“حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي”.
هذا ما تنص عليه المادة 70 من الدستور المصري، لكن بين المكتوب والواقع هوة ساحقة وحصار قاسٍ يفرضه النظام الحاكم على صاحبة الجلالة ومئات الصحافيين المصريين الذين يحيون أوضاعًا مالية وحقوقية مأساوية، حيث يقبع في السجن عشرات الصحافيين، ويواجه آخرون شبح التشريد تحت وطأة معاداة النظام للمهنة ولحق المواطن في المعرفة.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
يحتفل العالم في 3 من مايو كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، ويرجع اختيار هذا التاريخ إلى ذكرى اعتماد إعلان “ويندهوك” التاريخي خلال اجتماع للصحافيين الإفريقيين نظمته منظمة اليونسكو في ناميبيا 3 مايو 1991.
وينص الإعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية. وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحافيين خلال تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقًا سريعًا ودقيقًا.
ويمثل هذا اليوم فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، تقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم، الدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تُشن على حريتها، الإشادة بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم.
شهد عام 2017 تصاعدًا كبيرًا في اختفاء الصحافيين قسريًا، والتحقيق معهم باتهامات لا تتعلق بعملهم الصحفي في نيابات أمن الدولة
الصحافة تحت الحصار
بينما يحتفي العالم بيوم حرية الصحافة، يستغل الصحافيون المصريون هذا اليوم لتذكير العالم بالمعاناة التي يتعرضون لها، ففي تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، منظمة غير حكومية مقرها القاهرة، بعنوان “شديد الانحدار.. المسار الديمقراطي في مصر2017″، ذكرت أن العام الماضي شهد استمرار التضييق الشديد والاستهداف المستمر لحرية الإعلام، حيث رصد محامون من أجل الديمقراطية 215 انتهاكًا متنوعًا ضد حرية الصحافة والحريات الإعلامية، في مقابل 289 انتهاكا متنوعًا لحرية التعبير والحريات الإعلامية شهدهم عام 2016، مقارنة بـ 343 انتهاكًا شهدها عام 2015.
كما شهد عام 2017 تصاعدًا كبيرًا في اختفاء الصحافيين قسريًا، والتحقيق معهم باتهامات لا تتعلق بعملهم الصحفي في نيابات أمن الدولة، وأصبحت المحاكم والنيابات تنظر محاكمات وتحقيقات الصحافيين بشكل شبه يومي. شهد كذلك زيادة كبيرة وملحوظة في الأحكام القضائية الصادرة ضد أصحاب الرأي والصحافيين.
وهكذا ترتب على الضربات الموجعة للصحافة المصرية احتلالها المرتبة الـ 161 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال 2017، في التقرير الذي أعدته منظمة “مراسلون بلا حدود” التي أكدت وجود 29 صحافيًا مسجونًا في مصر.
التدخل في العمل الصحافي
انتقد التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2017، تدخل الهيئة الوطنية للصحافة في تعيين وإقصاء رؤساء تحرير الصحف القومية المملوكة للدولة، وقيام اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري بتعيين رؤساء القنوات الإذاعية والتلفزيونية المملوكة للدولة.
يقول التقرير أن هذه الإجراءات دفعت في اتجاه تدعيم الإعلام للرئيس ومبادراته السياسية.
في 24 من مايو 2017، وجه النظام ضربة قاصمة للمواقع الإخبارية المستقلة، عندما حجب عددًا منها، بتهمة بث أخبار تحريضية
كما ذكر التقرير أنه في مايو 2017، داهمت الشرطة مقر موقع “البورصة” الإخباري، ومقر صحيفة “ديلي نيوز إيجيبت”، ووضعت لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين الصحيفتين تحت إدارة مؤسسة “أخبار اليوم”، التي تديرها الدولة، كذلك سلسلة مكتبات “ألف” المرموقة.
في السياق ذاته، ذكر مؤشر مؤسسة “فريدم هاوس” أو “بيت الحرية” للحريات لعام 2017، أن الحكومة المصرية تسيطر على قطاع الإعلام، بعد أن أغلقت معظم المنافذ المعارضة بعد 3 يوليو 2013.
وأشار إلى أن الحكومة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، أطلقت عدة قنوات تليفزيونية وصحف خاصة بواسطة رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالجيش وأجهزة المخابرات.
