إسطنبول المدينة الجميلة ببنيانها وإنسانها، هذه المدينة المنقسمة على شرطين أوروبي وآسيوي تأبى إلا أن تحتضن في ربوعها جنسيات متعددة، ومن هذه الجاليات الجالية العراقية التي قدمت إلى إسطنبول منذ زمن، ولكن الحرب الأخيرة عام 2014 العامل الأكبر الذي جعل العراقيين يقصدون إسطنبول لميزتها السياحية والتجارية، وكذلك لوجود جالية عربية كبيرة بها.
فعندما تمشي في شوارعها سترى الصوت العربي حاضرًا وبقوة، واليوم بدأ جيلٌ عراقي يتربى في أرض الفاتح، وكذلك كثير من العراقيين بدأوا يتوجهون للدراسة في الجامعات التركية، بالإضافة لوجود تجار استأنفوا حياتهم التجارية في إسطنبول.
أهم مراحل توافد العراقيين إلى إسطنبول
العراقيون الذين يوجدون في إسطنبول تتفاوت عدد السنوات التي يقيمون بها، وعند تساؤلنا عن شخص قدم إلى إسطنبول منذ زمن مبكر، سمعنا بالأستاذ مدحت إبراهيم الموجود في إسطنبول منذ ما يقرب ثلاثة عقود من الزمن، وعندما سألناه عن بداية توافد العراقيين إلى إسطنبول قال:
المرحلة الأولى: ما قبل الحرب العراقية الإيرانية، إما بسبب الدراسة واستقروا بعدها أو لجوء.
المرحلة الثانية: مع بداية وحتى انتهاء الحرب العراقية الإيرانية.
المرحلة الثالثة: بعد غزو الكويت والضربة الأمريكية للعراق.
المرحلة الرابعة: بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
المرحلة الأخيرة: بعد ظهور داعش وإلى يومنا هذا.
وجعلت المرحلتان الرابعة والأخيرة العراقيين يوجدون بكثافة بسبب الاحتلال وما لحقه من حرب طائفية، وكذلك احتلال داعش لأجزاء واسعة من العراق.
تعتبر أكاديمية المعرفة من المدارس العراقية الرصينة التي تدرس المنهج العراقي، وما يميز المدرسة عن بقية المدارس العراقية الأخرى، أنها تستضيف في أروقتها طلبة من دول مختلفة
أهم المدارس العراقية في إسطنبول
من الأمور التي أعطتها الجالية العراقية اهتمامًا كبيرًا، قضية التعليم، لذلك مع بداية وجود العراقيين في تركيا، بدأوا بإنشاء وتأسيس المدارس الخاصة، باعتراف وموافقة من وزارة التربية العراقية، ففي إسطنبول يوجد خمس مدارس عراقية، تدرس المنهج العراقي، بإدارة ومدرسين عراقيين، وهذه المدارس هي:
1. مدرسة بغداد الأهلية
تعتبر مدرسة بغداد الأهلية أول مدرسة عراقية رسمية معترف بها من وزارة التربية العراقية، وفي حديث مع مؤسس المدرسة الأستاذ عدي جابر قال: “مدارس بغداد الأهلية في تركيا أول مدرسة عراقية فتحت في إسطنبول، واستقبلت المدرسة بدعم من وزارة التربية العراقية طلاب المحافظات الساخنة التي سيطرت عليها فلول الاٍرهاب، ومن فضل الله تم استقبال الطلبة وبجهود حثيثه استمرت مدارسنا بسنتها الرابعة ومن أهم ما يميز مدارسنا اختيار الإدارة الجيدة القوية، والأساتذة الأكفاء ليتحقق النجاح لأولادنا الطلبة”.
مضيفًا “كما حازت مدارسنا كتب شكر من وزارة التربية ومديرية الإشراف التربوي والقنصلية العراقية والسفارة في أنقرة، وشاركنا بمهرجان شكرًا تركيا كرد جميل لهذا البلد المسلم”.
