ترجمة وتحرير: نون بوست
“نحن هنا! نحن هنا! لقد وصلنا!” هتفت المحامية والناشطة، فالاري كاور، لأكثر من 4000 مشارك من جنوب آسيا يحشدون من أجل كامالا هاريس في مكالمة عبر تطبيق زووم مساء الأربعاء.
“أريد أن أسمي هذه لحظة تاريخية – ولحظة لنا جميعًا لنجتمع معًا”. في حال انتخابها؛ ستصبح المرشحة الديمقراطية المفترضة للرئاسة الأمريكية أول امرأة وأول امرأة سوداء وأول امرأة من جنوب آسيا تفوز بالرئاسة الأمريكية.
وكان جدّ كاور، وهو مزارع سيخي من البنجاب في الهند، قد أبحر إلى الولايات المتحدة على متن باخرة في سنة 1913؛ حيث تقول كاور: “لقد واجه الاعتقال والتهديد بالترحيل والحرمان من الجنسية. فهل كان يتخيل أننا سنكون هنا، في هذه اللحظة، بعد 111 سنة؟ هل كان بإمكاننا أن نتخيل، في حياتنا، أن تأتي هذه اللحظة؟”.
كانت كاور واحدة من سلسلة من المتحدثين الذين كان من بينهم الممثلة ميندي كالينغ، وعضوة الكونغرس براميلا جايابال، وعضوة مجلس فيلادلفيا نينا أحمد، والممثلة بورنا جاغاناثان وغيرهن من القيادات النسائية الجنوب آسيوية اللاتي دعون النساء الجنوب آسيويات إلى التجمع من أجل هاريس.
وفي حين أن الآراء داخل المجتمع الجنوب آسيوي متباينة – حيث أعرب عدد قليل من المتحدثين والعديد من المستمعين في المكالمة عن مخاوفهم بشأن دعم إدارة بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة – إلا أن إمكانية انتخاب هاريس في انتخابات يكون فيها مستقبل الديمقراطية الأمريكية على المحك قد جدد الأمل للديمقراطيين.
ففي غضون 24 ساعة فقط؛ حطمت حملة هاريس أرقامًا قياسية في جمع التبرعات؛ حيث جمعت 81 مليون دولار، وسارعت منظمات جنوب آسيا إلى التعبئة. وأطلقت منظمة “صندوق التأثير الأمريكي الهندي“، وهي منظمة تدعم الأمريكيين الهنود في المناصب السياسية، الموقع الإلكتروني desipresident.com تحت شعار “كامالا كي ساث” (والتي تعني “مع كامالا” باللغة الهندية). وذكرت أنانيا كاتشرو، الرئيسة المشاركة للتواصل مع الديمقراطيين في المدارس الثانوية والجامعات في منظمة “جنوب آسيويين من أجل أمريكا”، أنها شهدت “زيادة بنسبة 700 بالمئة في تسجيل الناخبين في أقل من 72 ساعة”، وأغلب هؤلاء الناخبين دون سن 35 سنة.
وتحمل انتخابات 2024 معها لحظة تاريخية أخرى: قد تصبح أوشا فانس، زوجة المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، وهي امرأة من أصول هندية وابنة مهاجرين سيدة أمريكا الثانية. إن إلقاء الضوء على امرأتين من أصول هندية – اللتين تمثلان رؤيتين متعارضتين لمستقبل أمريكا – يتطلب إعادة النظر في تاريخ معقد وغالبًا ما يتم تجاهله حول صعود مجتمع يشكل أكثر من 1 بالمئة من سكان الولايات المتحدة.
- تحدثت براميلا جايابال في مكالمة زووم يوم الأربعاء.
سلط هذا الواقع السياسي الجديد الضوء على الجاليات الأمريكية الهندية في الولايات المتحدة؛ حيث لا يشكل الأشخاص المنحدرون من أصل هندي سوى 0.6 بالمئة فقط من عدد الناخبين المؤهلين في أمريكا، وفقًا لمنظمة إيه إيه بي آي داتا، وهي منظمة غير ربحية تتعقب البيانات حول مجتمعات الأمريكيين الآسيويين وسكان هاواي الأصليين وسكان جزر المحيط الهادئ.
