في ظل السنوات الأخيرة انخرطت تركيا في المشهد الدولي والإقليمي بشكل كثيف وهو ما جعلها مرتبطة بقضايا المنطقة وخاصة الحساس منها والمؤثر على تركيا، ولكن منذ أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي من المقرر عقدها في 24 من يونيو/حزيران 2018 بعد التوافق مع حزب الحركة القومية؛ اكتسب المشهد الحزبي الداخلي زخمًا كبيرًا حتى إنه غطى على مشهد السياسة الخارجية التركية، وكان من المتوقع بالفعل أن يأخذ المشهد الداخلي الزخم الأكبر.
وفي هذا السياق كان متوقعًا أن تقتصر جهود قادة حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان على الفعاليات الداخلية وتجهيز القوائم والحملات – خاصة أن المشهد ما زال متحركًا – وأن يتم تأجيل الزيارات والفعاليات الخارجية إلى ما بعد الانتخابات، حتى لو كانت مرتبة من قبل أو يتم المشاركة بها على مستوى وزاري.
ولكن وبينما لم يحدد حزب المعارضة الرئيسي بعد مرشحه للانتخابات الرئاسية بدأ الرئيس أردوغان جولة خارجية تشمل كل من أوزبكستان وكوريا الجنوبية في زيارتين يبدو أن لهما أهدافًا تتعلق بالاقتصاد، وبالنظر إلى الوفد المرافق لأردوغان فإن ارتفاع مستوى الوفد يشير إلى أهمية القضايا التي سيتم التباحث أو التوافق عليها، حيث يرافق أردوغان كل من “رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، ورئيس الشؤون الدينية علي أرباش، كما يرافقه وزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والاقتصاد نهاد زيبكجي، والجمارك والتجارة بولنت توفنكجي، والعلوم والصناعة والتكنولوجيا فاروق أوزلو، والعدل عبد الحميد غُل، والثقافة والسياحة نعمان قورتولموش، والداخلية سليمان صويلو، والطاقة والموارد الطبيعية براءت ألبيراق”.
كان موقف الرئيس الأوزبكي مفعمًا بالإيجابية في أثناء لقائه بأردوغان، حيث اعتبر أن “من يعيق رجال الأعمال الأتراك في أوزبكستان سيعتبر أنه ارتكب خيانة وطنية”
فيما يتعلق بأوزبكستان يبدو الأمر أكثر إستراتيجية من حصره في الاقتصاد فقط وإن كان الاقتصاد من أهم أركانه، حيث يتم تأسيس مجلس تعاون إستراتيجي بين البلدين، ورغم أن تركيا كانت أول دولة تعترف باستقلال أوزبكستان عام 1991، فإن العلاقات لم تكن دافئة في عهد الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف ولكن مع قدوم خلفه الرئيس شوكت مرضيوف تحسنت العلاقات بينه وبين الرئيس أردوغان، حيث التقى الرجلان عدة مرات خلال السنتين الأخيريين.
وتقدم أوزبكستان في الفترة الحاليّة فرصًا استثمارية كبيرة لتركية في المنطقة الاقتصادية الحرة في مدينة سمرقند، حيث يوجد 60 مشروعًا ستنفذ عدة شركات تركية قسمًا من هذه المشاريع وفي هذا السياق بدأت الخطوط الجوية التركية بتسيير رحلاتها إلى مدينة سمرقند وسوف يسهل ذلك وصول المستثمرين للمنطقة الحرة.
وتعتبر النقطة الأكثر أهمية لتركيا هنا أن هذه المنطقة تمكن المستثمرين الأتراك من الوصول إلى الأسواق الآسيوية انطلاقًا من هذه المنطقة وذلك وفقًا لرئيس المنطقة الحرة جامشيد حيدروف، وستعمل عدة بنوك وشركات تركية كبرى في أوزبكستان مثل بنك زراعات التركي والخطوط الجوية التركية ومجموعة دمير وغيرها.