2. أكاديمية المعرفة العراقية
تعتبر أكاديمية المعرفة من المدارس العراقية الرصينة التي تدرس المنهج العراقي، وما يميز المدرسة عن بقية المدارس العراقية الأخرى أنها تستضيف في أروقتها طلبة من دول مختلفة، ولمعرفة تفاصيل عن المدرسة أجرينا حوارًا مع مدير المدرسة الأستاذ دريد عبد العزيز فتحدث قائلاً: “المدرسة هي مؤسسة تربوية تعليمية رائدة ومتميزة ورصينة، تعمل على تخريج طلبة مؤهلين علميًا وتربويًا ومعرفيًا للتنافس في سوق العمل والكفاءات، ورسالة المدرسة: تعمل المؤسسة على توفير بيئة تعليمية حديثة، بمنهج عراقي رصين مستخدمين طرائق وأساليب فاعلة، تحقق التعلم بشكله التعاوني ذي المعنى بتوظيف التقنية المتطورة والخبرات البشرية المتخصصة، مع مراعاة كل المتغيرات في مجتمع وبيئة المتعلم عنها في بلده، بعمل جاد وهمة مخلصة لإنقاذ أبنائنا المهجرين والمهاجرين من العراقيين والعرب في دول الجوار”.
تعتبر مجموعة مدارس أمل نينوى العراقية في تركيا، من أوائل المدارس التي شرعت في العمل بمحافظة أورفة عام 2014، ثم شرعت بفتح بقية الأفرع في محافظات تركيا الأخرى، ومن بينها إسطنبول
وأضاف عبد العزيز أن مدارسهم تُغطي المراحل التالية: رياض الأطفال والابتدائية والمتوسطة والإعدادية، وللمدرسة نشاطات متعددة منها: رحلات ترفيهية ونشاطات طلابية في مجال الكتابة والفن ومعرض سنوي في المجال العلمي والفني، بالإضافة للمعرض السنوي للكتاب بالاشتراك مع مجموعة من دور النشر، وكذلك نشاطات رياضية وزيارات علمية للجامعات التركية وحملات صحية وتثقيفية”.
3. مدرسة أمل نينوى العراقية
تعتبر مجموعة مدارس أمل نينوى العراقية في تركيا، من أوائل المدارس التي شرعت في العمل بمحافظة أورفة عام 2014، ثم شرعت بفتح بقية الأفرع في محافظات تركيا الآخرى، ومن بينها إسطنبول، ولمعرفة مدارس أمل نينوى العراقية أجرينا مقابلة مع مدير المدرسة الأستاذ فراس ناجي فتحدث قائلاً إن مدارسهم تعتمد المناهج العراقية، ومعترف بها من وزارة التربية العراقية، وتدرس المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، كما تهتم بالأنشطة اللاصفية من مهرجانات وفعاليات رياضية وثقافية والحساب الذهني والموسيقى والفنية، وكذلك أنشطة خارجية كزيارة معرض الكتاب وسفرات سياحية وسفرات علمية كزيارة الجامعات التركية.
وأضاف فراس أن مدارسهم تعمل للحصول على اعتراف من وزارة التربية التركية لتسهيل دخول طلبتهم إلى الجامعات التركية بيسر وسهولة.
4. مدرسة الأندلس العراقية
تعتبر مدارس الأندلس النموذجية من المدارس الحديثة الولادة؛ حيث فتحت أبوابها في العام الدراسي السابق، وللوقوف على تفاصيل المدرسة حدثنا الأستاذ خبيب الراوي مسؤول شؤون الطلبة قائلاً: “بتاريخ 1 من أكتوبر 2016 انطلقت مدارس الأندلس النموذجية الأهلية كنجمة لامعة في سماء إسطنبول لتحتضن أبناءنا الطلبة الذين اضطرتهم الظروف للعيش في هذه المدينة، ولتدريس المنهج العراقي”.
