أمس الخميس، أعلنت حركة أرض الباسك والحرية (إيتا) الانفصالية في إقليم الباسك، حل نفسها وتصفية كل هياكلها، لتضع بذلك حدًا لأكبر حركة مسلحة في غرب القارة الأوروبية دام نشاطها أكثر من خمسين سنة، غير أن هذا الاعلان قوبل بتهوين من إسبانيا التي توعدت المنظمة بالعقاب.
انتهاء نشاط 6 عقود
في رسالة قُرأت في مركز الحوار الإنساني، قالت منظمة “إيتا” الانفصالية إن رحلتها انتهت، وإنها ولدت من الشعب وتذوب الآن وسط الشعب واتخذت قرار إنهاء وجودها لدعم ما أسمتها “مرحلة تاريخية جديدة”.
وقالت المنظمة في بيانها: “إيتا، المنظمة الاشتراكية الثورية الباسكية للتحرير الوطني، تريد إخبار الشعب الباسكي بنهاية مشوارها بعدما صادق مناضلوها على مقترح إنهاء المرحلة التاريخية ومهمة المنظمة”، وتضمن البيان الخطوات التي أقدمت وستقدم عليها المنظمة، ومنها حل جميع بناها التنظيمية ووقف جميع أنشطتها السياسية، وطالبت أعضاءها السابقين باستمرار النضال السلمي في هيئات سياسية أخرى وفق قناعاتهم وبكل مسؤولية.
في الـ20 من أبريل/نيسان الماضي طلبت المنظمة “الصفح” من ضحاياها
ويبرز البيان أن “إيتا جاءت في سياق معاناة بلد الباسك من براثن الفرانكوية (نظام الجنرال فرانسيسكو فرانكو) والدولة التي أعقبته، والآن بعد ستين سنة، هناك شعب حي يريد أن يمتلك مستقبله بفضل العمل المحقق ونضال عدد من الأجيال”.
ويوم الأربعاء، نشرت صحيفة “إل دياريو” الإسبانية الإلكترونية، خطابًا بتاريخ 16 من أبريل/نيسان الماضي لحركة “إيتا” التي يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية، وفيه إعلان حل كل هياكلها إنهاءً لحملتها التي استمرت قرابة الستة عقود، وقالت المنظمة إن قراراتها تهدف إلى “التخلص من الوضع الذي كان سائدًا خلال العقود الأخيرة وبناء مستقبل من نقطة بدء جديدة”.
مراحل سبقت القرار
إعلان المنظمة حل نفسها، سبقته خطوات عديدة، ففي الـ20 من أبريل/نيسان الماضي طلبت “الصفح” من ضحاياها، وكتبت المنظمة في بيان تاريخي: “ندرك أننا تسببنا خلال هذه الفترة الطويلة من النضال المسلح بكثير من الألم والضرر الذي يتعذر إصلاحه”، وأضافت “نريد التعبير عن احترامنا لقتلى وجرحى وضحايا العمليات التي قامت بها إيتا… نعرب عن أسفنا الصادق”.
ثم خاطب البيان مباشرة “الضحايا الذين لم يشاركوا مباشرة في النزاع”، أي المدنيين الذين لم يكونوا نوابًا أو عناصر من الشرطة أو حراسًا مدنيين، وطلب منهم الصفح مباشرة، فقالت: “نطلب الصفح من هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم، وهذه الكلمات لن تحل ما حصل ولن تخفف كثيرًا من الألم، نقول هذا باحترام، ولا نريد التسبب بمزيد من الحزن”.
