية، التي تم تصنيفها على أنها طائرات مدنية، لتقل المسؤولين العسكريين بشكل منتظم من مطار مهرآباد الدولي في طهران. بالإضافة إلى ذلك، تم جلب أنظمة أسلحة متقدمة، على غرار الطائرات من دون طيار.
في هذا الإطار، تمركز الأشخاص المسؤولون عن تسيير الطائرات من دون طيار في مطار دمشق الدولي، لكنهم انتقلوا على نحو تدريجي إلى عدة قواعد في جميع أنحاء البلاد. ويعتقد أن هذه القوات تعمل على نحو بارز خارج دمشق وحلب ومطار صيقل بالقرب من العاصمة، فضلا عن قاعدة دير الزور الشرقية وقاعدة “تي 4”.
في شأن ذي صلة، أفاد الباحث في مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية، علي الفونة، الذي يتابع نشاط إيران وحضورها في سوريا، أنه “في البداية، كان هدف طهران يقتصر على إبقاء الأسد في السلطة وتأمين الممر البري من طهران إلى لبنان. ومع تحقيق هذه الأهداف، تدرس الجمهورية الإسلامية كيفية الحفاظ على صراع منخفض الحدة مع “إسرائيل”، وذلك بهدف إبقاء “إسرائيل” منشغلة، فضلا عن الرفع في تكلفة الغارات الإسرائيلية المحتملة ضد إيران في المستقبل”.
من جهته، نفى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استخدام إيران لأي طائرات من دون طيار داخل البلاد، مضيفا أن قاعدة “تي 4” ليست قاعدة إيرانية. مع ذلك، أفاد مصدر عسكري إسرائيلي أن بعض الطائرات من دون طيار لا تزال موجودة داخل القاعدة. وأفاد المصدر ذاته، دون تحديد إحصائيات دقيقة، قائلا: “نحن على دراية، بشكل قاطع، أن هناك طائرات إيرانية من دون طيار في قاعدة “تي 4”.
في الحقيقة، كان هجوم نيسان/أبريل الفارط ثاني الهجمات التي تشنها “إسرائيل” على قاعدة “تي 4”. فخلال شهر شباط/ فبراير الماضي، أسقطت “إسرائيل” طائرة من دون طيار تابعة لإيران تسللت عبر الحدود. وقد أعلنت المصادر الإعلامية الإسرائيلية في وقت لاحق أن هذه الطائرة كانت محملة بالأسلحة. ومثّل اختراق هذه الطائرة للمجال الجوي الإسرائيلي أول محاولة إيرانية للتحرك ضد خصمها اللدود، الذي كان رده فوريا، بما في ذلك الهجوم على قاعدة “تي 4”.
بدأ الجيش الإسرائيلي بتجهيز نفسه لاحتمال نشوب حرب حدودية بين الدول منذ احتلاله لمرتفعات الجولان، وهي هضبة تم الاستيلاء عليها من الأراضي السورية سنة 1967
وبشكل مغاير للهجوم الذي جدّت أطواره في شهر شباط/ فبراير الماضي، كان هجوم نيسان/ أبريل بمثابة خطوة استباقية أقرب من كونه ردة فعل. وفي إطار لعبة قوامها قانون العين بالعين، من المتوقع أن تقوم إيران بالحركة التالية. وضمن ما تم تفسيره على أنه محاولة لردع إيران من القيام بأي أعمال انتقامية، أصدرت الصحافة الإسرائيلية والأجنبية صورا بالأبيض والأسود لقواعد سورية تشهد نشاط القوات الإيرانية. وبحسب تصريح المراسل العسكري لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية، تعتبر الرسالة الموجهة إلى إيران واضحة، وتفيد بأن “الجيش الإيراني مكشوف لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مما يجعله عرضة لهجمات إضافية بشكل كبير”.
سواء كان التكتيك المعتمد واضحا أم لا، ولّدت آثار الهجوم الصاروخي الذي حدث مساء الأحد الفارط مخاوف تتعلق بردة فعل عنيفة من الجانب الإيراني. والجدير بالذكر أن “إسرائيل” لم تدل بتعليق حول هذا الهجوم، لكنها تعتقد أنها استهدفت مستودعا لصواريخ أرض-أرض في الأماكن التي تتمركز القوات الإيرانية فيها. حيال هذا الشأن، أفاد وزير الدفاع الإسرائيلي أن “إدارة إيران لعملياتها العسكرية من دولة تشترك في حدودها مع “إسرائيل” سيكون بمثابة تضييق الخناق علينا”.
في الأثناء، بدأ الجيش الإسرائيلي بتجهيز نفسه لاحتمال نشوب حرب حدودية بين الدول منذ احتلاله لمرتفعات الجولان، وهي هضبة تم الاستيلاء عليها من الأراضي السورية سنة 1967. ويمكن القول إن الدولة صغيرة الحجم لم تكن مضطرة لمواجهة مثل هذا الوضع الراهن منذ عقود. وعند التأمل في هذا المكان، نتبين وجود منازل سورية مبنية من الصخور البركانية السوداء. وتنتشر هذه المنازل المهجورة منذ زمن بعيد في المشهد الطبيعي، فضلا عن انتشار حقول الألغام، لتمثل شاهدا على تاريخ الصراعات الذي يأمل الكثير من الإسرائيليين في التمكن من نسيانه.
على هذه الهضاب، تتغذى الأبقار على كلأ الحقول التي تم تطهيرها من الألغام، فيما يمشي المتجولون خلال نهاية الأسبوع على طول الطرق المحاطة بأشجار الأوكالبتوس. وعمدت السلطات إلى تحويل مواقع الجيش الإسرائيلي التي اعتمدها خلال حروب 1967 و1973 إلى مناطق تجذب السياح، يحدها شرقا الأراضي السورية، في حين يمكن للناظر شمالا رؤية الأراضي اللبنانية. وفي خضم هذا المشهد الذي دأبت “إسرائيل” على تهيئته، يلعب الأطفال الغميضة داخل المخابئ القديمة.
على الرغم من أن حوامتين إسرائيليتين كانتا تحومان فوق رأسه، استنكر عساف مندل، الذي يبلغ 45 سنة والذي سافر إلى الجولان رفقة زوجته وطفليه الصغيرين، وجود أي تهديد مباشر لدخول “إسرائيل” في حرب مع إيران، حيث صرح أن ذلك أمر لا يمكن تصديقه. وأضاف الرجل قائلا إن “الحكومة ترهب المتساكنين. نحن على دراية بأن تواجد إيران في سوريا ليس بالأمر الجيد، إلا أننا جيشنا قوي”.
الصحيفة: الغارديان