تحدث التقرير أيضًا عن دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في السيطرة على محتوى بث وسائل الإعلام والطباعة، وانتقد مشاركة المجلس في حملة القمع ضد الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية، سبتمبر الماضي، حينما حظر ظهورهم على القنوات الفضائية، والتشديد على منع أي تغطية إعلامية بشأن القضية، باستثناء وجهة النظر الرافضة للمثليين.
أزمة المواقع المحجوبة
في 24 من مايو 2017، وجه النظام ضربة قاصمة للمواقع الإخبارية المستقلة، عندما حجب عددًا منها، بتهمة بث أخبار تحريضية، وظل يتبع سياسة الحجب حتى وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى أكثر من 500 موقع، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
ومن أبرز هذه المواقع: قناة الجزيرة، مدى مصر، ديلي نيوز إيجبت، مصر العربية، البديل، عربي 21، المنصة، ساسة بوست، هاف بوست عربي، نون بوست، إضاءات.
حجبت الحكومة المصرية مشروع “AMP” لتسريع عملية تصفح مواقع وصفحات “الوب”، ومشروعAccelerated Mobile Pages أتاحته شركة “جوجل” لأي ناشر ليحمل أي صفحات “ويب” بشكل أسرع على الهواتف المحمولة
كما امتد الحجب إلى البرامج الإلكترونية من مقدمي خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية “vbn” والخوادم الوكيلة “proxy server” التي تمكن المستخدمين من تجاوز الحجب.
وفي مطلع فبراير الماضي، حجبت الحكومة المصرية مشروع “AMP” لتسريع عملية تصفح مواقع وصفحات “الوب”، ومشروعAccelerated Mobile Pages أتاحته شركة “جوجل” لأي ناشر ليحمل أي صفحات “وب” بشكل أسرع على الهواتف المحمولة، ومؤخرًا كانت تستخدمه المواقع المحجوبة لتمكين المستخدمين من الوصول إليها.
في السياق ذاته، أشارت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في أحدث تقاريرها عن قضية الحجب، الصادر في 19 من فبراير الماضي، الذي جاء تحت عنوان “غلق النوافذ”، أشارت إلى أن عدد المواقع المحجوبة رغم ارتفاعه لا يشكل الدلالة الحقيقية على ممارسات السلطة لفرض السيطرة على الأخبار المتداولة على الإنترنت في مصر بقدر ما توضح نوعية المواقع المحجوبة اتجاهات السلطة في فرض الرقابة على الإنترنت عمومًا.
عادل صبري.. قصة رئيس تحرير متهم بالإرهاب
يقبع في سجن القناطر للرجال، عادل صبري، رئيس تحرير موقع مصر العربية الإخباري. يؤمن صبري، الذي تنقل في تجارب صحفية عدة على مدار 30 عامًا أبرزها رئاسة تحرير بوابة الوفد الإلكترونية، بحرية الصحافة التي تعرض كافة التوجهات والآراء، وتقدم المعلومة كما هي بدون تحيز أو افتراء، وبكل حياد وموضوعية.
بدأت الأزمة في 1 من أبريل الماضي، عندما فرض المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام غرامة مالية على موقع “مصر العربية”، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى مايو 2013 والذي يديره صبري حاليًا، قدرها 50 ألف جنيه (نحو 2800 دولار)، على خلفية تقرير ترجمه الموقع من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، حمل عنوان: “مصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”.
تطورت الأزمة سريعًا، عندما داهمت مباحث “المصنفات”، مقر الموقع بحي الدقي (محافظة الجيزة)، الثلاثاء 3 من أبريل، وبعد نحو 5 ساعات من فحص أجهزة الكمبيوتر بدعوى وصول معلومات لديهم بأن الموقع يستخدم برامج مقلدة، ومع ذلك لم تجد شيئًا، فقررت غلق الموقع واقتياد رئيس تحريره إلى قسم الدقي بتهمة مختلقة وهي “عدم وجود تصريح من الحي”.
خلال التحقيق مع عادل صبري لم تُوجه له أي اتهامات سوى تهمة إصدار صحيفة إلكترونية بالمخالفة لقانون تنظيم الصحافة
جدير بالذكر أن هذه المداهمة لم تكن الأولى، فسبق وأن داهمت قوات قالت أنها تابعة لمباحث المصنفات مقر الموقع عدة مرات، على مدار الخمسة أعوام السابقة، ولم تكن تتخذ أي إجراء ضد الموقع، لصحة وقوة وسلامة موقفه القانوني، حيث أنه مُشهر ومُعترف به من كافة المؤسسات المعنية.