وفي الـ7 من أبريل/نيسان 2017، أعلنت “إيتا” تخليها في قرار أحادي عن أسلحتها إلى ممثلي المجتمع المدني لإقليم الباسك، فيما ألقت المنظمة السلاح في الـ8 من نفس الشهر في مدينة بايون، وهي تقع في منطقة الباسك الفرنسية، أي بعد يوم واحد من هذا القرار.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2011، تخلت المنظمة الانفصالية عن النضال المسلح، ووجهت حينها “نداءً إلى حكومتي إسبانيا وفرنسا للبدء بعملية حوار مباشر يهدف إلى معالجة تداعيات النزاع، وتاليًا تجاوز المواجهة المسلحة”.
تاريخ دامٍ
عرفت المنظمة منذ تأسيسها في ظل الدكتاتورية في عهد فرنسيسكو فرانكو، بنهجها العنيف، حيث قتلت 853 شخصًا باسم معركتها من أجل استقلال بلاد الباسك ونافار، كما تقول السلطات، أبرزهم رئيس الحكومة الإسبانية كريرو بلانكو الذي اغتيل في ديسمبر/كانون الأول 1973.
وتسببت أيضًا بسقوط آلاف الجرحى في اعتداءات استخدمت فيها القنابل في بلاد الباسك، في بقية أنحاء إسبانيا وفرنسا، ونسقت عمليات خطف وابتزت رؤساء مؤسسات، وتكثفت هذه الأعمال في الثمانينيات والتسعينيات، بعد عودة الديموقراطية إلى إسبانيا.
تؤكد حكومة الحكم الذاتي في بلد الباسك أن إسبانيا اعتقلت 40 ألف شخص بتهمة الانتماء إلى “إيتا”
ونفذت “إيتا” أول عملية قتل معروفة لها في الـ7 من يونيو/حزيران 1968، حينما استهدفت ضابط في الحرس المدني (الشرطة العسكرية)، ميليتون مانزاناس الذي قتل بإطلاق الرصاص عليه في مدينة سان سيباستيان بإقليم الباسك الإسباني، أي بعد 9 سنوات من تأسيسها الذي كان سنة 1959.
هل تفلت من العقاب؟
إعلانها حل نفسها وتصفية هياكلها لن يجيرها عن الملاحقة القانونية، وفقًا للحكومة الإسبانية، حيث قال رئيس الحكومة ماريانو راخوي إن ما قامت به “إيتا” هو بروباغندا، وهذا لا يعني إفلاتها من العقاب القانوني عن الجرائم التي ارتكبتها ولن يكون لها مكافأة على قرار الحل.
وتوعد راخوى فى تصريحات صحفية أمس الخميس، عناصر المنظمة بالملاحقة القضائية قائلاً: “لن تجد إيتا أي ثغرة للإفلات من العقاب مهما قالت أو فعلت، يمكن للمنظمة أن تعلن أنها ستختفي لكن أفعالها وجرائمها لن تختفي”.
وتأمل المنظمة في العفو عن باقي الملاحقين وتقريب معتقليها في السجون إلى مدن بلد الباسك شمال إسبانيا، ويوجد رهن الاعتقال حاليًّا المئات من أعضاء المنظمة، ويطالبون بتقريبهم من سجون بلد الباسك، كما يوجد أكثر من مئة ملاحقين من طرف القضاء الإسباني.
يقول المنتدى الاجتماعي، وهو منظمة قريبة من عائلات السجناء، إن لمنظمة إيتا قرابة 300 عضو مسجون في فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وما بين 85 إلى 100 فارون، وفرنسا أبعدت 12 شخصًا “لا يحملون مستندات رسمية إلى إفريقيا أو أمريكا اللاتينية”.
وتؤكد حكومة الحكم الذاتي في بلد الباسك أن إسبانيا اعتقلت 40 ألف شخص بتهمة الانتماء إلى “إيتا”، بينما يؤكد تقرير اعتقال عشرة آلاف فقط ما بين 1960 إلى 2013، وبإعلان “إيتا” حل نفسها، تكون إسبانيا قد دخلت منعطفًا سياسيًا جديدًا، وتكون أوروبا قد شهدت نهاية آخر منظمة مسلحة.