وسط اتهامات متبادلة بين النظام الحاكم والمعارضة، يواصل الجفاف الفتك بمحاصيل الموريتانيين وثرواتهم الحيوانية في شرق البلاد، ما يهدد مستقبل حياتهم في هذه المنطقة “المنكوبة”.
اللجوء إلى دول الجوار
تواصل الجفاف وعدم وجود بوادر للإنقاذ حتم على قادة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة توجيه نداء استغاثة إلى دول الجوار لمساعدة بلادهم، وفضلًا عن دعوتهم كل من السنغال ومالي والمغرب والجزائر لمساعدة بلادهم والمساهمة في إغاثة سكان الريف وما تبقى من ثروتهم الحيوانية، دعوا قادة المنظمات الدولية والمحلية لتحمل المسؤولية والعمل من أجل حشد الدعم لإنقاذ الثروة الحيوانية بالبلد.
وأكد رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني صالح ولد حننا أن كارثة خطيرة ستحدث خلال أسابيع إذا لم يحدث تدخل حكومي سريع وواسع بالريف الموريتاني، وأشار ولد حننا أن كل الحكومات التي تعاقبت على موريتانيا ظلت دائمًا تهب سريعًا لنجدة الموريتانيين كلما كان هناك جفاف.
تعتبر المراعي وخزان التنمية الحيوانية شريان الحياة في موريتانيا
وأضاف: “أول موجة جفاف ضربت البلاد كانت خلال سنوات 1969 و1970 وتدخل الرئيس الأسبق الراحل المختار ولد داداه، فوزعت المواد الغذائية على نطاق واسع، ثم موجة الجفاف التي عرفتها البلاد سنة 1884 وتدخل الرئيس الأسبق حينها محمد خونه ولد هيداله وأشرف بنفسه على عمليات التوزيع، ولا يزال الشعب الموريتاني يتذكر تجوله بين القرى وإشرافه المباشر على عملية التدخل الحكومي”.
وتابع “أما موجة الجفاف الأخرى فكانت 2003 ورصدت حكومة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع مبلغ 5 مليارات ثم زاد المبلغ إلى 12 مليارًا ثم إلى 17 مليارًا، والكل يعرف أن الأعلاف ظلت متوفرة على نطاق واسع حتى موسم الخريف”.
اتهام للحكومة
القيادي بمنتدى المعارضة أكد أن الحكومة الحاليّة ونظام الرئيس ولد عبد العزيز – عكس الأنظمة السابقة – تجاهل الكارثة بشكل مستغرب ولم يستوعبه الشارع الموريتاني، وأشار ولد حننا إلى أن الحكومة رصدت 41 مليار أوقية، غير أن كل تلك المبالغ اختفت في ظروف غامضة، مشيرًا إلى أن الحكومة فشلت حتى في ضبط أسعار الأعلاف وتركت رجال الأعمال يتلاعبون بها.
وتعتبر المراعي وخزان التنمية الحيوانية شريان الحياة في موريتانيا، حيث يعتمد سكان الأرياف والمناطق الداخلية فيها كثيرًا على تربية المواشي وأنشطة أخرى موازية، وتشكل هذه الثروة ما يقارب 25% من الناتج الداخلي الخام، ويعتمد عليها أكثر من 80% من السكان في معيشتهم.
أمراض كثيرة
نتيجة هذا الجفاف سجلت موريتانيا نفوق المئات من المواشي وسط شح في المراعي ونقص حاد في المياه، وتقدر الثروة الحيوانية في موريتانيا بنحو 16.4 مليون رأس من الضأن والماعز و1.4 مليون رأس من الأبقار و1.4 مليون رأس من الإبل، وتساهم بشكل معتبر في الاقتصاد المحلي، كما توفر عددًا مهمًا من فرص العمل.
نفوق مئات الحيوانات
فضلًا عن ذلك تزايدت معاناة الأطفال الموريتانيين شرقي البلاد من أوضاع غذائية صحية صعبة انعكست على صحة العديد منهم، وأكدت تقارير إعلامية انتشار الهزال الشديد بين الأطفال مع الإسهال والحمى، في ظل غياب شبه كامل للمراكز وللطواقم الصحية.