على أي حال، اُقتيد عادل صبري إلى النيابة في صباح الأربعاء 4 من أبريل، وفي اليوم ذاته، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانًا حول الواقعة، جاء في نصه: “الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية تتمكن من ضبط رئيس تحرير موقع مصر العربية الإلكتروني لقيامه بإدارة الموقع دون ترخيص بالمخالفة للقانون”.
وخلال التحقيق مع عادل صبري لم تُوجه له أي اتهامات سوى تهمة إصدار صحيفة إلكترونية بالمخالفة لقانون تنظيم الصحافة، وعلى مدار نحو 12 ساعة، ظل صبري في مقر النيابة بين انتظار المثول للتحقيق، وانتظار انتهاء سماع النيابة لأقوال ضابط المصنفات محرر محضر الضبط، والتحقيق نفسه، وانتظار قرار النيابة الذي صدر باستمرار حبسه لعرضه في اليوم الثاني بعد ورود تحريات جهاز “الأمن الوطني”.
وحتى ذلك التوقيت لم يكن عادل صبري متهمًا سوى بإصدار صحيفة إلكترونية بالمخالفة لقانون تنظيم الصحافة، وذلك رغم تقديمه جميع المستندات الدالة على التصاريح اللازمة وفقًا للقانون المصري.
ولكن المفاجأة كانت تنتظره مساء اليوم التالي، الخميس 5 من أبريل، عندما وردت تحريات جهاز “الأمن الوطني” إلى النيابة العامة، وفوجىء الجميع بتوجيه النيابة اتهامات جديدة تمامًا لرئيس التحرير المصري، بناء على هذه التحريات، وهي: “الانضمام إلى جماعة إرهابية، الترويج باستخدام الكتابة والرسوم والصور الشمسية والرموز إلى المذاهب التي ترسي مبادئ تغيير الدستور والنظم الأساسية عبر موقع صحيفة مصر العربية الإلكتروني، إذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة عبر موقع صحيفة مصر العربية الإلكتروني ومنها الخبر المعنون (المصريون يزحفون إلى الانتخابات الرئاسية مقابل 3 دولارات) التي من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للبلاد، والتحريض على التظاهر بقصد الإخلال بالأمن والنظام العام”.
في 2 من مايو الجاري، وقبل يوم واحد فقط من اليوم العالمي لحرية الصحافة، جددت النيابة حبس رئيس تحرير موقع “مصر العربية” 15 يومًا أخرى
على إثر هذه الاتهامات، قررت نيابة الدقي حبس عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية، 15 يومًا على ذمة التحقيقات، مع استمرار التحفظ على مقر الموقع، في القضية التي حملت رقم 4861 لسنة 2018 جنح الدقي.
وردًا على إغلاقه وحبس رئيس التحرير، أصدر العاملون بالموقع بيانًا أكدوا فيه أن “موقع مصر العربية يزاول عمله في الصحافة الإلكترونية منذ نحو 5 سنوات، وخلال تلك السنوات زارت مقر الموقع أكثر من مرة مباحث المصنفات ذاتها التي زارته آخر مرة، وفحصت أوراقه جيدًا، وتأكدت مرارًا أن الموقع يُدار من شركة مساهمة مصرية، خالصة الجذر والساق والفرع، حاصلة على ترخيص مزاولة عملها من وزارة الاستثمار المصرية، ولم يكن يعمل بالمخالفة للقانون أو دون الحصول على تصريح كما تردد”.
كذلك أشار العاملون بالموقع في بيانهم إلى “تضررهم من الإغلاق الذي حال دون حصولهم على مستحقاتهم المالية، وذلك لتزامن الإغلاق مع موعد صرف المستحقات في أول شهر أبريل”، مؤكدين أن استمرار هذا الوضع لا يعني سوى تشريد أسر أكثر من 100 صحافي وإداري وعامل بالموقع. وفي 2 من مايو الجاري، وقبل يوم واحد فقط من اليوم العالمي لحرية الصحافة، جددت النيابة حبس رئيس تحرير موقع “مصر العربية” 15 يومًا أخرى.