ترجمة وتحرير: نون بوست
خلافا للمرشحات الأخريات، تعتبر بولا يعقوبيان غنية عن تعريف. وفي حقيقة الأمر، قررت نجمة قناة “المستقبل” التابعة لسعد الحريري، أن تدخل الساحة السياسية لأنها تؤمن بالتغيير والقدرة على القطيعة مع التمثيل المنخفض للنساء في الحكومة اللبنانية. وقد ذاع صيت هذه الصحفية المشهورة في البرامج السياسية عندما أتيحت أمامها الفرصة لإجراء حوار مع الحريري، في اليوم الذي أعلن فيه على المباشر استقالته انطلاقا من فندق في الرياض. وحتى قبل إعلانها المشاركة في الحملة الانتخابية، انتشرت في الحي المسيحي “الأشرفية” الكثير من المعلقات واللافتات التي ظهر فيها وجهها الجذاب.
حسب أحد الأقوال الشعبية اللبنانية، فإن “جميع النساء اللاتي وصلن إلى البرلمان دخلنه مرتديات اللون الأسود”. وفي التاريخ المعاصر اللبناني، لم يدخل البرلمان إلا سبع نساء، غالبيتهن من الأرامل أو بنات السياسيين الذين تعرضوا للاغتيال”.
في الواقع، يعدّ لبنان أحد بلدان الشرق الأوسط الأكثر ليبرالية. لكن من الملفت للانتباه أن هذا البلد يضم النسبة الأقل للتمثيل السياسي للمرأة في العالم، التي لا تتجاوز 3.01 بالمائة. ويعني هذا الرقم، أن النساء تحظين بأربعة مقاعد برلمانية فقط في لبنان، من جملة 128 مقعدا. وبالنسبة ليعقوبيان، التي كانت لمدة 25 سنة مقدمة للبرامج واللقاءات السياسية، فهي على دراية واسعة بمصاعب المشاركة في الانتخابات باعتبارها امرأة ومرشحة مستقلة. لكن، لا تفكر هذه المرأة في التنازل على الأقل على الفرصة التي أتيحت أمامها.
أكدت بولا يعقوبيان أنه “في ظل هذا الوضع، يطلب المجتمع المدني إحداث تغيير، إلا أننا لم نتجرأ على فعل ذلك إلى حد الآن. ولكننا الآن نملك الفرصة للقيام بذلك”
في هذا الصدد، أوردت يعقوبيان أن “اللبنانيين يعيشون في بلد طائفي. كما أن الفصل هو النظام السياسي الذي يحكم الشعب”. وأضافت يعقوبيان “أعتقد أنه حان وقت التغيير. فأنا لا أرغب في أن ينشأ ابني في بلد يحكمه السراق والمافيا. وعموما، يملك أحزاب الحكومة نفوذا عاليا، فضلا عن المال. كما أن وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية ملك لهم، وهم يستحوذون على كل شيء”.
في سياق متصل، أكدت بولا يعقوبيان أنه “في ظل هذا الوضع، يطلب المجتمع المدني إحداث تغيير، إلا أننا لم نتجرأ على فعل ذلك إلى حد الآن. ولكننا الآن نملك الفرصة للقيام بذلك”. وفي حديثها إلى الكونفدنسيال، واصلت المرشحة قائلة “نحن أشخاص عاديون، وسنكون مسؤولين باعتبارنا بشرا وليس “كائنات مقدسة” مثلما هو الحال بالنسبة للطبقة السياسية الحالية”.
عند ترشحها، اعتقدت يعقوبيان أن شهرتها ستكون لصالحها، بيد أن النتيجة كانت مختلفة تماما عما توقعته. ولعل ذلك ما أكدته حين احتجت قائلة “لقد شتموني، وهددوني فقط لكوني امرأة. كما يملك خصومي مخاوف تجاهي لأنني أجرؤ على إدانة الأشياء كما هي”. وأضافت هذه المرشحة التي لا تخشى انتقاد الطبقة السياسية الحالية “لا يمكنني أن أتركهم يحولون لبنان إلى صندوق من القمامة”.