وقد كان موقف الرئيس الأوزبكي مفعمًا بالإيجابية في أثناء لقائه بأردوغان، حيث اعتبر أن “من يعيق رجال الأعمال الأتراك في أوزبكستان سيعتبر أنه ارتكب خيانة وطنية”، كما أعلن قرار رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك باعتبار أن قدومهم إلى أوزبكستان بتأشيرة لا يليق بعلاقات الأخوة التي تربط الشعبين، وأكد أن الجانبين توصلا لاتفاق يتعلق بتنفيذ 50 مشروعًا مشتركًا، تبلغ قيمتهم 3 مليارات دولار أمريكي.
أما زيارة أردوغان إلى كوريا الجنوبية فهي زيارة ذات عنوان اقتصادي واضح وتتعلق بالاستثمارات بين البلدين، فبالإضافة إلى اللقاء مع الزعماء السياسيين سيشارك أردوغان في منتدى الأعمال الكوري التركي ومن المتوقع عقد اجتماعات فردية بين أردوغان وممثلي الشركات الكورية الكبرى، ومن الشركات التي سيلتقي بها أردوغان “سامسونغ” و”إل جي” و”هيونداي” و”دايوو” و”دايليم” و”هانوها”، وهي شركات لديها استثمارات كبيرة في تركيا.
وسيتم التباحث في الإلغاء التدريجي للتعريفة الجمركية بين البلدين، وقد ارتفع حجم التجارة بين البلدين خلال 10 سنوات الماضية بنسبة 60% حيث وصل إلى 7 مليارات والهدف الحاليّ هو 15 مليار دولار، وتعمل في تركيا حاليًّا أكثر من 300 شركة كورية.
من النقاط المهمة في زيارة كوريا الجنوبية التباحث في العرض الذي قدمته كوريا من أجل تنفيذ الشركات الكورية مشروع قناة إسطنبول
وقد قال السفير الكوري في تركيا: “مشروع القطار فائق السرعة، ومشروع خليج إزمير، ونفق إسطنبول الكبير المكون من ثلاثة طوابق، تعد من أكثر المشروعات جذبًا للشركات الكورية في إطار رؤية تركيا لعام 2023″، كما يمتد التعاون إلى تبادل التكنولوجيا في الصناعات الدفاعية وإنتاج القطارات فائقة السرعة”.
ولعل من النقاط المهمة في زيارة كوريا الجنوبية التباحث في العرض الذي قدمته كوريا من أجل قيام الشركات الكورية بتنفيذ مشروع قناة إسطنبول، حيث قالت صحيفة “حرييت” التركية، إن كوريا الجنوبية تقدمت بطلب لدى تركيا، من أجل تولي مشروع شق قناة إسطنبول، مبينة أن أردوغان سيبحث المشروع مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن.
ويعتبر مشروع قناة إسطنبول مشروعًا من المشاريع العملاقة في تركيا، وقد نشرنا مقالاً هنا في “نون بوست” في يناير 2018 عن تفاصيل المشروع الذي يتوقع أن تتجاوز تكلفته 10 مليار دولار، وبالإضافة إلى ما سبق يمكن الحديث أيضًا عن تطوير قطاع السياحة بين البلدين.
في ختام هذا المقال يمكن القول إن زيارتي أوزبكستان وكوريا الجنوبية تحققان لتركيا فوائد كبيرة وتساهمان في استقرار اقتصادها ولهما أهمية كبيرة في مشاريع تهم الداخل التركي وربما يكون لها وقع مباشر أو غير مباشر على نتائج الانتخابات التركية ولو لم تكن الزيارات ذات أهمية إستراتيجية وحيوية لتركيا لما غادر الرئيس بهذا الوفد الكبير المرافق له في ظل التحضيرات للعملية الانتخابية التي تعتبر الأهم في تركيا.