وقال المنتدى في بيان إن ولاية الحوض الشرقي من الولايات شبه المنكوبة، وانعدمت فيها المراعي ونقصت المياه وتعرضت مواشي سكانها للخطر، مضيفة أن ما زاد من معاناة سكانها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأعلاف لأسباب تتعلق في الأغلب بانخفاض قيمة العملة المحلية.
واتهم المنتدى الحكومة الموريتانية بإسعاف السكان بأعلاف رديئة الجودة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن نافذين في الولاية استولوا على أغلبها، وبيع القليل منها للمواطن في ظروف معقدة ومهينة بثمن سرعان ما يسلب منه بزيادة أسعار المواد الأساسية في السوق.
وخصصت السلطات الموريتانية برنامجًا استعجاليًا لمساعدة المتضررين بغلاف مالي يبلغ 41 مليار أوقية موريتانية (نحو 160 مليون دولار)، غير أن حجم الكارثة أوسع مما كان متوقعًا.
وعرفت موريتانيا أسوأ موجة جفاف عبر تاريخها نهاية ستينيات القرن الماضي، إذ تسببت في نزوح آلاف السكان من الأوساط القروية إلى المدن، كما عرفت منتصف الثمانينيات موجة جفاف أخرى تسببت في العديد من المشاكل الاقتصادية والمعيشية للسكان.
ناقوس خطر
هذه الاتهامات جاءت أيامًا قليلة بعد دق برنامج الغذاء العالمي ناقوس الخطر إزاء معاناة أكثر من 400 ألف مواطن موريتاني من المجاعة بسبب نقص الأمطار وطول فترة الصيف المتواصلة منذ خريف 2017.
وأعلن البرنامج نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي انطلاق عمليات توزيع على السكان الذين يواجهون جفافًا غير مسبوق قضى على معظم مواشيهم واضطرهم لتعليف أبقارهم بالملابس المقطعة، وحرمهم من قوتهم اليومي.
كثيرًا ما تنفي الحكومة اتهامات المعارضة
وأكد برنامج الغذاء العالمي أن العجز الكبير في أمطار 2017 جعل موريتانيا شأنها شأن دول الساحل الأخرى، تتعرض لأخطر موسم جفاف عرفته في تاريخها، ذلك أن الأمطار القليلة التي شهدها الموسم الماضي – التي كانت سيئة التوزيع – أثرت على الإنتاج الزراعي والمواشي، وهو وضع تتطلب مواجهته تضافرًا سريعًا لجهود الحكومة وشركاء موريتانيا.
وأكد جان نويل جانتيل ممثل برنامج الغذاء العالمي في موريتانيا أن ضعف الأمطار وسوء توزيعها يؤثران تأثيرًا كبيرًا على الإنتاج الزراعي والرعوي، ويعرضان السكان للهشاشة والضعف والأمراض وسوء الغذاء.
الحكومة تتبرأ وتتهم المعارضة
اتهام المعارضة للحكومة بتجاهل معاناة الموريتانيين والتركيز على إيجاد حلول لمشاكل الحزب الحاكم، لم يستسغه نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي اعتبر أن ما تقوله المعارضة لا يعدو أن يكون مجرد “مزايدة سياسية”.
تؤكد الحكومة مساعدتها للمتضررين
وقال وزير الثقافة والصناعة التقليدية الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ في وقت سابق إن السلطات انتبهت مبكرًا للآثار الناتجة عن شح الأمطار وتعاملت معها، حيث وزعت حتى الآن ما يناهز 20 ألف طن من الأعلاف.
وأضاف الوزير أن الأشهر القادمة ستشهد المزيد من توزيع هذه الأعلاف والمواد المرصودة لمواجهة شح الأمطار وأثرها على المتضررين، مشيرًا إلى أن الكثير من ملاك المواشي سواء من الشرق أم الجنوب اتجهوا بمواشيهم إلى مالي والسنغال المجاورتين.