للعلاقات التركية العراقية أهمية قصوى منذ سنوات طويلة، باعتبار أن الدولتان الجارتان يتمتعان بخصائص جيوستراتيجية تأتي من الموقع الجغرافي الاستراتيجي لهما إضافة إلى المشتركات الجيوبوليتكية وثقافية بينهما.
وتؤدي العوامل الاقتصادية دورًا مهمًا متعدد الأبعاد في العلاقات التركية العراقية، حيث الحاجة المتبادلة بين الدولتين. فبالنسبة للعراق تشكل تركيا مدخلاً حيويًا لوارداته التجارية ودخول مختلف أنواع البضائع والسلع إلى أسواقه هذه من جهة. ومن جهة أخرى منفذًا مهما لتصدير نفطه عبر الأراضي التركية بواسطة الأنابيب التي تمر داخلها وصولاً إلى الموانئ التركية.
أما تركيا فتدرك ضرورة تواجدها في الساحة العراقية التي تتطلب المزيد من الشركات للعمل في مجال الاعمار والاستثمار ولاسيما عند انتهاء الأزمة الأمنية والقتال الدائر في الساحة العراقية ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الإستراتيجية تم تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين في عام 2008، وفي عام 2009 تم توقيع 48 اتفاقية في مجالات الأمن والطاقة ومختلف الجوانب الاقتصادية. وتساهم العراق بمد تركيا باحتياجاتها من النفط بنحو 15% من إجمالي احتياجات تركيا النفطية. وكانت آخر اجتماعات هذا المجلس عام 2017 بحضور رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في العراق.
تنظر تركيا إلى العراق كرافد مهمٍّ من روافد سياسة تنويع واردات الطاقة التركيَّة
وفي عام 2015 وبعد انقطاع ٩ سنين عن الاجتماعات الدورية للجنة الاقتصادية التركية العراقية استأنفت في العاصمة العراقية بغداد الاجتماع الدوري السادس عشر منذ تأسيس اللجنة عام 1976، وترأس الجانب العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري وزير الخارجية والسيد تانير يلدز وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي.
وبسبب سيطرة تنظيم داعش على مناطق في الشمال العراقي وغربه ووفقًا لجمعية المصدِّرين الأتراك فإن حجم الصادرات التركية إلى العراق انخفض بنسبة 21% في شهر يونيو/حزيران 2014 مقارنة بالعام الذي سبقه، الأمر الذي دفع ترتيب العراق إلى التراجع إلى المرتبة الثالثة في قائمة أكبر مستوعبي الصادرات التركية، ثم تراجعت الصادرات التركية إليه مرة أخرى بنسبة 46% في يوليو/تموز لتتراجع مرتبة العراق -أيضًا- إلى الخامسة.
وفي أغسطس/آب تراجعت الصادرات التركية على أساس سنوي بنسبة 21%، وقدَّر وزير الاقتصاد التركي حجم الخسائر التركية الناجمة عن انخفاض الصادرات إلى العراق بحوالي 3 مليارات دولار. في حين قدَّر مجلس الأعمال التركي-العراقي في مجلس إدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية (DEIK) أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى خسائر تركيَّة بقيمة 9 مليارات دولار.
ونفس الحالة بالنسبة للاستثمارات فقد خلفت سيطرة داعش على بعض المدن العراقية وزيادة التهديد الأمني إلى خسائر مباشرة في الاستثمارات التركية في العراق، فقد تمَّ إيقاف أو تأجيل العديد من مشاريع البنى التحتيَّة؛ التي كان قد تمَّ البدء فيها، أو التي يتمُّ الشروع فيها، ولا شكَّ أن ذلك قد ترتبت عليه خسائر ماليَّة لم يتم احتساب إجماليُّها في حينها وربما لاحقا، كما تأثَّر العديد من الشركات التركيَّة العاملة في العراق، أو التي تُصَدِّر إلى السوق العراقي بتدهور الأوضاع الأمنيَّة هناك؛ خاصة الشركات التي تعمل في قطاعات الطاقة والأغذية والمشروبات والإلكترونيات. ومن الطبيعي القول ان تركيا تنظر للعراق كشريك رئيسي في مجمل نشاطات الطاقة فتستورد تركيا أكثر من 70% من حاجاتها من الطاقة من الخارج (99% من الغاز، وأكثر من 90% من النفط الخام).
حجم التبادل التجاري قد سجل طفرات عدة منذ عام 2003 والذي كان يبلغ 850 مليون دولار حتى وصل في عام 2012 إلى ما يقارب من 11 مليار دولار
ومن هذا المنطلق تنظر تركيا إلى العراق كرافد مهمٍّ من روافد سياسة تنويع واردات الطاقة التركيَّة؛ وذلك على اعتبار أنَّه يمتلك أكبر خامس احتياطي مؤكد من النفط في العالم، ويحتلُّ منذ عام 2012 موقع ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، ناهيك عن أهميته في تفعيل دور أنقرة مستقبلاً كمحطة لنقل الطاقة إلى أوروبا على اعتبار أنَّ تركيا تعتبر المنفذ الأقرب لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية.
ولغرض البدء باستئناف الاجتماع لمجلس التعاون التركي العراقي الرابع فقد التقى وكيل وزارة الخارجية العراقي نزار خيرالله مع السيد أوميد يالجين في مقر وزارة الخارجية التركية بالعاصمة أنقرة في فبراير من هذا العام، وتم تناول العلاقات الثنائية بين البلدين إضافة إلى آخر التطورات الاقليمية، وفي وقت سابق أكد وزير الخارجية التركي السيد مولود جاويش أن تركيا ستواصل دعمها سيادة العراق ووحدة أراضيه، مع تأكيده على ضرورة عقد الاجتماع الرابع لمجلس التعاون التركي العراقي في أقرب وقت، بدوره كان الوزير العراقي قد أكد بأن العلاقات بين بلاده وتركيا قوية وأن العراق يرغب في تقوية العلاقات مع الجارة تركيا .
والاجتماع المرتقب بين الوفدين العراقي والتركي يأتي بعد انتصار العراق على فلول داعش الارهابي وتحرير المدن والقصبات العراقية وكذلك بعد فشل استفتاء إقليم شمال العراق وسيطرة القوات العراقية على بعض المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة، ومن المؤمل أن يشهد اللقاء والاجتماع في العاصمة أنقرة إلى التوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية التي من شانها أن تزيد من حجم التبادل التجاري وكذلك إلى زيادة المساهمات المتبادلة بين الطرفين في دفع عجلة النمو الاقتصادي لكلتا الدولتين ويذكر أن حجم التبادل التجاري قد سجل طفرات عدة منذ عام 2003 والذي كان يبلغ 850 مليون دولار حتى وصل في عام 2012 إلى ما يقارب من 11مليار دولار.
ومن المؤمل أن تشهد حجم التجارة بين البلدين تطورًا ملحوظًا بسبب رغبة البلدين في تطويرها وتوسيعها، وتأتي هذه الرغبة المشتركة كناتج لحاجة البلدين لبعضهما البعض وكذلك لعلاقات حسن الجوار بينهما والمدعوم بالاحترام المتبادل مع بزوغ عصر جديد في العراق عقب تخلصه من إرهابيي داعش واستقراره الأمني والسياسي.