كان جلوس رئيس ومؤسس شركة فيسبوك “مارك زوكربيرغ” أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي للاستجواب في قضية فضيحة “كامبيردج أنالايتكا” – التي اتهمت فيسبوك بتسريب معلومات أكثر من 50 مليون مستخدم لمنصته – بمثابة أول مواجهة بين الحكومة وشركات التكنولوجيا، الأمر الذي لم يتوقعه زوكربيرغ ولم يضعه في الحسبان وقت تأسيسه للمنصة التي تحولت إلى إمبراطورية في أيامنا الحاليّة.
كان رد فعل الأغلبية في ذلك الوقت الشعور بالانتصار على إمبراطور التكنولوجيا العملاق الذي استطاع استغلال بيانات المستخدمين لصالح أغراض تجارية أو سياسية، إلا أننا لو عدنا للخلف قليلًا واطلعنا على المشهد بوجهة نظر أخرى، سنجد أن من بين 44 عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي كان متوسط أعمار من يحققون مع زوكربيرغ 62 عامًا، بينما كان عمر أعضاء الكونغرس المتحكمين في إدارة الجلسة تقريبًا 80 عامًا.
على الرغم من تركيز الأضواء على إجابات زوكربيرغ غير المفيدة كثيرًا، واعتذاراته المتكررة التي يتخذها حلًا مثاليًا لتهدئة الرأي العام وقبلهم أعضاء الكونغرس، فإنه كان هناك من يستحق تركيز الأضواء أكثر من زوكربيرغ، كان هؤلاء أعضاء الكونغرس غير الخبيرين إطلاقًا بكيفية عمل منصة فيسبوك، حيث سأله أحد الأعضاء سؤالًا بديهيًا بقوله كيف تربح من منصة مجانية بشكل كامل؟ ليجيبه زوكربيرغ بكلمتين فقط “ندير الإعلانات”.
على الرغم من خسارة شركة فيسبوك عشرات المليارات من الدولارات بعد فضيحة شركة تحليل البيانات “كامبيردج أنالاتيكا”، فإن الشركة استعادت تلك الخسارة في وقت خيالي في أثناء استجواب أعضاء الكونغرس لمارك زوكربيرغ، لقد وجد الأخير نفسه محاطًا بالكاميرات و44 عضوًا من أعضاء الكونغرس في حالة تثير التوتر والقلق بشأن مستقبل الشركة، إلا أنه وجد نفسه أيضًا أغنى بعشرات المليارات من الدولارات خلال يومين فقط بعد جلسة الاستماع لشهادته على كيفية عمل المنصة التي يجهلها أعضاء لا يستخدم أغلبهم فيسبوك ولا يعرفون عنه شيئًا.
لقد بدا زوكربيرغ أغبى مما توقعناه في أثناء جلسة الاستماع، مما جعل البعض يصفه متعاطفًا بأنه شخص مثلنا مثله، يخطئ ويحاول إصلاح الأخطاء، إلا أن الأشخاص العادية لا تحقق عشرات المليارات من الأرباح خلال يومين فقط، ولكن زوكربيرغ فعل ذلك وأكثر بينما يفكر أعضاء الكونغرس في إصلاح الكثير من الأمور في فيسبوك التي يجهلونها.
سابع أغنى رجل في العالم بعد الشهادة
وضعت مجلة “فوربس” زوكربيرغ على قائمة أغنى أغنياء العالم في المرتبة السابعة، حيث تبلغ حصة الأخير في شركته ما يقارب 66 مليار دولار الآن، حيث يمتلك ما يقرب من 400 مليون دولار حصة أسهمه في شركته، ومع ارتفاع قيمة سعر السهم بعد جلسة الاستماع الأخيرة مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، كان لصاحب الشركة الحظ في أن يكون أغنى سابع رجل في العالم، ليكون هو ومن يملكون أسهمًا في شركة فيسبوك أكثر غنى من ذي قبل.
كافأ المستثمرون زوكربيرغ على الرتابة والملل الذي منحه لحاضري الجلسة ومشاهديها حول العالم، بعد أن ارتفع قيمة سهم شركة فيسبوك بنسبة 4.5% كمكافأة على إجاباته التي لم تجب عن أسئلة الملايين من المستخدمين حول العالم بشأن مسألة الخصوصية التي عُقدت جلسة الاستماع خصيصًا لها.
وعلى ذكر الحديث عن الخصوصية التي لم تشف وعود واعتذارات مارك زوكربيرغ التي تحدث عنها في جلسة الاستماع عن أي شيء لتعزيزها أو أي محاولة منه لحماية بيانات المستخدمين، يبدو أن جلسة الاستماع تلك لم تؤثر كثيرًا على قرارات زوكربيرغ حيال مسألة الخصوصية تلك، وأكبر دليل على ذلك استقالة رئيس ومؤسس الشركة الوحيدة من بين شركات زوكربيرغ التي تتمتع بالخصوصية وازدراء الإعلانات، وهو “جان كوم” رئيس شركة واتس آب السابق.
استقالة رئيس واتس آب على إثر خلاف مع زوكربيرغ
استقال رئيس ومؤسس شركة واتس آب “جان كوم” من منصبه قبل يومين على إثر خلاف مع الشركة الأم شركة فيسبوك حيال مسألة الخصوصية والتشفير في محادثات تطبيق واتس آب، بعد أن مر عقد كامل على بنائه وتطويره للتطبيق مع شريكه براين أكتون اللذين وعدا المستخدمين فيه بالحفاظ على بياناتهم وتشفيرها لعدم وصول أطراف خارجية إليها، بالإضافة إلى بعد التطبيق تمامًا عن استغلاله لبث وعرض الإعلانات.
لا يمكن لفيسبوك الاستفادة من بيانات المستخدمين على محادثات تطبيق واتس آب سوى من خلال إضعاف ميزة التشفير الموجودة على التطبيق شيئًا فشيئًا، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين واتس آب وفيسبوك
وعد مؤسسو واتس آب أن يظل التطبيق يسعى وراء الخصوصية وتشفير المعلومات والبُعد عن نشر الإعلانات حتى بعد شرائه من شركة فيسبوك في عام 2014، إلا أنه وبعد الضغط الذي وضعت تحته منصة فيسبوك، حان الوقت لمارك زوكربيرغ أن يستغل منصاته الأخرى التي لم تجذب أنظار أهل القانون والحكومات من أجل ربح الأموال، ولا يوجد منصة أفضل من ذلك سوى منصة واتس آب التي تحتوي وحدها على أكثر من 1.5 مليار مستخدم حول العالم يستخدمون واتس آب بشكل شبه يومي، لقد حان الوقت أن يعبث زوكربيرغ ببعض مبادئ واتس آب.
لا يمكن لفيسبوك الاستفادة من بيانات المستخدمين على محادثات تطبيق واتس آب سوى من خلال إضعاف ميزة التشفير الموجودة على التطبيق شيئًا فشيئًا، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين جان كوم ومارك زوكربيرغ؛ وهو ما جعل الحكومات الأوروبية تقاضي شركة واتس آب على مشاركة بيانات مستخدميها مع الشركة الأم فيسبوك في عام 2016.
https://twitter.com/brianacton/status/976231995846963201?ref_src=twsrc%5Etfw&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.theguardian.com%2Ftechnology%2F2018%2Fmar%2F20%2Ffacebook-cambridge-analytica-whatsapp-delete&tfw_creator=oliviasolon&tfw_site=guardian
“براين أوكتان” رئيس واتس آب بعد استقالته من فيسبوك مُغردًا “آن الأوان، امسح فيسبوك”
لم يكن خروج كوم من الساحة وإعلان استقالته بالشيء الجديد على الخلاف الدائر بين إدارة فيسبوك وإدارة واتس آب، حيث دخل الاثنان في خلاف استمر لعدة سنوات، الشركة الأم تريد الحصول على بيانات المستخدمين لأغراض تجارية، وشركة واتس آب لا تريد من تطبيقها أن يكون خلية أخرى من خلايا فيسبوك يكون شغل المهندسين الشاغل فيها تعدين كميات هائلة من البيانات من أجل الحصول على معلومات مفيدة عن المستخدمين لأغراض تجارية وتسويقية.
كان رد زوكربيرغ على خروج رئيس واتس آب السابق جان كوم بأنه ممتن لكل ما علمه كوم إياه وخصوصًا تعليمه لزوكربيرغ التشفير في تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه حان الوقت لسحب القوة من السلطة المركزية وإعادتها من جديد إلى “يد المستخدمين” بحسب تصريحات زوكربيرغ.
بعد جلسة الاستماع لشهادات زوكربيرغ التي لم ترض لا المستخدمين ولا أعضاء الكونغرس الأمريكي، أصبح الأخير أكثر ثروة هو والمستثمرون في شركته، وصار على أتم الاستعداد لاستغلال كل الشركات تحت إمبراطوريته لارتكاب نفس الاتهامات التي اتهمه به نواب الكونغرس الأمريكي وهي سرقة معلومات المستخدمين من خلال منصات شركاته الأخرى، ربما كان هذا سببًا كافيًا لكي لا يفرح الجميع باستجواب زوكربيرغ في المقام الأول، يبدو أن عملاق التكنولوجيا قد ينتصر في النهاية.