المرشحان البرلمانيان رنا الشميطلّي ونبيل بدر، في لافتة على مبنى في بيروت، يوم 23 نيسان/ أبريل سنة 2018
لبنان؛ بلد “ذكوري”
أشارت المرشحة يعقوبيان إلى أنها “مقتنعة بأنه لو لا وجود فرص جدية لفوزها، لما نشبت حرب شرسة ضدها”. وتبدو المرشحة واقعية، وتعلم أنه لا زال أمام المرأة اللبنانية العديد من الحواجز لتخطيها من أجل أن تصل إلى مراكز قيادية في الساحة السياسية، علما بأنه ترشحت حوالي مائة امرأة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. وفي هذا الصدد، علقت يعقوبيان أن “نسبة قليلة منهن فقط ستنجح في هذه الانتخابات”. وأشارت المرشحة إلى أن “لبنان لا زال بلدا ذكوريا”، وهو أمر تدينه.
حيال هذا الشأن، أفادت هذه السياسية بأن “هناك مقولة شعبية تشير إلى أنه يوجد مكان مخصص في الجحيم للنساء اللاتي لا تدعمن النساء”. وتعتقد يعقوبيان أنه “يجب مقاطعة القائمات التي تضم مرشحات من النساء”. وأضافت أنه “على الرغم من الوعود بزيادة حصة النساء في التمثيل السياسي، هناك حزب سياسي مسيحي لا يوجد في قوائمه أي تمثيل للنساء في منطقة الأشرفية”، في إشارة إلى التيار الوطني الحر (وهو حزب الرئيس ميشال عون). وواصلت أن “الأمر مثير للخجل. لذلك، أطلب من اللبنانيين أن يقاطعوا هذه القائمة، إنهم أسوأ من حزب الله”. بالإضافة إلى ذلك، لم تسجل في قوائم حزب الله أية امرأة، لأنه يعتقد أن قيادة البرلمان ليست من مهام النساء.
على ضوء هذه المعطيات، تعتقد يعقوبيان أن “وصول امرأة إلى البرلمان، عامل سيحقق تغييرا حقيقيا. علاوة على ذلك، تعد هذه المرة الأولى التي تشارك فيها أحزاب من المجتمع المدني في الانتخابات البرلمانية”. وبالنسبة ليعقوبيان، “تتمثل مهمتنا في محاولة تجديد دماء البرلمان، خاصة أنه لم يكن لغالبية النساء والرجال الممثلين للمجتمع المدني فرصة في السابق للمشاركة في الحكم، أو أي حزب آخر”.
في الانتخابات الأخيرة، تمكنت 66 امرأة فقط من بين 113 من العنصر النسائي اللاتي قدمن ترشحهن من دخول القوائم الانتخابية، وهو ما يعني أنهن خسرن حوالي ستة آلاف دولار، وهي القيمة التي يتم دفعها من أجل التمكن من التسجيل في هذا الحدث السياسي
في الحقيقة، تمثل هذه الانتخابات، الأولى منذ تسع سنوات، تحديا بالنسبة للمجتمع اللبناني. ومع الأخذ بعين الاعتبار النسيج الاجتماعي والسياسي المعقد لهذا البلد الصغير، الذي يضم 18 طائفة، سيبدو جليا أن النظام الانتخابي اللبناني متشابك للغاية مثل نسيج الدانتيل. وللمرة الأولى في لبنان، سيتم اختيار النواب عن طريق نظام انتخابي قائم على التمثيل النسبي ومع قوائم مفتوحة. لكن، يتوقع الخبراء حدوث القليل من التغيير لا غير. ويجب أن يعود النظام الانتخابي الجديد بالنفع على المرشحين المستقلين، خاصة من النساء. لكن، لا زال بلد الأرز يرزح تحت وطأة النظام البطريركي (الذكوري) وتثقل كاهله العشائر العائلية في الساحة السياسية.