ومع ذلك، يمثل الأمريكيون الهنود ضعف هذه النسبة تقريبًا في الكونجرس؛ حيث يوجد خمسة نواب أمريكيين – جايابال ورو خانا وراجا كريشنامورثي وآمي بيرا وشري ثانيدار – الذين يطلقون على أنفسهم اسم تجمع الساموسا. (إذا فاز عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا سوهاس سوبرامانيام في ترشحه للدائرة العاشرة في الكونغرس بالولاية هذا الخريف، فسيكون هناك ستة نواب).
ويشغل حوالي 40 أمريكيًا هنديًا مقاعد في المجالس التشريعية للولايات، وشغل أمريكيان هنديان منصب حاكم ولاية، ويشغل عدد من الأمريكيين الهنود مناصب في الكابيتول هيل وداخل البيت الأبيض. ومما يؤكد الصعود السياسي الأخير لهذه المجموعة هو النجاح الاقتصادي: الأمريكيون الهنود هم أيضًا من أغنى المجموعات المهاجرة وأكثرها تعليمًا في البلاد؛ حيث يبلغ متوسط دخلهم 120,000 دولار. وقد جلبت هذه الظاهرة مجتمعةً تركيزًا جديدًا على الأمريكيين الهنود على وجه الخصوص؛ حيث أشادت صحيفة نيويورك تايمز بهذه المجموعة العرقية باعتبارها “قوة سياسية“.
وفي حين أن الهنود يشكلون ثاني أكبر مجموعة مهاجرة في أمريكا، وفقًا لمركز بيو للأبحاث، إلا أنهم أيضًا من الوافدين الجدد نسبيًا. ففي سنة 2000، كان عدد السكان الهنود حوالي 2 مليون نسمة، وبحلول سنة 2019، كان عددهم 4.6 ملايين نسمة. ويقول كارثيك راماكريشنان، مؤسس إيه إيه بي آي داتا وأستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد: ”إنها قصة رائعة جدًا لشعب حُرم من الجنسية حتى سنة [1946]، وواجه دخولًا محدودًا للغاية حتى سنة 1965″.
وفي حين أن الحضور المتزايد للجالية الأمريكية الهندية في السياسة جدير بالملاحظة بالفعل، إلا أنه من المثير للقلق تقديم هذه الظاهرة دون سياقها الصحيح: فقد استخدمها بعض الكتاب والقادة للادعاء بأن التمييز العنصري المنهجي غير موجود في الولايات المتحدة.
وهناك العديد من العوامل المعقدة التي تقف وراء صعود هذه المجموعة المهاجرة، ولكن الرواية الأكثر شيوعًا – والأكثر ضررًا – المستخدمة لتفسير ذلك هي ببساطة: أن النجاح الأمريكي الهندي فطري. ففي صحيفة وول ستريت جورنال، جادل الكاتب تونكو فاراداراجان بأن وضع فانس “يجسد صعود مجموعة مهاجرة ازدهرت دون حصص أو عمل إيجابي”، وكتب قائلًا إن نجاح الأمريكيين الهنود يدحض بشكل أو بآخر “مزاعم “العنصرية المنهجية” و”امتيازات البيض” المنتشرة”.
وفي مذكراتها لسنة 2019، التي صدرت بعنوان “مع كل الاحترام الواجب”، قالت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة، نيكي هالي، وهي ابنة مهاجرين هنود، بصراحة أكبر، مدعيةً عن الأمريكيين الهنود “نحن فقط جيدون في كوننا أمريكيين. وهذا يعبر عن أمريكا بقدر ما يعبر عنا”.
وهذه القصة يرويها كل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء؛ ففي مكالمة هاتفية في سنة 2021 مع مهندس ناسا سواتي موهان، قال جو بايدن “إنه لأمر مدهش. فالهنود – من أصل هندي – الأمريكيون يسيطرون على البلاد: أنت، ونائبي، وكاتب خطاباتي، وفيناي… أنتم يا رفاق مذهلون… نحن نأتي بأفضل ما في كل ثقافة منفردة في العالم هنا في الولايات المتحدة الأمريكية، ونمنح الناس فرصة لإطلاق العنان لأحلامهم”.
هذه القصة عن الاستثنائية الأمريكية الهندية – التي يتم فيها تصوير النجاح والإنجاز على أنهما سمتان هنديتان متأصلتان تزدهران في منظومة الجدارة – غالبًا ما يتم نشرها كوسيلة لتعزيز خيال أمريكا كمجتمع ما بعد العنصرية حيث يمكن تحقيق الحلم الأمريكي للجميع.
وكما تقول إلين وو، أستاذة التاريخ في جامعة إنديانا بلومنجتون ومؤلفة كتاب “لون النجاح: الأمريكيون الآسيويون وأصول الأقلية النموذجية”: إن هذه الأسطورة “لها مثل هذه القوة الدائمة لأنها قصة تبعث على الشعور بالرضا. فهي تؤكد على بعض القيم العميقة التي يهتم بها الأمريكيون… [وهي] أنك إذا عملت بجد، فسوف تنجح، وأن أمريكا هي أرض الفرص وهي أمة من المهاجرين. ومع وجود اثنين من الأمريكيين الهنود البارزين في الانتخابات، أتصور أننا سنرى الكثير من إعادة سرد ذلك مع استمرار الدورة الانتخابية”.
ولكن ليس كل الهنود في أمريكا ميسوري الحال؛ حيث يمثل الهنود ثالث أكبر مجموعة من المهاجرين غير الموثقين، ويقدر أن 9 بالمئة من الأشخاص من أصل هندي في أمريكا يعيشون في فقر اعتبارًا من سنة 2014. وما يتم استبعاده غالبًا من هذا السرد الاختزالي هو مجموعة فريدة من الظروف والامتيازات التي سمحت لبعض الأمريكيين الآسيويين – والعديد من الأمريكيين الهنود على وجه التحديد – بالاستفادة بطريقة لم يتمكن منها سوى عدد قليل من مجموعات المهاجرين الأخرى في أمريكا.
- رو خانا، الذي يظهر في الصورة مع توني بلير في سنة 2019، هو من بين الأمريكيين الهنود في الكونجرس الذين يطلقون على أنفسهم اسم تجمع الساموسا
ولفهم هذا الصعود – ولماذا يجب أن نكون حذرين من الاحتفالات الجوفاء بالتمثيل على أساس الخلفية العرقية أو الإثنية – يجب على المرء أن يفهم سياق تاريخ الهجرة، خاصة مع تنامي القوة السياسية والاقتصادية للأمريكيين الهنود.
فمعظم المدارس الأمريكية لا تعلم إلا القليل أو لا تعلم شيئًا عن تاريخ الأمريكيين الآسيويين. ففي خمسينيات القرن التاسع عشر، هاجر عمال من جنوب الصين إلى الولايات المتحدة وكندا للمساعدة في بناء السكك الحديدية والحفر في المناجم خلال فترة التدافع على الذهب، ومثلوا 20 بالمئة من القوى العاملة في كاليفورنيا بحلول سنة 1850.
وبدأ العمال البيض ينظرون إلى العمال الصينيين على أنهم تهديد اقتصادي، وبعد تصاعد المشاعر المعادية للصينيين، أصدرت أمريكا في سنة 1882 قانون الاستبعاد الصيني؛ وهو أول حظر للهجرة على أساس العرق في البلاد. (يعود تاريخ وجود الآسيويين الجنوبيين في الولايات المتحدة إلى القرن الثامن عشر الميلادي، لكنه بدأ في النمو في أواخر القرن التاسع عشر، مما أدى إلى عداء عنصري مماثل).
لقد حظرت الولايات المتحدة في وقت لاحق الهجرة من الدول الآسيوية بموجب قانون الهجرة لسنة 1924. وسُمح بالهجرة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، عندما أصبح المهاجرون الآسيويون مؤهلين للتجنس، ولكن كان لا يزال محدودًا للغاية بسبب الحصص.
ويقول وو: “في الفترة ما بين حقبة التدافع على الذهب في منتصف القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية، كان للآسيويين في أمريكا موقع متميز للغاية فيما يمكن أن نعتبره النظام العرقي. وكان المجتمع الأمريكي والحكومة قد قررا أن الآسيويين ليسوا بيضًا بشكل قاطع أو نهائي”.
وباعتبارهم من غير البيض، كان الآسيويون غير مؤهلين للحصول على الجنسية الأمريكية – لم يكن بإمكانهم التصويت، ولم يكن بإمكانهم الزواج من البيض، ولم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى وظائف معينة، وكانوا يعيشون في مناطق معزولة.
بعد الحرب العالمية الثانية، وفي ظل الحرب الباردة؛ حدث تحول طفيف ولكنه مهم في التصنيف العرقي للأمريكيين الآسيويين، فيقول وو: “في هذه الفترة، لم يكن الأمر يتعلق بكونهم ليسوا بيضًا بشكل واضح أو محدد بقدر ما كان يُنظر إليهم على أنهم ليسوا سودًا بشكل واضح أو محدد”.
وكانت حركة تحرير السود في حقبة الحقوق المدنية، إلى جانب تغير المواقف خلال الحرب الباردة، هي التي أجبرت القادة الأمريكيين على إنهاء نظام الحصص وتمرير قانون هارت-كيلر للهجرة والجنسية لسنة 1965، وقد فتح هذا القانون حدود الولايات المتحدة أمام آسيا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى، وأعطى الأفضلية للعمال ذوي المهارات العالية والمتعلمين ذوي الروابط العائلية القوية، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من الهنود والمجموعات الآسيوية الأخرى، وقد ترسخت في العقلية الأمريكية “أسطورة الأقلية المثالية”، وهي قصة صورت صعود الطبقة الوسطى من الأمريكيين الآسيويين نتيجة للعمل العرقي والعائلات المترابطة والذكاء الفطري.
هذه الأسطورة – مثلها مثل جميع الصور النمطية العرقية – ضارة في نهاية المطاف، لأنها تضع النجاح النسبي لعدد قليل من الأمريكيين الآسيويين كوسيلة لإنكار وتجاهل عدم المساواة الهيكلية والعنصرية في أمريكا في النهاية.
كما تحجب هذه الأسطورة أيضًا التجارب المعقدة والمتنوعة لمجموعة تضم أكثر من 20 مليون شخص و24 بلدًا أصليًا في صورة مسطحة، وتتجاهل حقيقة أن الأمريكيين الآسيويين يعانون من أوسع فجوة في الثروة مقارنة بأي مجموعة عرقية أخرى.
إن اعتناق هذه الأسطورة يجعل من المستحيل تقريبًا معالجة أوجه عدم المساواة التي يواجهها الأمريكيون الآسيويون، بما في ذلك الزيادة الأخيرة في العنف العنصري، لأنها تدعي أن الأمريكيين الآسيويين لا يعانون. ومن المرجح أن يتبنى الأمريكيون الآسيويون الذين يتذرعون بهذه الأساطير مواقف معادية للسود. فعلى سبيل المثال، وصف المرشح الجمهوري السابق للرئاسة فيفيك راماسوامي (وهو صديق لعائلة آل فانس) العمل الإيجابي بأنه “سرطان في روحنا الوطنية” ورفض يوم الاستقلال باعتباره يومًا “عديم الفائدة”.
- وصول فيفيك راماسوامي لإلقاء كلمة خلال المؤتمر الجمهوري لسنة 2024
إن أسطورة الأقلية المثالية تمحو أيضًا ثلاث مزايا رئيسية تمكن غالبية المهاجرين من الهند من الازدهار في الحياة المدنية الأمريكية: الإلمام بنظام التصويت الديمقراطي، وإجادة اللغة الإنجليزية، والموارد في الهند. ويقول راماكريشنان إن المهاجرين القادمين من بلدان ديمقراطية يكونون أكثر عرضة للمشاركة في الانتخابات الأمريكية، كما أن اللغة الإنجليزية – وهي إرث من الحكم الاستعماري البريطاني – تُدرَّس في مجتمعات الطبقة المتوسطة والعليا التي تنتج معظم المهاجرين الذين يأتون إلى أمريكا، والتحدث بالإنجليزية يسهّل استيعاب الأخبار الأمريكية ويقلل من خطر التمييز القائم على اللغة.
العامل الثالث الذي شكّل نجاح الأمريكيين الهنود هو الامتيازات في الهند، فوفقًا لكتاب “الواحد في المئة الأخرى: الهنود في أمريكا”، فإن جزءًا كبيرًا من الشتات الهندي الأمريكي هو نتيجة تراتبية طبقية غير مرئية ولكنها صارمة للطبقات والفئات الاجتماعية؛ حيث يتمتع المنتمون إلى أعلى الطبقات والفئات في الهند – البراهمة في القمة – بإمكانية الوصول إلى أفضل المدارس والوظائف، التي تعد العمال لوظائف ومناصب ذوي الياقات البيضاء في أمريكا.
ويقول المؤلف المشارك في الكتاب سانجوي تشاكرافورتي، أستاذ الجغرافيا والدراسات الحضرية ومدير الدراسات العالمية في جامعة تمبل والزميل الزائر في مركز الدراسات المتقدمة للهند في جامعة بنسلفانيا، إن العديد من الكتّاب والباحثين يفترضون أن الأمريكيين الهنود “أقرب إلى السود منهم إلى البيض” بسبب لون البشرة، ويوضح أن هذا التصنيف “يتجاهل نظام التحيز والإجحاف في الهند، والذي أنتج تسلسلًا هرميًا اجتماعيًا – طبقيًا وقبليًا – وتعليميًا، وبشكل متزايد تسلسلًا هرميًا للدخل. ما تراه في الحقيقة هو وصول أشخاص اعتادوا على ممارسة السلطة”.
تجسد والدة هاريس، شيامالا غوبالان، بعض هذه الامتيازات وتعقيدات التحليل؛ فقد جاءت غوبالان إلى أمريكا في سنة 1958 وهي في التاسعة عشرة من عمرها للحصول على درجة الماجستير من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، عندما كان عدد المهاجرين الهنود في الولايات المتحدة 12 ألف مهاجر فقط.
ونشأت كواحدة من رعايا الاستعمار البريطاني في الهند، وعانت من التمييز في أمريكا، وانخرطت في النشاط في مجال الحقوق المدنية وتزوجت من دونالد هاريس، وهو طالب دراسات عليا جامايكي المولد في بيركلي. لكنها تشبثت أيضًا بهويتها البراهمية، وقالت لصحيفة سان فرانسيسكو ويكلي في سنة 2003: ”في المجتمع الهندي نحدد مكانتنا حسب الولادة. نحن براهمة؛ هذه هي الطبقة العليا. أرجوكم لا تخلطوا بين هذا والطبقة التي تتعلق بالمال فقط”.
(بدأ التمييز الطبقي يحظى بمزيد من الاهتمام في أمريكا، ففي سنة 2023، أصبحت سياتل أول مدينة أمريكية تحظره، وتقوم بعض الكليات بمراجعة سياستها لحظر التمييز الطبقي. وقد فشل اقتراح مماثل لحظر التمييز القائم على الطبقة الاجتماعية بشكل صريح في كاليفورنيا).
إن بروز هاريس وفانس، اللذان يمثلان أيديولوجيات مختلفة بشكل صارخ، يسلط الضوء على هذه التواريخ المعقدة ويوضح محدودية خطاب الذي يمثلانه. وفي حين أن العديد من الأمريكيين الهنود ربما رأوا أنفسهم في فانس عندما واجهت رد فعل عنصري عنيف في المؤتمر الوطني الجمهوري، إلا أن الممثلة الكوميدية بوجا ريدي – التي تعرّف نفسها مثل فانس بأنها من جنوب الهند وتيليغو – أوضحت في مكالمة زووم يوم الأربعاء ضرورة النظر إلى ما وراء العرق المشترك.
وقالت: “هذه هي لحظتنا لفهم وإدراك أن أوشا فانس تثبت أن جميع أصحاب البشرة ليسوا نفس الشيء. وأريد أن نصل إلى الناس في مجتمعاتنا الذين قد يتجهون للتصويت لترامب بسبب الشعور الزائف بالأمان الذي تجلبه فانس لحملته باسم نساء جنوب آسيا. لقد رأيت ذلك وهو أمر بغيض”.
وبينما يصوت الأمريكيون الهنود بأغلبية ساحقة للديمقراطيين، فلا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن فانس ساعدت في تشكيل الصعود السياسي لزوجها، المرشح الذي يدعم حظر الإجهاض على المستوى الوطني. أو أن راماسوامي، الذي يرفض “أجندة التغير المناخي” ويعتبرها “خدعة”، يمكن أن يحمل وجهات نظر يمينية.
يقول شاكرافورتي: “أعتقد أننا يجب أن نكون أقل اندهاشًا، خاصةً الآن مع وجود عدد لا بأس به من الأمريكيين الهنود [في السياسة]. أعتقد أن الليبرالية في الواقع هي شيء يأتي بشكل طبيعي لجزء كبير من الأمريكيين الهنود الذين لم يعرفوا سوى الامتيازات والنجاح طوال حياتهم، ويعتقدون أنهم مميزون، وأنهم موهوبون، وأن الأمر لا علاقة له بنقاط البداية والمزايا التي يتمتعون بها. ومن الطبيعي أن يمتد ذلك إلى الحزب الجمهوري والسعي إلى السلطة السياسية والنفوذ داخل تلك الهوية”.
ولا ينبغي أيضًا أن يكون من المفاجئ أن رئيس الوزراء الهندي اليميني القومي الهندوسي اليميني، ناريندرا مودي، يحظى بدعم قوي بين الأمريكيين الهنود (بما في ذلك داخل إدارة بايدن) وأولئك الذين يصوتون كتقدميين في الولايات المتحدة.
ويوضح شاكرافورتي: “إنهم مهيمنون في الهند، واليمين يدعم هذه الهيمنة، لكنهم ليسوا مهيمنين في الولايات المتحدة، فهم أقلية ويدعمون الحزب الذي يدعم الأقلية”. إن نسيان هذه التواريخ المتنوعة والمشحونة يسمح للأيديولوجيات اليمينية بالترسخ والتعمق، وكما تحذر منظمة “سافيرا” المعنية بمراقبة التفوق الهندوسي فإن “التفوق الهندوسي واليمين الأمريكي يتقاربان منذ فترة طويلة، وأوشا فانس ليست سوى جزء من جبل الجليد”.
- مسؤولون من بينهم آي كي غوجرال، رئيس وزراء الهند السابق، يكشفون عن تكريم لعضو الكونغرس داليب سينغ سوند في سنة 2008 في دلهي
بالنسبة لنساء جنوب آسيا اللاتي يحملن ثقل هذا الإرث الذي غالبًا ما يتم تجاهله، فإن انتخابات 2024 معقدة بشكل خاص. وقد أشارت كاور إلى بعض المشاعر المتضاربة في تعليقاتها مساء الأربعاء أثناء موازنتها للطبيعة التاريخية لرئاسة هاريس: “بالنسبة للبعض منا الآن، فإنه وجودنا هنا أمر غير معقد، نحن نشعر بالإثارة والحماس والحضور. أما بالنسبة للبعض الآخر منا، فوجودنا هنا أمر معقد. لقد أمضينا بعض الوقت في الاحتجاج على سياسات هذه الإدارة – ومع ذلك نحن هنا”.
وفي النهاية، قالت: “نحن نعلم أن الطريق إلى المستقبل هو من خلال رئاسة هاريس، وأنه سوف يفتح نافذة وبوابة من الإمكانيات لبقيتنا ليقوموا بالتعبئة والتنظيم والعمل من أجل السياسات التي نحتاجها وأمريكا التي نحلم بها… حيث يكون الجميع مرحبًا به”.
ويمكن لدرس في التاريخ أن يقدم بعض الأمل أيضًا: بالنسبة لأولئك الذين يخشون من أن يكون انتخاب هاريس “محفوفًا بالمخاطر” بسبب كونها امرأة سوداء ومن جنوب آسيا، يشير راماكريشنان إلى داليب سينغ سوند، الذي ولد تحت الحكم الاستعماري البريطاني في البنجاب بالهند، وأصبح أول عضو أمريكي آسيوي في الكونغرس الأمريكي سنة 1957.
رغم أنه واجه عقبات أكبر من التي تواجهها هاريس اليوم؛ حيث جاء سوند إلى الولايات المتحدة للدراسة في برنامج الماجستير في جامعة كاليفورنيا في بيركلي في عشرينيات القرن الماضي، ولم يكن يملك الحق في أن يكون مواطنًا أو أن يمتلك أرضًا، ثم أصبح مزارعاً وناضل بنجاح لتغيير القوانين التي كانت تمنع الهنود من التجنس.
تم تمرير القانون الذي يسمح بمنح الجنسية في سنة 1946، وفي سنة 1956 فاز سوند في انتخابات الكونغرس. يقول راماكريشنان: “بالطبع، هناك بالطبع مثال باراك أوباما. لكنني أعتقد أنه يمكننا أيضًا أن ننظر إلى سوند كمثال على قدرة شخص ملون على جذب مجموعة أكبر من الأمريكيين، لنظهر على الأقل أن ذلك ليس ممكنًا فحسب، بل إنه قد تم فعله من قبل”.
المصدر: الغارديان