تهتم الأكاديمية الدولية للقيادة والتنمية بجلب الطلبة العراقيين من الداخل للدراسة في مدينة إسطنبول
كما تمتاز مدارسنا بقيادة الأستاذ خالد العبيدي وبإدراة وكادر تدريسي كفء، إضافة إلى بناية رائعة، تتوفر فيها المستلزمات التعليمية كافة، وتمتاز أيضًا برعايتها للطلاب الأيتام ممن فقدوا آباءهم بسبب الإرهاب المتمثل بقوى الظلام، إذ يتم تسجيلهم مجانًا لطلاب المرحلة الابتدائية مع وجبتين طعام، وبنصف الأجورلحفظة القرآن الكريم، مع الاهتمام بالطلاب المتفوقين، فتم إطلاق منح دراسية مجانية كلية وجزئية دعمًا لذويهم وتشجيعًا لتميزهم وتفوقهم، والأندلس تعتبر أول مدرسة اتخذت خطوة المنح الدراسية، وفي العام الأول من انطلاقتها حصدت المركز الثاني في نسبة النجاح للصفوف المنتهية”.
ما أهم المؤسسات المجتمعية والثقافية العراقية في إسطنبول؟
1. الأكاديمية الدولية للقيادة والتنمية
الأكاديمية الدولية للقيادة والتنمية التي تعني بجلب الطلبة العراقيين من الداخل للدراسة في مدينة إسطنبول، تأسست عام 2014، وفي مقابلة مع الأستاذ معاذ الراوي مسؤول قسم شؤون الطلبة في الأكاديمية تحدث قائلاً: “مؤسسة مجتمع مدني مستقلّة، ومسجلة رسميًا في تركيا، ولها العديد من الشراكات مع المؤسسات التعليميَّة والتنمويَّة الرائدة، وفي نفس الوقت تساهم في اكتشاف الطاقات وتنمية القدرات لدى الفرد والمنظمات، من خلال توفير بيئة تربوية ملائمة، وتجتهد الأكاديمية في توفير المنح الدراسية والاستشارات والخدمات التعليمية للطلبة الأكفاء، وتهتم برعاية البرامج التطويرية والمبادرات الشبابية الناجحة وتختصر رؤية الأكاديمية بأنها مؤسسة بيت خبرة رائدة ومتخصصة في بناء القدرات وتوفير بيئة تعليمية وتنمويّة متطورة، وتهتم ببناء الإنسان، مع التزامها بقيم النجاح والإبداع والتميُّز”.
2. مركز الذكر الحكيم لتعليم القرآن الكريم
يهتم العراقيون بالقرآن الكريم والقراءات القرآنية، وبقي ملازمًا لهم وهم خارج وطنهم الأم، وفي حديث مع الشيخ سعد الكرطاني حدثنا عن تجربة مركز الذكر الحكيم قائلاً: “هو مركزٌ يهتم بتدريس القرآن الكريم تلاوة وحفظًا وفهمًا، أسس في إسطنبول عام 2015 وهو فرع من بغداد، يستهدف جميع الفئات بمختلف الجنسيات، له بصمة في تدريس القاعدة النورانية والأداء المتميز في إتقان التلاوة، إضافة إلى المشاريع الأخرى التي تعين مشروع القرآن الكريم”.
الانتقال من مكان بحد ذاته هو تحدٍ للإنسان، فكيف بالانتقال من وطن إلى وطن آخر يختلف بالعادات والتقاليد واللغة، وخصوصًا في مدينة كبيرة كإسطنبول
3. أكاديمية إنسان لبناء القيم
من المؤسسات العراقية التي انطلقت حديثًا في مدينة إسطنبول وتهتم بترسيخ القيم عند فئة الفتيان بالتحديد، أكاديمية إنسان لبناء القيم وفي لقاء مع مدير المؤسسة الأستاذ محمد الهاشمي حدثنا: “مؤسسة تهتم بالفتيان والشباب بمنظومة قيم الإنسان، متخذةً من شعار (أجيال صاعدة وآمال واعدة) عنوانًا لانطلاقة مسيرتها، وهي تعمل على أربعة محاور: إعداد المناهج والبرامج والمشاريع الشبابية، والتدريب والتأهيل للكوادر التربوية التي تعمل مع الفتيان والشباب، وتطبيق البرامج التربوية والقيمية والتنموية والمخيمات، والتواصل العائلي والتأهيل القيمي للأسرة”.