من المشاكل الأساسية في الانتخابات، نذكر كيفية تمويل الحملة الانتخابية. ففي الانتخابات الأخيرة، تمكنت 66 امرأة فقط من بين 113 من العنصر النسائي اللاتي قدمن ترشحهن من دخول القوائم الانتخابية، وهو ما يعني أنهن خسرن حوالي ستة آلاف دولار، وهي القيمة التي يتم دفعها من أجل التمكن من التسجيل في هذا الحدث السياسي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن لبنان من أحد البلدان التي يخصص فيها أكبر حجم من الأموال للحملة الانتخابية، ويمكن أن تصل هذه القيمة إلى حدود 500 ألف دولار، ينفقها المرشح لتغطية مصاريف الإشهار، والاجتماعات، والملصقات التي تحمل شعارات وصور المرشحين. ويضاف إلى ذلك، الأماكن التي يتم حجزها في قنوات التلفزيون، التي يمكن أن تبلغ كلفتها 150 ألف دولار. وفي حال كانت الأموال متأتية من تبرعات أو من خزينة الحزب، فلن يتم المخاطرة بمرشح غير مشهور، خاصة إذا كان هذا الشخص امرأة.
نساء من أنصار حزب الله في مؤتمر الفيديو لزعيم الحزب، حسن نصر الله، في بيروت في 13 نيسان/ أبريل سنة 2018.
محاولة أن تكون مثالا يحتذى به
تختلف وضعية يعقوبيان عن بقية النساء، إذ أنها تملك شركة اتصالات خاصة بها. وقد أكدت هذه المرشحة المستقلة “أملك المال الكافي لدفع ما تتطلبه الحملة الانتخابية، كما أعول على دعم عائلتي، بما في ذلك زوجي السابق. لكن، أعترف أن العملية صعبة للغاية بالنسبة لبقية النساء”.
حيال هذا الشأن، أشارت بيغونيا لاياغاباستر، المنسقة في هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، إلى أن “المحسوبية، وشراء الأصوات، ونظام العشائر، والانتماء إلى بعض العائلات، هو موروث من الصعب نسيانه في لبنان”. وواصلت لاياغاباستر أن “هناك العديد من النساء اللاتي يرغبن في الترشح، إلا أنهن يواجهن العديد من المصاعب. علينا انتظار نتيجة الجولة الأولى، لكي نجد في الانتخابات المقبلة عددا أكبر من المرشحات. ومع ذلك، من الصعب التصور أن لبنان يواجه مثل هذه الظروف في الوقت الذي تقدر فيه نسبة النساء الحائزات على شهادات جامعية بحوالي 56 بالمائة”.
تكمن المشكلة في أن الكثير من النساء لسن متعودات على الحديث أمام الجمهور والمشاركة في اجتماعات يشارك فيها الرجال
في الأثناء، تعمل “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” على حشد الرأي العالم كي يكون على وعي بأن هناك نساء ترغبن في أن تصبحن من بين أعضاء البرلمان. كما تسعى إلى شد انتباه وسائل الإعلام، كي لا تكون تغطيتها لعملية ترشح النساء سلبية. وبالتعاون مع المنظمة غير الحكومية، “نساء رائدات”، يتم الترويج للبرامج التي تتحدث فيها النساء عن السياسة لتثقيف الرأي العام، التي شهدت مشاركة النساء في جميع النقاشات.
من جهتها، تعترف لاياغاباستر بأن “هناك نوعا من اللامبالاة من النساء اللاتي لا يرغبن في التغيير، ويعزز هذا السلوك الأنظمة الذكورية. لهذا السبب، يجب توخي الحذر”. وفي هذا الإطار، تحث المنسقة في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على “الاستفادة من التجربة وعدم السقوط في الإحباط في حال لم ترق النتائج إلى سقف التوقعات”.
عموما، لإحداث تغيير في صلب المجتمعات، تصر المسؤولة على “ضرورة تشريك النساء في جميع المجالات، وتحديدا في المجتمعات والجامعات والمعاهد حتى يكون لديهن القوة والقدرة على اتخاذ القرار. لكن، تكمن المشكلة في أن الكثير من النساء لسن متعودات على الحديث أمام الجمهور والمشاركة في اجتماعات يشارك فيها الرجال”. ولكن لا تنطبق هذه الحالة على بولا يعقوبيان، أو غيرها من المرشحات الأخريات، اللاتي ساهمن في إرساء مناخ من التفاؤل لم يسبق له مثيل، على الرغم من العقبات الكبرى التي تعترض طريقهن.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية