تتجه التطورات على الجبهة اللبنانية نحو التصعيد بعد مقتل 12 شخصًا (بينهم أطفال وصغار سن) وإصابة 29 آخرين منهم 6 في حالة حرجة، جراء سقوط صاروخ أطلق من لبنان على ملعب لكرة القدم بمنطقة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وسط اتهامات إسرائيلية لحزب الله بالوقوف وراء تلك العملية في الوقت الذي نفى فيه الحزب اللبناني تلك الاتهامات جملة وتفصيلًا.
العملية أحدثت ارتباكًا كبيرًا في الداخل الإسرائيلي، حيث أجرى رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، جلسة مشاورات عاجلة لتقييم الوضع مع قائد القيادة الشمالية ورئيس هيئة العمليات وقائد سلاح الجو وقادة آخرين، فيما توعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – الذي قال ديوانه إنه عجل عودته من واشنطن لمتابعة التطورات – حزب الله بالرد العاجل، قائلًا إنه “سيدفع ثمنًا باهظًا لهجوم مجدل شمس لم يسبق أن دفع مثله”.
خطاب إسرائيلي متطرف يطالب بالرد العاجل والانتقامي على تلك العملية التي يعتبرها البعض الأسوأ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مقابل دعوات إقليمية ودولية للتهدئة، تجنبًا لدخول المنطقة في حالة من الفوضى العارمة حال نشوب حرب كاملة بين “إسرائيل” وحزب الله.
تهديد إسرائيلي
المتحدث العسكري الإسرائيلي، دانيال هاغاري، في أول تعليق له قال إن “ما حدث في مجدل شمس خطير جدًا وسوف نرد بما يتوافق”، مضيفًا “نجهز ردًا ضد حزب الله”، وموضحًا أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الحزب هو المسؤول عن إطلاق الصاروخ، وأنه حدث صعب، وأن الجيش كان قد حذر سكان مجدل شمس في السابق “لكننا نحقق بشكل شفاف وعميق بشأن الحادث”، لافتًا إلى أن جميع القتلى في مجدل شمس هم من الأطفال.
حاول الإعلام العبري تمرير تلك السردية من خلال الترويج لها على أكثر من مسار، فبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” فإن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية واجهت صعوبة في اعتراض الصاروخ الذي أطلقه الحزب اللبناني بمجدل شمس في الجولان، فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر أن “مجدل شمس لم تكن جاهزة لهجوم صعب، ولم يتم إجلاء سكانها وليست محصنة”.
كما نُقل عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين أن الرد على تلك العملية “سيكون واسعًا مع احتمالية الذهاب إلى حرب مفتوحة”، فيما أكد مصدر أمني إسرائيلي رسمي لهيئة البث أن “ما وقع لن يمر دون رد وسيكون ردنا قاسيًا”، وأن نتنياهو يجري مشاورات أمنية عاجلة من واشنطن سيتم استكمالها بعد عودته لتل أبيب لبحث الرد المناسب.
على المستوى السياسي تصاعد الخطاب المحفز للرد الانتقامي على تلك العملية، حيث نقل موقع “أكسيوس” عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قوله: “نقترب من لحظة حرب شاملة ضد حزب الله ولبنان”، فيما قال وزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربيل: “الرد على قصف الجولان لا يمكن أن يكون أقل من الرد على قصف الحوثيين لتل أبيب”، بينما طالب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، في منشور على منصة “إكس”، برأس زعيم حزب الله، حسن نصر الله، كثمن لما حدث.
حزب الله ينفي
الإعلان عن تلك العملية جاء بعد وقت قصير من كشف حزب الله عن استهداف 4 مواقع عسكرية شمال الأراضي المحتلة، شملت “مقر قيادة لواء حرمون في ثكنة معاليه غولاني بالجولان السوري المحتل”، دون الإشارة إلى مجدل شمس، حسب بيانات رسمية للحزب.
ومقابل الاتهامات الإسرائيلية نشر الحزب اللبناني بيانًا على “تليغرام” قال فيه إنّ “المقاومة الإسلامية في لبنان تنفي نفيًا قاطعًا الادعاءات التي أوردتها بعض وسائل إعلام العدو ومنصات إعلامية مختلفة عن استهداف مجدل شمس، وتؤكد أن لا علاقة للمقاومة بالحادث على الإطلاق، وتنفي نفيًا قاطعًا كل الادعاءات الكاذبة بهذا الخصوص”.
ولم يكتف حزب الله بنفي الاتهام الإسرائيلي وفقط، بل ألقى الكرة في ملعب الاحتلال حين أبلغ الأمم المتحدة أن الحادث سببه سقوط صاروخ اعتراضي إسرائيلي، حسبما نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أمريكي.
ويرى محللون أن عملية كتلك لو نفذها حزب الله لكان أول المتفاخرين بذلك في ظل التصعيد والتوتير المتبادل مع جيش الاحتلال على الشريط الحدودي بين لبنان والأراضي المحتلة، وأن نفيه لها يرجح استبعاده من الضلوع بها، فيما يرى آخرون أن الخسائر التي أوقعتها الحادثة لا سيما بين الأطفال وصغار السن، ورد الفعل إزائها، قد تكون سببًا وراء تبرؤ الحزب منها إذا ما كان هو صاحب التنفيذ الفعلي.
المستفيدون من تلك العملية
بعيدًا عن الاتهام الإسرائيلي ونفي حزب الله، فإن الوقوف على المستفيدين من تلك الحادثة ربما يفك كثيرًا من طلاسم الاشتباك في ظل تبادل الاتهامات بين الطرفين ومحاولة كل طرف التملص من المسؤولية.
يتصدر اليمين المتطرف في الداخل الإسرائيلي قائمة المستفيدين بلا شك، والذي طالما طالب نتنياهو بتصعيد الموقف في الجبهة اللبنانية منذ بداية حرب غزة، وتوجيه ضربات استباقية ضد أهداف لحزب الله، بهدف توسعة رقعة الحرب رأسيًا وأفقيًا، بما يخدم مصالحهم.
كذلك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أحد أبرز المستفيدين من تلك الحادثة التي ستزيد اشتعال الموقف وتُبقي على حالة التوتر في المنطقة، وهو ما يريده رئيس الوزراء المأزوم وسعى لأجل هذ الهدف أكثر من مرة، سواء في رفح أم فيلادلفيا أم اليمن أم إيران، لتأجيل حسم مستقبله السياسي المرهون بتهدئة الأجواء.
من جانبه يرى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وزعيم الطائفة الدرزية في لبنان، النائب السابق، وليد جنبلاط، أن العملية التي أسقطت عددًا من الدروز في الجولان المحتل، الهدف الأساسي منها إشعال الفتنة لتفتيت المنطقة، مؤكدًا على أنّ “استهداف المدنيين أمر مرفوض ومدان، أكان في فلسطين المحتلة أو الجولان المحتل، أو في جنوب لبنان، وتاريخ العدو الإسرائيلي وحاضره مليء بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها ضد المدنيين دون هوادة”.
كما حذر جنبلاط في الوقت ذاته “الجميع في لبنان وفي فلسطين والجولان من أي انزلاق أو تحريضِ في سياق مشروع العدو التدميري، إذ يبقى المطلوب عدم توسع الحرب ووقف فوري للعدوان ولإطلاق النار”.
بحسب الرواية الإسرائيلية ورد حزب الله وما آلت إليه التحقيقات الأولية فمن المرجح أن يكون الصاروخ، إيراني الصنع، قد أطلق فعليًا من الأراضي اللبنانية، من مزارع شبعا تحديدًا، كما ذكرت بعض المصادر، لكن لم يكن الهدف منه السقوط في مجدل شمس، لكن اعتراض صاروخ إسرائيلي له أدى إلى سقوطه في تلك المنطقة.
التداعيات المحتملة.. استثمار إسرائيلي للحادثة
حادثة مجدل شمس سيكون لها تداعيات عدة على المشهد العسكري والسياسي في الداخل الفلسطيني واللبناني على حد سواء، أبرزها:
– منح نتنياهو الضوء الأخضر لمزيد من الإجرام العسكري سواء في غزة أم على الجبهة اللبنانية، وهو ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام العبرية من أنه قد حصل على هذا الضوء خلال تواجده في واشنطن عقب الإعلان عن تلك العملية.
– إبعاد الأنظار عن جرائم الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في مختلف المناطق في قطاع غزة، والتي أسقطت خلال الأيام القليلة فقط المئات من الشهداء، معظمهم من الأطفال والنساء.
– منح نتنياهو المبرر لعرقلة مسار المفاوضات وإجهاض جهود التهدئة بحجة تصعيد حزب الله للحرب والتوتير، ما يتطلب الرد الفوري والحاسم، وهو ما كان يخطط له منذ بداية الحرب.
– تعزيز صورة المظلومية الكاذبة التي يروج لها نتنياهو في مواجهة محور المقاومة، وأنه يدافع عن الحضارة في مواجهة الفوضى، كما زعم خلال خطابه في الكونغرس، وهي السردية التي تكسبه التعاطف الدولي في كثير من الأحيان.
– تزايد الضغوط الداخلية على نتنياهو وحكومته لإبرام صفقة تبادل مع المقاومة كخطوة نحو إنهاء التوتر بشكل كلي، قبل تفاقم الوضع بصورة لا يمكن معها استعادة المحتجزين.
– تكبيل يد حزب الله ودفعه نحو إعادة النظر في استراتيجيات الاستهداف للمواقع الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في محاولة لامتصاص حالة الغضب وفرض مسار نسبي للتهدئة، وهو ما قد يخفف من الضغط العسكري الذي كان يشكله الحزب ضد الكيان المحتل خلال الآونة الأخيرة.
جهود التهدئة وسيناريوهات التصعيد
تتصاعد أجواء التوتر جراء تداعيات تلك الحادثة على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، في ظل التهديد الإسرائيلي بالرد القوي والحازم على حزب الله الذي يمتلك ترسانة تسليحية ستجعل من نشوب حرب مع الكيان المحتل حربًا شاملة ستجر معها الكثير من القوى الإقليمية والدولية، وهو ما يخشاه المجتمع الدولي في تلك الأجواء المتوترة بطبيعة الحال.
حثت قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان “يونيفيل” على لسان قائدها، أرولدو لازارو، كلًا من “إسرائيل” وحزب الله على ضبط النفس والتزام الهدوء وتجنب توريط المنطقة في حرب مفتوحة، كما جاء في اتصالاته التي أجراها مع الطرفين لمحاولة خفض التوتر.
كما تلقى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، اتصالًا من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، أكد خلاله أن “لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ 9 شهور”، وتابع “رغم هذه الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة والصريحة لمندرجات القرار 1701، فإن لبنان ومقاومته ملتزمان بهذا القرار وبقواعد الاشتباك بعدم استهداف المدنيين”.
أما عن سيناريوهات التصعيد فتجدر الإشارة ابتداءً إلى أن “إسرائيل” لا يمكنها تمرير تلك الحادثة دون رد عاجل وقوي، حتى لو لم يكن حزب الله هو المسؤول عنها، وذلك تجنبًا لما قد تتعرض له من انتقادات وتشويه لصورتها وقوتها في الداخل الإسرائيلي من جانب، وفي المنطقة بأسرها من جانب آخر.
وعليه فمن المتوقع أن يستثمر نتنياهو وجنرالاته وحكومته في تلك الحادثة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، سياسية كانت أو عسكرية، وهنا سيناريوهان لا ثالث لهما:
الأول: شن حرب مفتوحة على حزب الله، ما يعني الدخول في حرب مع محور المقاومة بأسره، في اليمن والعراق وغزة، وهو السيناريو الأصعب، وربما الأقل حظوظًا، حتى لو دخل حلفاء “إسرائيل” معها في تلك الحرب، في ظل ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات ومتطلبات ربما لا تصب في صالح الاحتلال الذي يعاني من نقص واضح في العتاد العسكري، ولم تلتئم جروحه بعد من جبهة غزة التي تزيد جراحه يومًا تلو الآخر منذ ما يقرب من 10 أشهر.
الثاني: عمليات في العمق اللبناني تستهدف مرتكزات حساسة لحزب الله، وهو ما أشارت إليه بعض المصادر في الداخل الإسرائيلي، رد قاسٍ على حزب الله دون الانجرار نحو حرب مفتوحة، وهو السيناريو الذي قد يحقق الأهداف الإسرائيلية حيث إيقاع أكبر قدر من الخسائر لاستنزاف قدرات الحزب البشرية والتسليحية.
على كل حال فإن المنطقة برمتها باتت أكثر رخوة مما كانت عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فكل الاحتمالات واردة، والباب مفتوح على كل السيناريوهات، ليبقى الشرق الأوسط بأسره فوق فوهة بركان قابل للاشتعال في أي وقت ودون تمهيد أو إنذار مبكر.