على الرغم من أنّ الكثير من الدراسات والأبحاث سعت منذ عقود كثيرة إلى كشف أسرار التخاطر بوصفه ظاهرة نفسية أو غيبية، إلا أنها ما تزال في موضع جدال علميّ كبير، خاصة وأنّها ظاهرة غيبية لا تخضع للقوانين الملموسة والمقاسة، وبالتالي فغالبًا ما يتمّ وصفها بأنها ذهانية وغير قابلة للتصديق.
يعرّف التخاطر بكونه المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر دون استخدام أي قنوات حسية بشرية معروفة أو أي تفاعلٍ ماديّ، ويشمل هذا الاتصال التخاطر العقلي للأفكار والآراء والمشاعر والأحاسيس والصور العقلية. وقد ظهر مصطح Telepathy بكونه أحد فروع علم النفس الماورائي على يد العالم فريدرك مايرز عام 1882، مشتقًا من اللغة اليونانية، إذ أنّ tele تعني “بعيد” أو “مسافة” و pathe تعني “التواجد” أو “الشعور”، وبذلك يكون المعنى الحرفيّ للمصطلح هو “الشعور عن بعد”.
يعرّف التخاطر بكونه المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر دون استخدام أي قنوات حسية بشرية معروفة أو أي تفاعلٍ ماديّ
وبكلمات أكثر تفصيلًا، فالتخاطر هو التواصل بين عقلين تفصل بينهما مسافة فيزيائية معينة دون أيّ استخدامٍ للحواس الخمس الأساسية. ولو فكرتَ بالموضوع، فستجد أنه في مرحلةٍ ما أو أخرى، فقد شهدتَ نوعًا من التخاطر مع شخصٍ آخر، كأنْ تكون تفكر فيه فيرسل لك أو تلتقيَ فيه فجأة أثناء تفكيرك، أو أنْ تقول نفس الشيء مع شخصٍ آخر في نفس الوقت، أو تبدآن بغناء أغنيةٍ ما دون تنسيق مسبق.
ولو رجعنا إلى كتب التاريخ عندنا، لوجدنا أنّ التخاطر كان حاضرًا بشكلٍ أو بآخر في الروايات المتناقلة، مثل القصة التي تُروى عن عمر بن الخطاب حين كان يخطب على المنبر في المدينة، فالتفت ونادى بأعلى صوته: يا سارية بن الحصن “الجبل الجبل”، فلما سئل عن تفسير ذلك، قال: “وقع في خلدي أن المشركين هزموا أخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام”. ثم قال الراوي للحديث: “جاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا في ذلك اليوم وفي تلك الساعة صوتًا يُشبه صوت عمر بن الخطاب يقول: يا سارية بين الحصن الجبل الجبل فعدلنا إليه ففتح الله علينا”.
يعتبر المجتمع العلمي علم التخاطر علمًا زائفًا لا أساس له ولا يرتبط بالصحة أو الدعم العلميّ
بدأ الاهتمام البحثيّ في ”التخاطر” كظاهرة علمية في نهاية القرن التاسع عشر مع بزوغ عدد من الظواهر السيكولوجية الأخرى مثل التنويم المغناطيسي أو ما يُعرف بمصطلح ” “mesmerismوالتي فتحت باب العلوم النفسية الماورائية أو الموازية، وهو الدراسة العلمية لظواهر معينة مزعومة، لا تخضع للافتراضات العلمية المعروفة وتتضمن أساسًا دراسة ظاهرتي الإدراك وراء الإحساس والتحريك عن بُعد. وقد أصبح التخاطر أول ظاهرة نفسية يتم دراستها علميًا بعد ما تأسست الجمعية الأمريكية للبحوث النفسية (ASPR) عام 1885.
وفي بدايات القرن العشرين، عمل عالم النفس الشهير كارل جوستاف يونج على دراسة التخاطر بوصفه أحد أشكال “الصدفة”. فقد طوّر يونغ فكرة التزامن (Synchronicity) في كتابه “التزامن: مبدأ ترابط لا سببي”، مفترضًا أنّ عدد الأحداث ذات التصادفات الغريبة أكبر من عدد احتمالات حدوثها الرياضية، مما يجزم أن هناك عاملا إضافيًا، مشيرًا إلى التخاطُر، قد يشرح ظاهرة الصُدف؛ لكنّ محاولاته باءت بالفشل.
يصعب اختبار التخاطر مثله مثل الظواهر الماوراء نفسية، بشكل منهجيّ يخضع للقواعد العلمية، خاصة وأنّ هذه الظاهرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالات العاطفية لكلٍّ من المرسل والمستقبل، مما يخلق صعوبة في تكرار النتائج التجريبية.
وليومنا هذا، فقد تمّ إجراء مجموعات واسعة من الاختبارات والتجارب لدراسة التخاطر، لكنّ المجلس القومي للبحوث بالولايات المتحدة أكد أنّه لا يوجد أي دليل علمي يدعم هذه الظاهرة، وأنه “على الرغم من وجود 130 عامًا من الأبحاث العلمية حول مثل هذه الأمور ، فإن لجنتنا لم تجد أي مبرر علمي لوجود ظواهر مثل الإدراك خارج نطاق الحواس أو التخاطر العقلي أو تمارين “العقل فوق المادة”، وبالتالي فإنّ المجتمع العلمي يعتبر علم التخاطر علمًا زائفًا لا أساس له ولا يرتبط بالصحة أو الدعم العلميّ.
ويرجع هذا الحُكم إلى أنّ أبحاث التخاطر اعتمدت على عيّنات تعتبر صغيرة جدًا، في حين أنّ نتائجها لم يتم تكرارها ولا يمكن تعميمها، وبالتالي فإنّ المعارضين لهذه النظرية يرون أنّ أن تكرار أيّ اكتشاف أو نتائج أو خوارزمية متعلقة بها لا يعدّ ممكنًا من الناحية الإحصائية. وبالتالي، فيصعب اختبار التخاطر مثله مثل الظواهر الماوراء نفسية، بشكل منهجيّ يخضع للقواعد العلمية، خاصة وأنّ هذه الظاهرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالات العاطفية لكلٍّ من المرسل والمستقبل، مما يخلق صعوبة في تكرار النتائج التجريبية.
بالنسبة للطب النفسيّ أو لعلم النفس السريريّ، فلا يختلف تعريف التخاطر عن المفهومين السريريين؛ الأوهام والأفكار المقتحمة، وهو شعور الفرد كما لو أن أفكاره ليست خاصة به، بل تنتمي إلى شخص آخر وتم إدخالها أو زرعها في عقله، وبالتالي فهذا الشخص يرى أنه يستطيع التمييز بين أفكاره الخاصة وتلك التي تنتمي لغيره. كما أنّ الشخص الذي لديه هذا الاعتقاد الوهمي يكون مقتنعًا بصدق معتقداته وغير مستعد لقبول توهّمه أو تخيله.
وتلك الأوهام تعدّ أحد أعراض بعض الاضطرابات النفسية والعقلية خاصةً فصام الشخصية أو الاضطراب الفصامي العاطفي أو الذهان الناجم عن المواد، وهو شكل من أشكال اضطراب تعاطي المخدرات حيث يمكن تعزية سبب الذهان إلى تعاطي المخدرات أو المواد الكيميائية الأخرى. فيرى مجموعة من الأطباء النفسيين أنّ الأشخاص المصابين بهذه الاضطرابات هم أكثر الأشخاص الذين يؤمنون بإمكانية التخاطر وحدوثه.