4. اتحاد الطلبة والشباب العراقيين في الخارج
يعتبر اتحاد الطلبة والشباب العراقيين من المؤسسات الحديثة الولادة في إسطنبول، وفي حديث مع مسؤول الاتحاد الطالب عبد الله النجار أخبرنا: “الاتحاد تشكل بجهود عدد من الطلبة العراقيين الذين لمسوا حاجة ماسة إلى كيان يمثل طلبة العراق الدارسين في تركيا، إضافة إلى مبادرة هذه المجموعة للمساهمة في حل المشاكل الكثيرة التي تواجه الطلبة العراقيين”.
وأضاف النجار “انطلقت الفكرة من إسطنبول لتنتشر في 15 محافظة تركية التي تعتبر من المحافظات الرئيسية في البلاد، وليصبح اتحاد إسطنبول الاتحاد الأضخم من بين الاتحادات الفرعية الـ15 نظرًا لكثافة الطلبة العراقيين في المدينة، حيث يضم 14 جامعة أهلية وحكومية”.
اللغة.. تعتبر اللغة تحدٍ كبير للجالية العراقية، فكثير من العراقيين لا يحسنون من اللغة التركية إلا الشيء القليل
ما أهم التحديات والعوائق التي تواجه الجالية العراقية؟
الانتقال من مكان بحد ذاته هو تحدٍ للإنسان، فكيف بالانتقال من وطن إلى وطن آخر يختلف بالعادات والتقاليد واللغة، وخصوصًا في مدينة كبيرة كإسطنبول، وللحديث عن أهم هذه المشاكل أخبرنا الأستاذ مدحت إبراهيم أن هذه التحديات هي:
أولاً: الإقامة.. تعبر التحدي الرئيسي لأي إنسان في حالة وجوده في غير بلده، وفي نفس الوقت الحصول عليها هو ضمان لهذا المواطن وحقوقه.
ثانيًا: العمل.. التحدي والمشكلة الكبيرة أن يكون الإنسان خارج وطنه ويكون عاطلاً عن العمل، لأنه من دون العمل لن يستطيع أن يواكب هذا المجتمع، ودونه لن تفتتح له مجال لإقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين.
ثالثًا: اللغة.. تعتبر اللغة تحدٍ كبير للجالية العراقية خصوصًا، فكثير من العراقيين لا يحسنون من اللغة التركية إلا الشيء القليل، وهذا يجعل فجوة بينهم وبين المجتمع التركي.
رابعًا: عدم معرفة القوانين.. يعتبر الجهل بالقوانين مشكلة كبيرة جدًا خصوصًا تلك القوانين المجتمعية فاختراقها يسبب مشكلة مع الأتراك، فمعرفة القوانين الرسمية والمجتمعية مهمة جدًا.
وبعد هذه الرحلة في الحديث عن الجالية العراقية في إسطنبول، حاولنا أن نسلط الضوء على اهتمام الجالية بالجانب العلمي المتمثل بالمدارس، والجانب الثقافي المتمثل بالمؤسسات الثقافية والمجتمعية، وكذلك هناك اهتمام للجالية بمجال المأكولات والمطاعم، ففي إسطنبول عدد كبير من المطاعم العراقية المتميزة، وكذلك اهتمام بمجال التجارة، فضلاً عن مشاركة الجالية في تظاهرات نصرة المسجد الأقصى، فقد كان حضور الجالية العراقية واضحًا ومميزًا.